


عدد المقالات 335
قيل في الأعشى: «إنه إذا هجا وضع، وإذا مدح رفع»، وهو من استنفر سادة قريش لنبأ إسلامه غداة سمعوا مدائحه النبوية، فعرضوا له حتى تحوّل عن مراده، ونكص على عقبيه. وقد انصرفت أشعاره تلقاء الخمر والنساء والمفاخر، وأدرك معركة «ذي قار» التي انتصف فيها العرب من العجم، وتمرّغ عنفوان كسرى باجتماع السيوف العربية عليه. فما قاله الأعشى من فخر، صَدَقَ فيه وصُدِّق؛ إلا أننا بصدد طريقته البديعة في الوصف، وهو يخاطب كاشحاً ما ينفك ينفث غيظه، ويروي غله من قوم الأعشى، فقال: أَلستَ منتهياً عن نحتِ أثْلَتِناولستَ ضائرَها ما أَطّتْ الإِبِلُ كناطحٍ صخرةً يوما ليوهنَهافلم يُضرْها وأَوهى قرنَه الوعِلُ ما أجمل ما صوّره حين صغره وصغر حجمه وفعله وخيله ورجله أمام صخرة قومه العظيمة، فمهما حادها وشادها، فليس ببالغ منها ضرراً إلا كما يبلغ الوعل من صخرة يناطحها، حتى يتلف قرنيه قبل أن يقلقلها، فضلاً عن أن يزلزلها. وعوداً على ذي بدء، من حيث تنطلق قصيدته برحيل هريرة والتودّع من جمالها وطيب وصالها، فقد أتى بكل جديد وفريد من الأوصاف، وركزت عدسته في مشيتها، فقال: غرّاءُ فرعاءُ مصقولٌ عوارضُها تمشي الهوينى كما يمشي الوَجِي الوحل كأن مشيتَها من بيتِ جارتِهــــا مَرّ السحابةِ لا ريـــــثٌ ولا عجـــلُ لقد صوَّر لنا مشيتها من كل الزوايا وبكل المزايا، فلا خبط لقدميها على الأرض، بل خفة ولطافة كمشية الظبي الذي توحّلت قدماه، فكتم الوحل صوتهما فوق الحصى، ولسيرها على الثرى كما لانسياب السحابة في السماء من الاتزان، فكأنما تسير بكلها لا بأطرافها.
عرفت البشريةُ حضارات عديدة، وكان لكلِّ حضارةٍ نمطُ عيشٍ معيَّنٍ، يتلاءَمُ معَ طبيعةِ تفكيرها وإدارتها شؤونَ حياتها، وكان العُمرانُ ميزةً فارقةً للحضارات، تعبِّرُ من خلالِهِ عن مدى رُقِيِّها ونُضْجِها، ومدَّةَ عيشِها وقوَّتِها، وامتدادِها، وعناصرَ أخرى...
إنّ من أعظم جوانب إعجاز الله في أسمائه، إعجازه في اسمه السميع الذي اقترن غالبًا، بالعليم، ثم بالبصير، ثم بالقريب، وفي كل مكان اقترن بالعليم جاء مقدّمًا عليه، وهو أشد وقعًا، وأسرع نفعًا في التحقق...
كثيرًا ما نسمع بمفردة المجد، وكثيرًا ما نطلقها في ميادين التعظيم والاعتزاز بالنفس، وبلوغ الغاية في الشرف والسؤدد، فهل عرفنا منبعها ومصدرها وأصلها في اللغة والسياقات المختلفة؟ إن مفردة المجد مشتقة من اسم الله «المجيد»...
لا يتذوق الجمال إلا من اكتملت أركان الإنسانية في قلبه وروحه، وعرف أنّ خلف هذا الجمال مبدعا عظيما. وهناك انسجام تامّ بين فطرة الله التي فطر الناس عليها وعناصر الجمال التي هيأها الله لآدم وذريته،...
ربما يتساءل كثير من الناس عن جمال الله تعالى، ونوره، فيرسمون في مخيلاتهم المتواضعة نماذج متواضعة عن حقيقة جماله سبحانه وتعالى، إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي قال في ذلك الجمال: «حجابُه النور،...
ما أعدل الله في توزيعه نعمه! وما أعظم جبره خواطر عباده! ومن معالم ذلك وأمثلته؛ أنه جلّ وعلا نوّرنا بأمثلة من عالم الإنس، يرون بطريقة فريدة غير معهودة، وهم العميان الذين ولدوا بعيون مسلوبة الأنوار،...
قد يتساءل البعض عن العلاقة التي تجمع مفردة الربّ بما يضاف إليها، وهل يبقى معناها وفق ما هو في سياقها الديني واللغوي؟ حقيقة، لكلمة الربّ خارج معناها الإلهي معانٍ مختلفة، يحدّدها السياق وما يرتبط به...
في هذه الأيام، يتوسل المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها باسم الله الغالب؛ ليرد عنهم كيد الكائدين، وغيظ المعتدين، وكل حقد ظاهر ودفين. فالأمة منذ حين تمر بمخاض القيام والانتفاض، ولهذا القيام تكاليفه الوافية من الخوف...
كلّنا ندعو الله عزّ وجلّ باسميه «السميع والبصير»، ومؤكَّدٌ أنَّنا كلَّما ذكرناه بهما سبحانه، قَفَزَ إلى ذاكرتنا وألسنتنا قوله تعالى: «لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيْرُ» (الشورى: 11)، ولكن هناك فرق بين من يقولها مستشعرًا...
لم يُنصر نبي أو عبد من عباد الله إلا بيقينه بالله وحده، وبإدراكه المطلق أن الأمر كلّه بيد الله، وأنّ الله تبارك وتعالى هو الغَالب القَاهر أبدًا، لا يَمْلك أحدٌ أنْ يردَّ ما قَضَى، أو...
كلّنا نسمع باسم الله «الستير»، وكلّنا نردده في كثير من الحالات، لكن هل علمنا حقيقته وغاية تسمية الله به؟ وما علاقته بالمجتمعات وسلمها وأمانها؟ وماذا لو استحضرنا هذا الاسم في جوانب حياتنا المختلفة؟ إنّ مدارسة...
كلٌّ منا يمضي نحو قدره، وكل منا يختار طريقه التي ارتضتها نفسه له، فإن خيرًا فخير، وإن شرًا فشر، والبشر في إطار القدر قسمان، قسم هو الأعلى بقربه من الله وإطاعته، وقسم هو الأسفل ببعده...