


عدد المقالات 329
كلّنا نسمع باسم الله «الستير»، وكلّنا نردده في كثير من الحالات، لكن هل علمنا حقيقته وغاية تسمية الله به؟ وما علاقته بالمجتمعات وسلمها وأمانها؟ وماذا لو استحضرنا هذا الاسم في جوانب حياتنا المختلفة؟ إنّ مدارسة هذا الاسم الجميل من صفات الكمال الربانية يضعنا أمام قضية من أمهات القضايا التي لها مساس بالسلم الاجتماعي، وليس يسهل في خرقها الرتق، وليس يسهل تحاشيها بعد التراخي والتفشي. والستير اسم من أسماء الله الحسنى التي وردت في السنة، فروى أبو داود في سننه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إِن اللهَ عَز وَجَل حَيِيٌّ سِتِّيرٌ يُحِب الْحَيَاءَ وَالستْرَ، فَإِذَا اغْتَسَلَ أَحَدُكُمْ فَلْيَسْتَتِرْ». وقال البيهقي: الستير يعني أنه ساتر على عباده كثيرًا ولا يفضحهم في المشاهد، وكذلك يحب من عباده الستر على أنفسهم، واجتناب ما يشينهم. وقال ابن الأثير: ستير فعيل بمعنى فاعل؛ أي؛ من شأنه وإرادته حبُّ الستر والصون، قال ابن القيم رحمه الله: وَهُوَ الحَيِيُّ فَلَيْسَ يَفْضَحُ عَبْدَهُ عِنْدَ التَّجاهُرِ مِنْـهُ بِالعِصْيَانِ لَكِنَّـهُ يُلْقِـــي عَلَيْــهِ سِتْرَهُ فَهُــوَ السِّتِّيرُ وَصَاحِبُ الغُفرَانِ وقد نصّ القرآن الكريم، وسنّةُ صاحبِ الخُلُق العظيم على الزجر الشديد، والضربِ بيدٍ من حديد على دعاة انتهاك حماها المكين، وحصنها الحصين. قال تعالى: (يَا بَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْءَاتِهِمَا إِنَّهُ يَراكُمْ هُوَ وَقَبِيْلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِيْنَ أَوْلِياءَ لِلَّذِيْنَ لَا يُؤْمِنُونَ). من هذه الآية، يستنبط العلماء أن الفخ الأكبر الذي نصبه إبليس الرجيم اللعين لسلالة آدم منذ بدء التكوين هو هتك الحياء، وتبرج النساء، وكشف العورة، وافتراس الغيرة، فمنذ أن اقتادهما إلى هاوية الغرور، وأوردهما المعصية، أخرجهما من دار الحبور، لينزع عنهما اللباس الذي كان لهما وقاءً من ظهور العورة البواح، وسترًا من الافتضاح، فحرص اللعين على أن يريهما السوءات التي لم يرياها في الجنّات. وفي هذه الآية إلماح، بل تصريح وإيضاح، أن الطريقة المثلى والخطة الأدهى والأنكى لإبليس اللعين في نشر الغواية، والتصدي للهداية هي سبيل الشهوات وإماطة الستر عن العورات، وانتشار الكاسيات العاريات، وتعشيش الإباحية والانحرافات. هذا عن خطة إبليس، فماذا عن الدستور الإلهي الناظم لحياة العباد، الرادع للفساد والإفساد؟ لله قوانين ودساتير كثيرة في كل شاردة وواردة من شؤوننا، سبحانه هو القائل: (مَا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ). أما في مجال الستر وحفظ الحياء، ففيه نصوص كثيرة من الكتاب العزيز، منها قوله تعالى: (إِنَّ الّذِيْنَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الفَاحِشَةُ فِي الّذِيْنَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيْدٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ)، نزلت هذه الآية في سورة النور، والتي جاءت براءةً للصدِّيقة بنتِ الصدّيق، أُمُّنَا عائشة - رضي الله عنها - فبرّأها الله من إفك كل أفّاك أَثيم، خاض في أمر يحسبه هينًا، وهو عند الله عظيم، ثمَّ جاءت هذه الآية الكريمة دواء لأصحاب النفوس المولعة بتلقُّطِ روائح الفضائح، وإخبارها للغادي والرائح، ونبَّهَ ربُّنا، جلَّ وعلا، من يسهم في إشاعة الفاحشة في المؤمنين بعذابين في الدارين، لما يسهم فيه من نقضِ العُرى، وانحلال الأواصر، وشيوع الخنا، كما أنه يسهم في استساغة المعصية، فإذا كان المجتمع ستّيرًا محافظًا على حشمته، استوحش صاحب الذنب، فربّما تاب لربّه في عزلته وخلوته. وأمّا كثرة الحديث والنشر عن انتشار الفاحشة والفجور، وتعاطي الخمور، وعظائم الأمور، فمن شأنه أن يخفف الوحشة منها، ويزيد الإقبال عليها، وعدم الإجفال منها، والتوبة إلى الله عنها. وأخيرًا أقول: إنّ اسم الله الستير مجاور لصفته الحييّ، والستر أخو الحياء، بهما تُصان النفوسُ والذمم بين الناس، وبهما تتحقق طمأنينة النفس وسكنها، فتبقى ثابتة على طاعة الله، ترجوه دومًا، وتخشى عذابه، ورحم الله من قال: يعيش المرء ما استحيا بخيرٍ ويبقى العودُ ما بقي اللحـاءُ @zainabalmahmoud @zalmahmoud@outlook.com
قد يتساءل البعض عن العلاقة التي تجمع مفردة الربّ بما يضاف إليها، وهل يبقى معناها وفق ما هو في سياقها الديني واللغوي؟ حقيقة، لكلمة الربّ خارج معناها الإلهي معانٍ مختلفة، يحدّدها السياق وما يرتبط به...
في هذه الأيام، يتوسل المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها باسم الله الغالب؛ ليرد عنهم كيد الكائدين، وغيظ المعتدين، وكل حقد ظاهر ودفين. فالأمة منذ حين تمر بمخاض القيام والانتفاض، ولهذا القيام تكاليفه الوافية من الخوف...
كلّنا ندعو الله عزّ وجلّ باسميه «السميع والبصير»، ومؤكَّدٌ أنَّنا كلَّما ذكرناه بهما سبحانه، قَفَزَ إلى ذاكرتنا وألسنتنا قوله تعالى: «لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيْرُ» (الشورى: 11)، ولكن هناك فرق بين من يقولها مستشعرًا...
لم يُنصر نبي أو عبد من عباد الله إلا بيقينه بالله وحده، وبإدراكه المطلق أن الأمر كلّه بيد الله، وأنّ الله تبارك وتعالى هو الغَالب القَاهر أبدًا، لا يَمْلك أحدٌ أنْ يردَّ ما قَضَى، أو...
كلٌّ منا يمضي نحو قدره، وكل منا يختار طريقه التي ارتضتها نفسه له، فإن خيرًا فخير، وإن شرًا فشر، والبشر في إطار القدر قسمان، قسم هو الأعلى بقربه من الله وإطاعته، وقسم هو الأسفل ببعده...
إنّ كمال غِنى الله سبحانه وتعالى عظيم؛ لا يحدّ ملكه حدّ، ولا يحصيه أحد، إنساً كان أو جنًا أو ملكاً، أو ما دون ذلك. ولو أن الخلق جميعًا، أولهم وآخرهم، وإنسهم وجنهم، سألوه، فأعطى كل...
لو تتبعنا اسم «الحق» في كتاب الله عزّ وجلَّ، لوجدناه في عدة مواضع؛ فيقول الحقّ جلَّ وعلا: }ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ{ [الحج: 6]، }يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ{...
مَنْ مِنّا لا يحمد الله إن أَصابته سراء؟ ومن منّا لا يشكره سبحانه إنّ أظلته أفياء نعمة؟ هذا حال من يردّ الفضل إلى صاحبه، ويهب الثناء لمن هو أهل له. وهل تفكّرتم يومًا في اسم...
هل شعرت يومًا بعظيم أفياء الله عليك فبادرت بحمده؟ وهل وقعتَ في ابتلاء ونجوتَ منه، فحدثتك نفسك بضرورة حمد الله؟ وهل أبصرت حينًا مصائب غيرك، فنبض قلبك بحمد الله الذي عافاك مما ابتلى به سواك؟...
معلوم أنّ العبد هو الذي يتوب من ذنبه ومما اقترفته نفسه ويداه وجوارحه، لكن هل هذه التوبة تؤتى لأيّ إنسان؟ أم أنّها منحة إلهية يختصّ بها من يستحق من عباده؟ حقيقة إنّ توبة الله على...
لا شكَّ في أنّ مَن يقرأ كلمة «خليفة» أو يسمعها، يتذكر قول الله تعالى: ﴿وَإِذ قَالَ رَبُّكَ لِلمَلَاـئِكَةِ إِنِّی جَاعِل فِی الأرض خَلِیفَة ﴾ [البقرة: 30]، وكذلك يتذكر منصب الخلافة في الإسلام. لكن هل حاول...
كان إمام الدعاة الشيخ محمد متولي الشعراوي - رحمه الله - أكثر الناس تداولًا وتناولًا لاسم الله الحق، وكان إذا أراد استحضار آية كريمة وإدراجها في سياق تفسيره العرفاني النوراني المعروف بالخواطر، قال: «يقول الحق...