


عدد المقالات 335
ما أعظم أن ندرك حقيقة أنفسنا، وحاجاتنا، وما تستقيم به أنفسنا! وما أفضل أن يعرف الإنسان قدر نفسه! فيمضي بها وفق دليل لا يخطئ إن التجأ به إلى ربه، وأدرك خير صلاحه، وشرّ فساده، وأعني هنا «القلب» وما أدراك ما القلب؟ إنه ذلك العضو الصغير الذي قال فيه عليه السلام: «أَلَا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، أَلَا وَهِيَ الْقَلْبُ». فصلاح حركات القلب تقود إلى صلاح الجوارح، وإذا صلحت قلوب الخلق، وجّهها الله إلى ما فيه رضاه وسعادتهم في الدنيا والآخرة. ولله درّ ابن القيم حين قال في درره، فيما يتعلّق بطهارة القلب: «كلما طهر القلب رقَّ، فإذا رقَّ راق، وإذا راق ذاق، وإذا ذاق فاق، وإذا فاق اشتاق إلى الله، وإذا اشتاق إلى الله اجتهد، وإذا اجتهد هبّت عليه نسائم الجنة، فيفرح بالطاعة، ومن ذاق عرفَ، ومَنْ عرفَ اغترفَ، ومن اغترفَ نال الشرفَ». ما أروعه من قول! وما أجملها من أسباب ونتائج! تجلب الأُنس والسعادة في حياتنا الحافلة بالأحداث والمواقف التي قد نضيق بها ذرعًا من صنوف البشر، وتحديات تجعلنا نثقل بالهموم. فلو طهرنا القلب مما يعتريه من شوائب، وعهدناه بالرعاية، بأن لا يعكر صفوه شائبة، لرقَّ وارتقى، وذاق حلاوة، وفاق طلاوة. وإنّ ما يستحق منا العناية والاهتمام هو العيش بسلامة النفس، فنبيت في راحة بال، وأحسن حال. فالرقي بالنفس هو قرارنا النابع من قلوبنا، لا مما هو خارجها، وما دمنا قد قررنا أن نغترف من منهل الخير الذي تطيب به قلوبنا، فسيكون ذلك، وسننال درجات الرقي والارتقاء. وإن قلّبنا صفحات حياتنا سنجدها طيبة بكل تفاصيلها، الحلوة والمرة: لأن الحلو منها يعزز نهجنا ومسيرتنا نحو الأفضل، والمر منها يقوينا ويكسبنا تجارب وخبرات ونستقي منها الدروس والعظات، فكل أمر ابن آدم له خير؛ وفق ما أورده طبيب القلوب عليه السلام في الحديث الشريف: «عَجَبًا لأَمْرِ المُؤْمِنِ، إنَّ أمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وليسَ ذاكَ لأَحَدٍ إلَّا لِلْمُؤْمِنِ، إنْ أصابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ، فَكانَ خَيْرًا له، وإنْ أصابَتْهُ ضَرَّاءُ، صَبَرَ فَكانَ خَيْرًا له». إن من المهمّ جدًا أن ندرك دور القلب في توجيه كلّ ما يرتبط بحياتنا، وبأثره في كل حركاتنا وسكناتنا، وأن يعرف كل واحد منّا طبيعة قلبه، وكيفية إصلاحه وتطهيره والرقي به، والعلم علم اليقين بأن طهارة القلب هي سر السعادة ومركزها. وأخيرًا، أعجبني ما أورده ابن القيّم رحمه الله في شأن تصنيف القلوب، في كتابه «إغاثة اللهفان»: «قسم الصحابة رضي الله تعالى عنهم القلوب إلى أربعة، كما صحّ عن حذيفة بن اليمان، القلوب أربعة: قلب أجرد فيه سراجٌ يزهرُ، فذلك قلب المؤمن، وقلبٌ أغْلَفُ، فذلك قلب الكافر، وقلبٌ منكوسٌ، فذلك قلبُ المنافق، عرفَ ثم أَنكرَ، وأبصرَ ثم عَمِيَ، وقلبٌ تمده مادتان، مادة إيمان، ومادة نفاق، وهو لما غلب عليه منهما». فنسأله تعالى أن تكون قلوبنا عامرة بالإيمان، مزهرة به. @zainabalmahmoud @zalmahmoud@outlook.com
عرفت البشريةُ حضارات عديدة، وكان لكلِّ حضارةٍ نمطُ عيشٍ معيَّنٍ، يتلاءَمُ معَ طبيعةِ تفكيرها وإدارتها شؤونَ حياتها، وكان العُمرانُ ميزةً فارقةً للحضارات، تعبِّرُ من خلالِهِ عن مدى رُقِيِّها ونُضْجِها، ومدَّةَ عيشِها وقوَّتِها، وامتدادِها، وعناصرَ أخرى...
إنّ من أعظم جوانب إعجاز الله في أسمائه، إعجازه في اسمه السميع الذي اقترن غالبًا، بالعليم، ثم بالبصير، ثم بالقريب، وفي كل مكان اقترن بالعليم جاء مقدّمًا عليه، وهو أشد وقعًا، وأسرع نفعًا في التحقق...
كثيرًا ما نسمع بمفردة المجد، وكثيرًا ما نطلقها في ميادين التعظيم والاعتزاز بالنفس، وبلوغ الغاية في الشرف والسؤدد، فهل عرفنا منبعها ومصدرها وأصلها في اللغة والسياقات المختلفة؟ إن مفردة المجد مشتقة من اسم الله «المجيد»...
لا يتذوق الجمال إلا من اكتملت أركان الإنسانية في قلبه وروحه، وعرف أنّ خلف هذا الجمال مبدعا عظيما. وهناك انسجام تامّ بين فطرة الله التي فطر الناس عليها وعناصر الجمال التي هيأها الله لآدم وذريته،...
ربما يتساءل كثير من الناس عن جمال الله تعالى، ونوره، فيرسمون في مخيلاتهم المتواضعة نماذج متواضعة عن حقيقة جماله سبحانه وتعالى، إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي قال في ذلك الجمال: «حجابُه النور،...
ما أعدل الله في توزيعه نعمه! وما أعظم جبره خواطر عباده! ومن معالم ذلك وأمثلته؛ أنه جلّ وعلا نوّرنا بأمثلة من عالم الإنس، يرون بطريقة فريدة غير معهودة، وهم العميان الذين ولدوا بعيون مسلوبة الأنوار،...
قد يتساءل البعض عن العلاقة التي تجمع مفردة الربّ بما يضاف إليها، وهل يبقى معناها وفق ما هو في سياقها الديني واللغوي؟ حقيقة، لكلمة الربّ خارج معناها الإلهي معانٍ مختلفة، يحدّدها السياق وما يرتبط به...
في هذه الأيام، يتوسل المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها باسم الله الغالب؛ ليرد عنهم كيد الكائدين، وغيظ المعتدين، وكل حقد ظاهر ودفين. فالأمة منذ حين تمر بمخاض القيام والانتفاض، ولهذا القيام تكاليفه الوافية من الخوف...
كلّنا ندعو الله عزّ وجلّ باسميه «السميع والبصير»، ومؤكَّدٌ أنَّنا كلَّما ذكرناه بهما سبحانه، قَفَزَ إلى ذاكرتنا وألسنتنا قوله تعالى: «لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيْرُ» (الشورى: 11)، ولكن هناك فرق بين من يقولها مستشعرًا...
لم يُنصر نبي أو عبد من عباد الله إلا بيقينه بالله وحده، وبإدراكه المطلق أن الأمر كلّه بيد الله، وأنّ الله تبارك وتعالى هو الغَالب القَاهر أبدًا، لا يَمْلك أحدٌ أنْ يردَّ ما قَضَى، أو...
كلّنا نسمع باسم الله «الستير»، وكلّنا نردده في كثير من الحالات، لكن هل علمنا حقيقته وغاية تسمية الله به؟ وما علاقته بالمجتمعات وسلمها وأمانها؟ وماذا لو استحضرنا هذا الاسم في جوانب حياتنا المختلفة؟ إنّ مدارسة...
كلٌّ منا يمضي نحو قدره، وكل منا يختار طريقه التي ارتضتها نفسه له، فإن خيرًا فخير، وإن شرًا فشر، والبشر في إطار القدر قسمان، قسم هو الأعلى بقربه من الله وإطاعته، وقسم هو الأسفل ببعده...