alsharq

فالح بن حسين الهاجري - رئيس التحرير

عدد المقالات 210

المعلومة تحت النار .. إسكات الصحفي لن يوقف القصة

03 نوفمبر 2025 , 01:00ص

يشهد العالم تحولا غير مسبوق في طبيعة المخاطر التي يواجهها الصحفيون داخل مناطق النزاعات. لم تعد التهديدات مرتبطة بالصدفة أو بخطأ في حسابات الميدان، وإنما أصبحت جزءا من استراتيجية تسعى إلى التحكم بالرواية وإدارة الذاكرة. تقارير منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة اليونسكو تشير إلى أن أكثر من 85٪ من جرائم قتل الصحفيين منذ عام 2006 لم تصل إلى أي حكم قضائي، وهي نسبة كفيلة بالكشف عن ظاهرة أعمق: الجريمة تستمر لأن العقوبة غائبة. هذا الحجم منا للإفلات من المحاسبة، وفق التقرير الدولي الصادر في نوفمبر 2024، خلق بيئة تشعر فيها الأطراف المتورطة بأن استهداف الصحفيين خيار متاح دون ثمن حقيقي. في غزة، سجلت لجنة حماية الصحفيين CPJ خلال الحرب الأخيرة أكبر عدد من الصحفيين المستهدفين في نزاع واحد خلال فترة زمنية قصيرة، وهو رقم لم يسبق تسجيله في أي حرب أخرى خلال العقدين الماضيين. التحليل الوارد في تقارير اللجنة يوضح أن أماكن الاستهداف شملت سيارات تحمل شعار “صحافة”، ومقرات سكنية معروفة مسبقا، ما يدل على أن عملية القتل لم ترتبط بالصدفة أو الجهل، وإنما بقرار يهدف إلى تعطيل وظيفة الشاهد ومنع وصول الصورة إلى الجمهور. حماية حق المجتمع في المعرفة هذا الواقع يعيد تعريف معنى وجود الصحفي في أرض النزاع، وظيفته لم تعد نقل خبر أو التقاط صورة، بل حماية حق المجتمع في المعرفة، كل مشهد يوثقه، وكل شهادة يدونها تصنع ذاكرة قد تتحول في لحظة ما إلى وقائع قانونية ضد الجهة التي ارتكبت الانتهاك. الرؤية هنا ليست تقنية فقط بقدر ما هي سياسية. فالقوة التي تحتكر الرؤية تستطيع فرض تفسير واحد للواقع، وتلك التي تُفتح أمامها كاميرا مستقلة تفقد السيطرة على التأويل وعلى النتائج. التحكم في المعلومة أصبح جزءا من إدارة المعارك. استهداف الصحفيين يدخل ضمن الهدف الأعم وهو كسر الحلقة التي تربط الحقيقة بالمساءلة، إذ يدرك منفذ الجريمة أن غياب الشاهد يعني غياب الدليل، وأن الصورة التي لا تصل للجمهور تتحول إلى حدث لم يقع. لهذا باتت الكاميرا تُعامل في كثير من مناطق النزاع باعتبارها سلاحا، والصحفي باعتباره صاحب قدرة على قلب ميزان القوة رغم عدم امتلاكه لأي أدوات عسكرية. مقاربات جديدة للحماية أمام هذا التحول ظهرت مقاربات جديدة للحماية، لم تعد المؤسسات الإعلامية تكتفي بإصدار بيانات أو شجب الانتهاكات، لأن الاعتداء لا يتوقف عند حدود الإدانة، بدأت تُعتمد مقاربات تعتمد على تحويل الصحفي من شاهد فرد إلى منظومة مؤسسية تستمر حتى عندما يغيب، مبادرات دولية مثل Forbidden Stories تبني هذا المبدأ: كل تحقيق يباشره صحفي ثم يُستهدف، يتسلمه فريق دولي ويُكمل نشره، ما يعني أن الجريمة تفقد وظيفتها، وبذلك يتحول الاستهداف إلى نتيجة عكسية، ويصبح نشر العمل استمرارا لذاكرة لا نهاية لها. ويتجاوز الأمر حماية الأشخاص إلى حماية الذاكرة نفسها، التجارب الميدانية أظهرت أن أكبر خسارة لا تتمثل في فقدان الصحفي، وإنما في ضياع المادة التي كان يعمل عليها، لذلك انتقلت المؤسسات الإعلامية إلى إنشاء أرشيفات رقمية موزعة خارج نطاق السيطرة، تُحفظ فيها الصور والفيديوهات في خوادم متعددة داخل دول مختلفة، مما يمنع محوها أو الوصول إليها، هذا النوع من الأرشفة يجعل الذاكرة مستقلة عن الجغرافيا، فلا ترتبط المعلومات بسلامة مقر إعلامي أو بوجود معدات مادية في منطقة النزاع. غير أن التحول الأكثر تأثيرا يحدث عندما يتعامل الإعلام مع استهداف الصحفي ليس كحادث عابر، وإنما كملف مفتوح. المؤسسات الإعلامية الرصينة التي تبني مقاربة مهنية في مواجهة الاعتداءات لا تكتفي بنشر خبر مقتل الصحفي، بل توثق وتتابع وتطرح الأسئلة التي تحاصر الجريمة سياسيا وقانونيا. هنا يتغير معنى التغطية من رواية حدث إلى دفاع عن قيمة مهنة الصحافة نفسها، هذا النهج يرفع تكلفة الاعتداء على الصحفي، ويخلق ديناميكية إعلامية تشكل ضغطا على الحكومات والجيوش والمنظمات المسلحة. المؤشر العلني للمساءلة وفي سياق متصل، أصبح “المؤشر العلني للمساءلة” إحدى الأدوات المركزية التي يجري تطويرها عالميا. الفكرة تقوم على عرض سجلات الدول سنويا: عدد الصحفيين المستهدفين، مستوى تعاون السلطات، مراحل التحقيق، وأسماء الملفات التي بقيت مجمدة، عندما تُحول الأرقام إلى شاشات مفتوحة يفقد الصمت صلاحيته، وتصبح الدولة التي تمتنع عن تقديم المعلومات في مواجهة سجل معروض أمام المجتمع الدولي. كما ظهرت فكرة أوسع لحماية الذاكرة، تقوم على إشراك الجمهور نفسه في عملية التوثيق. في غزة خلال الأشهر الماضية تحولت كاميرات المدنيين إلى امتداد لدور الصحفيين عندما طالت الاستهدافات شبكة المراسلين. هذا التوسع في مصادر الشهادة يكسر فكرة “إسكات الشاهد”، لأن الشاهد لم يعد فردا، بل شبكة مجتمعية تمتد في كل الاتجاهات، كلما تعددت زوايا التصوير، أصبحت الذاكرة أصعب في المحو. كل هذه المبادرات، سواء كانت مؤسسية أو مجتمعية، تشترك في نقطة مركزية: حماية الصحفي ليست غاية في ذاتها، الهدف الحقيقي هو حماية الحقيقة من الاحتكار، فالمسألة تتعلق بحماية الحق في المعرفة، وحماية وعي الناس من أن يتحول إلى وعي تمت صياغته برواية واحدة لا منافس لها. مداخلة في ندوة وفي مداخلة لي أمس خلال ندوة «إفلات قتلة الصحفيين من العقاب.. حجب الحقيقة وإمعان في الصمت» التي نظمها مركز الجزيرة للحريات وحقوق الإنسان بالشراكة مع قناة الجزيرة مباشر، أكدت أهمية المتابعة المستمرة لجرائم استهداف الصحفيين وعدم الاكتفاء بإصدار البيانات، ونوهت بأن هذا الحدث يحظى باهتمام بالغ لما يحمله من دلالات إنسانية في ظل ما يشهده العالم من مآسٍ وإسكاتٍ لصوت الحقيقة، بعد سقوط شهداء الكلمة والحقيقة من قناة الجزيرة ومن إعلاميين كثر في مختلف الدول. كما أكدت في المداخلة على ضرورة تواصل المتابعة الجادة من الجهات المعنية، خاصة أن المنظمات الدولية أدت دورها عبر إصدار تقارير وإدانة الجرائم والتواصل مع عائلات الضحايا، إلا أن الدور الأكبر يقع على المؤسسات الإعلامية وهيئات حقوق الإنسان ونقابات الصحفيين والمؤسسات الحقوقية. وفي نهاية المداخلة شددت على أهمية تفعيل منظومة متكاملة تضم وسائل الإعلام والدول والأسر ومراكز حقوق الإنسان، إلى جانب الجهات القانونية والاقتصادية، لضمان حماية الصحفيين ومحاسبة الجناة وصون حرية الصحافة. الخلاصة التي يمكن تأكيدها اليوم هي أن حماية الصحفيين تبدأ من إلغاء الجدوى الاستراتيجية من استهدافهم، حين يدرك الفاعل أن إسكات الصحفي لن يوقف القصة، وأن نشر التحقيق سيستمر حتى بعد غياب صاحبه، تتراجع الرغبة في ارتكاب الجريمة، وحين تصبح الذاكرة مستقلة عن الجسد الذي يحملها، يفقد القاتل القدرة على التحكم بالنتيجة. في عالم تتصارع فيه السرديات تصبح الحقيقة جزءا من معادلة القوة، والصحفي ليس حامل كاميرا فقط، بل عنصر من عناصر توازن القوى في إدارة الوعي العام، لذلك، فإن الدفاع عن الصحافة ليس موقفا مهنيا فقط وإنما دفاع عن المجتمع نفسه وعن حقه في أن يرى ويسأل، ويفكّر. @FalehalhajeriQa

اكتمال معجم الدوحة.. لحظة تأسيس جديدة في تاريخ «العربية»

شهدت الدوحة لحظة ثقافية استثنائية مع حفل اكتمال «معجم الدوحة التاريخي للغة العربية» برعاية وحضور حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى، في قاعة كتارا بفندقي فيرمونت ورافلز. لم يكن...

اليوم الوطني: تأسيس الدولة.. وبناء الإنسان.. وحضور يتجاوز الجغرافيا

تحتفل دولة قطر في الثامن عشر من ديسمبر من كل عام بذكرى تأسيسها عام 1878م على يد المؤسس الشيخ جاسم بن محمد بن ثاني (رحمه الله). وهذه مناسبة وطنية لا تختزلها المراسم والاحتفالات، وإنما تعكس...

قطر والسعودية.. شراكة تُعيد رسم مستقبل الخليج

شهدت العاصمة الرياض، أمس الإثنين، انعقاد الاجتماع الثامن لمجلس التنسيق القطري–السعودي برئاسة حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى وصاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز آل...

منتدى الدوحة 2025.. منصة عالمية تنتقل بالعدالة من المفهوم إلى التنفيذ

انطلقت، أمس، أعمال منتدى الدوحة 2025 وسط حضور رفيع، تقدّمه حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى، حيث شكّل وجود سموه في افتتاح الفعاليات علامة على الاهتمام الذي توليه الدولة...

قطر وبناء العقل: منظومة تقود الدولة نحو المستقبل.. حين تتحول المعرفة إلى مشروع وطني

هناك لحظات في التاريخ يصبح فيها التفكير أهم من البناء، والفكرة أهم من المساحة، والعقل أهم من القوة المادية. في مثل هذه اللحظات يتضح أن الدول التي تملك عقلا منظما ورؤية فكرية واضحة تستطيع أن...

تتقدم قطر إلى واجهة المشهد الدولي.. جولة صاحب السمو تفتح حقبة جديدة في إفريقيا والعالم

شهدت الدبلوماسية القطرية خلال الأيام الماضية محطة جديدة تعكس حضور دولة قطر في قلب التحولات الإقليمية والدولية، عبر الجولة التي قام بها حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى إلى...

من ساحات شمال كيفو إلى الدوحة.. إنهاء سنوات من التوتر بين الكونغو الديمقراطية و «M23»: رحلة وساطة قطرية تنشر السلام في قلب القارة السمراء

في الخامس عشر من نوفمبر 2025، شهدت الدوحة محطة جديدة في سجل الوساطة القطرية مع توقيع «اتفاق الدوحة الإطاري للسلام» بين حكومة جمهورية الكونغو الديمقراطية وتحالف نهر الكونغو، المعروف بحركة الثالث والعشرين من مارس «...

شراكة تتقدم نحو التنفيذ.. الدوحة تفتح مرحلة جديدة في التعاون مع كوريا

افتُتِحت الدورة الحادية والعشرون من منتدى التعاون بين كوريا والشرق الأوسط تحت شعار «شراكة من أجل السلام والازدهار»، في حدث بدت ملامحه أبعد من تقويم مؤسسي معتاد.جاء المنتدى منظَّما من مجلس الشرق الأوسط للشؤون الدولية...

كلمة صاحب السمو أمام القمة العالمية تحمل رؤية شاملة.. التنمية الاجتماعية لا يمكن فصلها عن العدالة الإنسانية

في القمة العالمية الثانية للتنمية الاجتماعية التي تحتضنها الدوحة، ألقى حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى كلمة شكلت حدثا في حد ذاتها، لما حملته من رؤية شاملة تتجاوز المألوف...

خطاب صاحب السمو في مجلس الشورى.. خطة عمل وطنية متكاملة

افتتح حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى، صباح يوم أمس الثلاثاء 21 أكتوبر 2025، دور الانعقاد العادي الرابع والخمسين لمجلس الشورى، في لحظة سياسية تؤكد استمرار الدولة على نهجها...

صاحب السمو رجل السلام.. قطر تصنع الأمل.. من أول «الطوفان» إلى قمة شرم الشيخ

حين تشتعل الحروب وتنتكس معاني الإنسانية، لا يُقاس القادة بما يقولون، بل بما يفعلون. وفي زمن كثرت فيه الخطابات وقلت فيه المبادرات الإقليمية والدولية لإحلال السلام، برزت دولة قطر كوسيط نزيه لها دورها الفاعل، يقودها...

الإستراتيجية الوطنية لتعزيز النزاهة والشفافية والوقاية من الفساد (2025 – 2030): بناء منظومة حوكمة رشيدة تعزز الثقة بين المواطن والدولة

في مشهد وطني يعكس نضج التجربة القطرية ووضوح رؤيتها، دشنت دولة قطر، تحت رعاية معالي الشيخ محمد بن عبدالرحمن بن جاسم آل ثاني رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية، الإستراتيجية الوطنية لتعزيز النزاهة والشفافية والوقاية من...