


عدد المقالات 335
هل تفكرتم يومًا في أَبعاد قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الفُقَراءُ إِلى اللهِ وَاللهُ هُوَ الغَنِيُّ الحَمِيدِ)؟ وهل خطر ببالكم حقيقة فقرنا إلى الله؟ إن هذه الآية تتألف من خبرين، أولهما عن الناس وثانيهما عن الله، وقد خاطب الحق الناس بصيغة التعريف، فقال «الفقراء إلى الله»، فكأنه ليس وصفا للحالة، بل اسما للدلالة، فهم الفقراء بلا توهم أي غني ولا استغناء، مصنوعون معجونون بالفقر المدقع، ثم ثنّى ربنا بالخبر الثاني الذي يطمئن العباد عن فقرهم؛ وهو استغناؤهم بربهم، وهذا إذا استقاموا على الطريقة، وآمنوا، ولم يجحدوا اليقين والحقيقة. أما إذا ظنوا بأنفسهم الغنى، فقد أوردوها غيّها وفجورها، وولّوها شرورها. وشاء الحق تكرار لفظ الجلالة، ولم ينُب عنه الضمير العائد، وكأن استغناء الخبر الثاني عن الأول أبلغ في التعبير عن الغنى والاستغناء، فلم يربط مفردة (الغني) بمفردة (الفقراء) بضمير عائد. بل عطف فقرهم المدقع المغرق على غناه المطلق. فمن كان منا غنيا من حيث المال والثروة، فقد يكون فقيرًا من حيث الوَلد والعزوة، ومن يكون غنيًا من هذا وذاك، فقد يكون فقيرًا في صحته، ويعاني العلل والأسقام، ويحسد الناس على صحة الأجسام. هناك كثير من الأثرياء الذين تأثلوا الأموال وراكموها، ولم يقاسموها الفقراء من ذوي القربى والجيران وابن السبيل، ولكنهم محرومون من المتاع والانتفاع بها، لأسباب سلَّطها الله عليهم، لا يملكون لها ردًّا ولا يبلغون لها حدًّا، فمن الناس من تشغله أمواله حتى ليفتقده عياله، ويتوقون إليه كجليسٍ وأنيسٍ، ووالد رؤوم وزوج حميم، ويصبح بمنظارهم كالآلة، فهو المعيل وهم العالة. وهذا والله عين الفقر والبؤس، وشر ترجمة الغنى. ومن الناس من متّعه الله بحياة رغيدة وأموال مديدة، ولكن نغَّصه بفقد الأخلاء أو موت البنين. ما من إنسان يقع خارج نطاق الفقر والحرمان، مهما اشتمل عليه من المزايا والعطايا، أليس وراءه المنايا، وإزاءه الغيب محملًا بالخفايا؟! يقول أبو عبيد الهروي: «مَنْ اسْتَغْنَى بِلَهْوٍ أَوْ تِجَارَةٍ، اسْتَغْنى اللهُ عَنْهُ وَاللهُ غَنِيٌّ حَميدٌ»، أي طرحه الله ورماه عن عينه؛ لأن المستغني عن الشيء هو تاركه. وقد عالج الهروي هذا الحديث في الآثار الغريبة؛ لما له من الإشكال الذي قد يتوهمه القارئ من ظاهر سياقه، والمعنى محمول على المجاز، لا على الحقيقة والإطلاق، فالنبي - صلى الله عليه وسلم - يُنذر ويحذِّر من حوله، أنَّ مَن أدركته الجمعة وهو في شأن من شؤون اللهو والتجارة، فقد باء بعين الخسارة، ويحسب أنه استغنى بتجارة أو رصيد، وقد استغنى عنه الغني الحميد، والأصل أن الله غني عن العالمين، تقيِّهم وفاجرهم، مؤمنهم وكافرهم، وهو كذلك، وإنما هذا الاستغناء هو انصراف من الله عن عبده، وانعدام لنعمة إقبال الغني عليه، فكم يفقد بذلك من الغنى؟ وكم يجني من الخسار والبوار؟ فما أجمل أن نستغني بالله وحده! وما أعظم أن ندرك فقرنا وحاجتنا إليه سبحانه في كل ظرف من ظروف حياتنا وفي كل زمان ومكان! @zainabalmahmoud @zalmahmoud@outlook.com
عرفت البشريةُ حضارات عديدة، وكان لكلِّ حضارةٍ نمطُ عيشٍ معيَّنٍ، يتلاءَمُ معَ طبيعةِ تفكيرها وإدارتها شؤونَ حياتها، وكان العُمرانُ ميزةً فارقةً للحضارات، تعبِّرُ من خلالِهِ عن مدى رُقِيِّها ونُضْجِها، ومدَّةَ عيشِها وقوَّتِها، وامتدادِها، وعناصرَ أخرى...
إنّ من أعظم جوانب إعجاز الله في أسمائه، إعجازه في اسمه السميع الذي اقترن غالبًا، بالعليم، ثم بالبصير، ثم بالقريب، وفي كل مكان اقترن بالعليم جاء مقدّمًا عليه، وهو أشد وقعًا، وأسرع نفعًا في التحقق...
كثيرًا ما نسمع بمفردة المجد، وكثيرًا ما نطلقها في ميادين التعظيم والاعتزاز بالنفس، وبلوغ الغاية في الشرف والسؤدد، فهل عرفنا منبعها ومصدرها وأصلها في اللغة والسياقات المختلفة؟ إن مفردة المجد مشتقة من اسم الله «المجيد»...
لا يتذوق الجمال إلا من اكتملت أركان الإنسانية في قلبه وروحه، وعرف أنّ خلف هذا الجمال مبدعا عظيما. وهناك انسجام تامّ بين فطرة الله التي فطر الناس عليها وعناصر الجمال التي هيأها الله لآدم وذريته،...
ربما يتساءل كثير من الناس عن جمال الله تعالى، ونوره، فيرسمون في مخيلاتهم المتواضعة نماذج متواضعة عن حقيقة جماله سبحانه وتعالى، إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي قال في ذلك الجمال: «حجابُه النور،...
ما أعدل الله في توزيعه نعمه! وما أعظم جبره خواطر عباده! ومن معالم ذلك وأمثلته؛ أنه جلّ وعلا نوّرنا بأمثلة من عالم الإنس، يرون بطريقة فريدة غير معهودة، وهم العميان الذين ولدوا بعيون مسلوبة الأنوار،...
قد يتساءل البعض عن العلاقة التي تجمع مفردة الربّ بما يضاف إليها، وهل يبقى معناها وفق ما هو في سياقها الديني واللغوي؟ حقيقة، لكلمة الربّ خارج معناها الإلهي معانٍ مختلفة، يحدّدها السياق وما يرتبط به...
في هذه الأيام، يتوسل المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها باسم الله الغالب؛ ليرد عنهم كيد الكائدين، وغيظ المعتدين، وكل حقد ظاهر ودفين. فالأمة منذ حين تمر بمخاض القيام والانتفاض، ولهذا القيام تكاليفه الوافية من الخوف...
كلّنا ندعو الله عزّ وجلّ باسميه «السميع والبصير»، ومؤكَّدٌ أنَّنا كلَّما ذكرناه بهما سبحانه، قَفَزَ إلى ذاكرتنا وألسنتنا قوله تعالى: «لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيْرُ» (الشورى: 11)، ولكن هناك فرق بين من يقولها مستشعرًا...
لم يُنصر نبي أو عبد من عباد الله إلا بيقينه بالله وحده، وبإدراكه المطلق أن الأمر كلّه بيد الله، وأنّ الله تبارك وتعالى هو الغَالب القَاهر أبدًا، لا يَمْلك أحدٌ أنْ يردَّ ما قَضَى، أو...
كلّنا نسمع باسم الله «الستير»، وكلّنا نردده في كثير من الحالات، لكن هل علمنا حقيقته وغاية تسمية الله به؟ وما علاقته بالمجتمعات وسلمها وأمانها؟ وماذا لو استحضرنا هذا الاسم في جوانب حياتنا المختلفة؟ إنّ مدارسة...
كلٌّ منا يمضي نحو قدره، وكل منا يختار طريقه التي ارتضتها نفسه له، فإن خيرًا فخير، وإن شرًا فشر، والبشر في إطار القدر قسمان، قسم هو الأعلى بقربه من الله وإطاعته، وقسم هو الأسفل ببعده...