


عدد المقالات 335
لا شكَّ في أنّ مَن يقرأ كلمة «خليفة» أو يسمعها، يتذكر قول الله تعالى: ﴿وَإِذ قَالَ رَبُّكَ لِلمَلَاـئِكَةِ إِنِّی جَاعِل فِی الأرض خَلِیفَة ﴾ [البقرة: 30]، وكذلك يتذكر منصب الخلافة في الإسلام. لكن هل حاول بعضنا الغوص فيما هو أبعد من ذلك، ليتعرف على خفايا اسم خليفة وخباياه؟ إنّ اسم «خليفة» هو اسم ربانيّ، وهو أوّل وظيفة أُسندت إلى الإنسان، وكذلك سمّى الله بها الإنسان قبل أن يذكر مفردة الإنسان، أيّ أنه وظّفها للإشارة إلى مخلوق جديد سيخلقه؛ هو الإنسان. فخليفة اسم جامع لكل إنسانٍ، وليس فحسب آدم عليه السلام، فالخليفة في عرف الله «البشر جميعًا» وتحديدًا من يعترف بوجود الله، ويلتزم أوامره في عمارة الأرض. فما أعظم اسم خليفة! وعلى صعيد اللغة، فقد حظي اسم خليفة بمنزلة مرموقة؛ فهو علمٌ مذكّرٌ عربي الأصل، مشتق من الفعل «خَلَفَ»، ويعني «الذي يخلف من كان قبله في أمر ما»، ثمّ تطوّر المعنى ليدلّ على القيادة والسلطة. ومن أجل ذلك، حينما توفّي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ألهم الله الصحابة الكرام بتعريف من يعقب رسول الله بـ «خليفة رسول الله» أو «خليفة المسلمين»، لذلك كان أبو بكر الصديق رضي الله عنه، أول خليفة للمسلمين، وكان هذا اللقب تكريمًا له وتشريفًا، بسبب مكانته العظيمة عند رسول الله، ودوره في نشر الدعوة الإسلامية. كذلك فإنّ في اسم خليفة تنزيها من كل منقصة، ولا يحتمل اسم خليفة معنى الإنسان السيئ، بل من يمتثل أوامر الله. وفي ذلك يقول ابْنُ جَرِيرٍ: «تَأْوِيلُ قول الله: ﴿إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأرْضِ خَلِيفَةً﴾،أيّ: مِنِّي، يَخْلُفُنِي فِي الْحُكْمِ بَيْنَ خَلْقِي، وَإِنَّ ذَلِكَ الْخَلِيفَةَ هُوَ آدَمُ وَمَنْ قَامَ مَقَامَهُ فِي طَاعَةِ اللَّهِ، وَالْحُكْمِ بِالْعَدْلِ بَيْنَ خَلْقِهِ. وَأَمَّا الْإِفْسَادُ وَسَفْكُ الدِّمَاءِ بِغَيْرِ حَقِّهَا، فَمِنْ غَيْرِ خُلَفَائِهِ». فالإنسان خليفة الله في أرضه التي هيّأها لنسكن فيها، وننعم بخيراتها، ونرفل بحللها، ونشارك في عمرانها. لقد أعدها لنا خير إعداد من أجل هذه المهمة، وجهّزها بما لم نكن نتصوره من نعم، لنحوّل الواجبات الشعائرية إلى حقوق نستمتع بممارستها ونستلذّ بحصادها. إنّ استشعارنا معنى اسم «خليفة» وفق ما عناه الله، يدفعنا إلى تأدية حق الله من العبادات والتكاليف عن رضا وإدراك، وهذا يمنحنا أجرًا وسعادةً، وسلامًا واطمئنانًا يغمر قلوبنا ونفوسنا وبيوتنا ومجتمعنا، فاسم خليفة في معناه العصري: كلّ من يعمر الأرض بالعدل وفق منهج الله، وكلّ من يؤدي حقّ الله في النفس والمخلوقات من حوله، وهو كل إنسان أدرك غاية الله من خلقه، فسعى ليكون نعم الخليفة لنعم الإله. وما أجمل قول لسان الدين بن الخطيب في أحد الخلفاء: خَليفـةَ اللهِ في أرْ ضِهِ ونِعْمَ الخَليفَةْ لازِلْتَ للدّينِ عِزًّا مؤمِّنًا كـلَّ خِيفَةْ وأخيرًا أقول: حقًا لكل إنسان يرى نفسه خليفةً، وفق منهج الله، أن يعتزّ ويسمو بمبادئه الربانية، وقيمه النورانية المستمدة من نور الله ومنهجه. وليكن شعارنا ونحن نخطو على هذه الأرض: وكمْ تغافلتُ عن أشياء أعرفُها وكمْ تجاهلتُ قولاً كان يُؤذيني وكمْ أقابلُ شخصاً من ملامحهِ أدري يقيناً وحقّاً لا يُدانيني جازيتُ بالطيبِ كلّ الناسِ مجتهداً لعلَّ ربّي عن طيبي سيجزيني. @zainabalmahmoud @zalmahmoud@outlook.com
عرفت البشريةُ حضارات عديدة، وكان لكلِّ حضارةٍ نمطُ عيشٍ معيَّنٍ، يتلاءَمُ معَ طبيعةِ تفكيرها وإدارتها شؤونَ حياتها، وكان العُمرانُ ميزةً فارقةً للحضارات، تعبِّرُ من خلالِهِ عن مدى رُقِيِّها ونُضْجِها، ومدَّةَ عيشِها وقوَّتِها، وامتدادِها، وعناصرَ أخرى...
إنّ من أعظم جوانب إعجاز الله في أسمائه، إعجازه في اسمه السميع الذي اقترن غالبًا، بالعليم، ثم بالبصير، ثم بالقريب، وفي كل مكان اقترن بالعليم جاء مقدّمًا عليه، وهو أشد وقعًا، وأسرع نفعًا في التحقق...
كثيرًا ما نسمع بمفردة المجد، وكثيرًا ما نطلقها في ميادين التعظيم والاعتزاز بالنفس، وبلوغ الغاية في الشرف والسؤدد، فهل عرفنا منبعها ومصدرها وأصلها في اللغة والسياقات المختلفة؟ إن مفردة المجد مشتقة من اسم الله «المجيد»...
لا يتذوق الجمال إلا من اكتملت أركان الإنسانية في قلبه وروحه، وعرف أنّ خلف هذا الجمال مبدعا عظيما. وهناك انسجام تامّ بين فطرة الله التي فطر الناس عليها وعناصر الجمال التي هيأها الله لآدم وذريته،...
ربما يتساءل كثير من الناس عن جمال الله تعالى، ونوره، فيرسمون في مخيلاتهم المتواضعة نماذج متواضعة عن حقيقة جماله سبحانه وتعالى، إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي قال في ذلك الجمال: «حجابُه النور،...
ما أعدل الله في توزيعه نعمه! وما أعظم جبره خواطر عباده! ومن معالم ذلك وأمثلته؛ أنه جلّ وعلا نوّرنا بأمثلة من عالم الإنس، يرون بطريقة فريدة غير معهودة، وهم العميان الذين ولدوا بعيون مسلوبة الأنوار،...
قد يتساءل البعض عن العلاقة التي تجمع مفردة الربّ بما يضاف إليها، وهل يبقى معناها وفق ما هو في سياقها الديني واللغوي؟ حقيقة، لكلمة الربّ خارج معناها الإلهي معانٍ مختلفة، يحدّدها السياق وما يرتبط به...
في هذه الأيام، يتوسل المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها باسم الله الغالب؛ ليرد عنهم كيد الكائدين، وغيظ المعتدين، وكل حقد ظاهر ودفين. فالأمة منذ حين تمر بمخاض القيام والانتفاض، ولهذا القيام تكاليفه الوافية من الخوف...
كلّنا ندعو الله عزّ وجلّ باسميه «السميع والبصير»، ومؤكَّدٌ أنَّنا كلَّما ذكرناه بهما سبحانه، قَفَزَ إلى ذاكرتنا وألسنتنا قوله تعالى: «لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيْرُ» (الشورى: 11)، ولكن هناك فرق بين من يقولها مستشعرًا...
لم يُنصر نبي أو عبد من عباد الله إلا بيقينه بالله وحده، وبإدراكه المطلق أن الأمر كلّه بيد الله، وأنّ الله تبارك وتعالى هو الغَالب القَاهر أبدًا، لا يَمْلك أحدٌ أنْ يردَّ ما قَضَى، أو...
كلّنا نسمع باسم الله «الستير»، وكلّنا نردده في كثير من الحالات، لكن هل علمنا حقيقته وغاية تسمية الله به؟ وما علاقته بالمجتمعات وسلمها وأمانها؟ وماذا لو استحضرنا هذا الاسم في جوانب حياتنا المختلفة؟ إنّ مدارسة...
كلٌّ منا يمضي نحو قدره، وكل منا يختار طريقه التي ارتضتها نفسه له، فإن خيرًا فخير، وإن شرًا فشر، والبشر في إطار القدر قسمان، قسم هو الأعلى بقربه من الله وإطاعته، وقسم هو الأسفل ببعده...