


عدد المقالات 335
في فقهنا الحنيف لا تُقام الحدود ولا تُبرم العقود إلا بشهادة الشهود، فمنها ما يقتضي أربعة من الشهود العدول، ومنها ما يقتضي رجلاً وامرأتين «ممن ترضون من الشهداء».. وهكذا تاريخنا العامر وتراثنا الزاخر بالنفائس، إذا أردنا استطلاعه وتثمينه، فعلينا استكثار الشهود واستحضار العيون؛ للإحاطة بأفقه الواسع، والتعمق في أصوله العريقة. ومن خير الشهود على تاريخنا العربي، عدسات المخضرمين التي شهدت عُرف الجاهلية ودين الإسلام، وصوّرت الفارس العربي وهو ينتفض حميةً لتقاليده وقبيلته، والفارس المسلم وهو يقضي نحبه في سبيل الله؛ ولا أدلّ مثالاً على هؤلاء من حسّان بن ثابت يقضي عمره مناصفةً بين الجاهلية والإسلام، ويكتنز التراث من الدفة إلى الدفة، ومن الباب إلى المحراب؛ فتارةً نشاهد عدسته الخزرجية في حروب قومه مع الأوس، وتارةً نشاهد عدسته النبوية حيث حرب الحق والباطل. فمن خزرجياته وصفه: وَأَنشُدُكُم وَالبَغيُ مُهلِكُ أَهلِهِ إِذا الكَبشُ لَم يوجَد لَهُ مَن يُقارِعُه أَلَسنا نُوازيهِ بِجَمعٍ كَأَنَّهُ أَتِيٌّ أَمَدَّتهُ بِلَيلٍ دَوافِعُه كانت عبثية القتال بين الأوس والخزرج كعبثية النطاح بين كبشين، إلا أن حسّان جعل خصومه بغاةً وأن قومه يستنفرون لردّ عاديتهم وكسر شوكتهم كالسيل الذي تنضمّ إليه روافده ليزداد زخمه. ومن نبوياته وصفه: عَرَفت دِيارَ زَينَبَ بِالكَثيبِ كَخَطِّ الوَحيِ في الرَقِّ القَشيبِ ظهر الإسلام على ألفاظه وأنوار عدسته، ففي طريقه لتمجيد بدر الكبرى وتخليد ذكرى الفرقان وزهوق سادة قريش، يستعين بالتراث القرآني في وصف ديار زينب التي شابهت خط الوحي في الرق المنشور.. هكذا التراث الحساني؛ ريشة من نور وريشة من نار، من تناطح الأوس والخزرج في الجاهلية إلى خط الوحي في الإسلام.
عرفت البشريةُ حضارات عديدة، وكان لكلِّ حضارةٍ نمطُ عيشٍ معيَّنٍ، يتلاءَمُ معَ طبيعةِ تفكيرها وإدارتها شؤونَ حياتها، وكان العُمرانُ ميزةً فارقةً للحضارات، تعبِّرُ من خلالِهِ عن مدى رُقِيِّها ونُضْجِها، ومدَّةَ عيشِها وقوَّتِها، وامتدادِها، وعناصرَ أخرى...
إنّ من أعظم جوانب إعجاز الله في أسمائه، إعجازه في اسمه السميع الذي اقترن غالبًا، بالعليم، ثم بالبصير، ثم بالقريب، وفي كل مكان اقترن بالعليم جاء مقدّمًا عليه، وهو أشد وقعًا، وأسرع نفعًا في التحقق...
كثيرًا ما نسمع بمفردة المجد، وكثيرًا ما نطلقها في ميادين التعظيم والاعتزاز بالنفس، وبلوغ الغاية في الشرف والسؤدد، فهل عرفنا منبعها ومصدرها وأصلها في اللغة والسياقات المختلفة؟ إن مفردة المجد مشتقة من اسم الله «المجيد»...
لا يتذوق الجمال إلا من اكتملت أركان الإنسانية في قلبه وروحه، وعرف أنّ خلف هذا الجمال مبدعا عظيما. وهناك انسجام تامّ بين فطرة الله التي فطر الناس عليها وعناصر الجمال التي هيأها الله لآدم وذريته،...
ربما يتساءل كثير من الناس عن جمال الله تعالى، ونوره، فيرسمون في مخيلاتهم المتواضعة نماذج متواضعة عن حقيقة جماله سبحانه وتعالى، إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي قال في ذلك الجمال: «حجابُه النور،...
ما أعدل الله في توزيعه نعمه! وما أعظم جبره خواطر عباده! ومن معالم ذلك وأمثلته؛ أنه جلّ وعلا نوّرنا بأمثلة من عالم الإنس، يرون بطريقة فريدة غير معهودة، وهم العميان الذين ولدوا بعيون مسلوبة الأنوار،...
قد يتساءل البعض عن العلاقة التي تجمع مفردة الربّ بما يضاف إليها، وهل يبقى معناها وفق ما هو في سياقها الديني واللغوي؟ حقيقة، لكلمة الربّ خارج معناها الإلهي معانٍ مختلفة، يحدّدها السياق وما يرتبط به...
في هذه الأيام، يتوسل المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها باسم الله الغالب؛ ليرد عنهم كيد الكائدين، وغيظ المعتدين، وكل حقد ظاهر ودفين. فالأمة منذ حين تمر بمخاض القيام والانتفاض، ولهذا القيام تكاليفه الوافية من الخوف...
كلّنا ندعو الله عزّ وجلّ باسميه «السميع والبصير»، ومؤكَّدٌ أنَّنا كلَّما ذكرناه بهما سبحانه، قَفَزَ إلى ذاكرتنا وألسنتنا قوله تعالى: «لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيْرُ» (الشورى: 11)، ولكن هناك فرق بين من يقولها مستشعرًا...
لم يُنصر نبي أو عبد من عباد الله إلا بيقينه بالله وحده، وبإدراكه المطلق أن الأمر كلّه بيد الله، وأنّ الله تبارك وتعالى هو الغَالب القَاهر أبدًا، لا يَمْلك أحدٌ أنْ يردَّ ما قَضَى، أو...
كلّنا نسمع باسم الله «الستير»، وكلّنا نردده في كثير من الحالات، لكن هل علمنا حقيقته وغاية تسمية الله به؟ وما علاقته بالمجتمعات وسلمها وأمانها؟ وماذا لو استحضرنا هذا الاسم في جوانب حياتنا المختلفة؟ إنّ مدارسة...
كلٌّ منا يمضي نحو قدره، وكل منا يختار طريقه التي ارتضتها نفسه له، فإن خيرًا فخير، وإن شرًا فشر، والبشر في إطار القدر قسمان، قسم هو الأعلى بقربه من الله وإطاعته، وقسم هو الأسفل ببعده...