


عدد المقالات 335
لم يُلقّب بديع الزمان الهمذاني بلقبه هذا عبثاً، ولا نال هذا الوسام التاريخي سُدًى، بل لا بدّ من أنه ابتدع ما جعله بديع الزمان الذي غلبت قوته في نثره قوته في شعره، إلا أنها مقارنة بين قوي وأقوى لا بين قوي وضعيف. تمتاز عدسة الشاعر ببديع وصفها السابق لأوانه، فمن يقرأ يشاهد، ومن يشاهد ينسب الواصف إلى زمرة الشعراء المحدثين في بعض البصمات، لا إلى العصر العباسي؛ حيث لم تكن المدرسة التي يغرف منها بديع الزمان قد نشأت بعد. يصوّر لنا الشاعر ركباً سرى في بيداء غير معروف رسمها، بليل غير مقترب صبحه إلى المرامات الجسام والمآرب العظام، فقال فيما قال: كأَنَّ نُجومَ الليلِ نَظّارةٌ لنا تَعجَّبُ من آمالِنا والعوائقِ كأَنَّ نسيمَ الصبحِ فرصةُ آيسٍ كأَنَّ سرابَ القيظِ خَجْلةُ وامقِ بعيداً عن تصوير النجوم بطريقة وميضها وبريقها، تارةً بخفقان القلب، وتارةً بقارورة الزئبق المرتعشة عند المعري وعنترة؛ فقد صوّر الشاعر المعنى لا المبنى، فكأن النجوم تنظر إلى هؤلاء القوم مستنكرةً عليهم أحلامهم بين كل هذه العوائق من فجاج ودياجٍ، ثم يستغرق في الأوصاف الحديثة فنسيم الصبح باعث للأمل، كأنه فرصة لتجديد حياة المستيئسين، والسراب كأنه ضحكة الخجول. إلا أنه لا يستغني عن وصف المبنى كعادة الشعراء، فيقول: شَقَقْنا بأَيدي العِيسِ بُرْدَ فلاتِه وبِتْنا على وَعْدٍ من الصُّبحِ صادقِ الصورة واضحة، فمن لم يجرّب السير في رمال الصحراء، فقد جرّبه في الثلوج؛ حيث يشقّ أثر الأقدام عباءة الأرض البيضاء، سوى أن العباءة هنا صفراء سالمة إلا من الشقوق والخروق التي أحدثتها أيادي الأنعام في الرمال.
عرفت البشريةُ حضارات عديدة، وكان لكلِّ حضارةٍ نمطُ عيشٍ معيَّنٍ، يتلاءَمُ معَ طبيعةِ تفكيرها وإدارتها شؤونَ حياتها، وكان العُمرانُ ميزةً فارقةً للحضارات، تعبِّرُ من خلالِهِ عن مدى رُقِيِّها ونُضْجِها، ومدَّةَ عيشِها وقوَّتِها، وامتدادِها، وعناصرَ أخرى...
إنّ من أعظم جوانب إعجاز الله في أسمائه، إعجازه في اسمه السميع الذي اقترن غالبًا، بالعليم، ثم بالبصير، ثم بالقريب، وفي كل مكان اقترن بالعليم جاء مقدّمًا عليه، وهو أشد وقعًا، وأسرع نفعًا في التحقق...
كثيرًا ما نسمع بمفردة المجد، وكثيرًا ما نطلقها في ميادين التعظيم والاعتزاز بالنفس، وبلوغ الغاية في الشرف والسؤدد، فهل عرفنا منبعها ومصدرها وأصلها في اللغة والسياقات المختلفة؟ إن مفردة المجد مشتقة من اسم الله «المجيد»...
لا يتذوق الجمال إلا من اكتملت أركان الإنسانية في قلبه وروحه، وعرف أنّ خلف هذا الجمال مبدعا عظيما. وهناك انسجام تامّ بين فطرة الله التي فطر الناس عليها وعناصر الجمال التي هيأها الله لآدم وذريته،...
ربما يتساءل كثير من الناس عن جمال الله تعالى، ونوره، فيرسمون في مخيلاتهم المتواضعة نماذج متواضعة عن حقيقة جماله سبحانه وتعالى، إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي قال في ذلك الجمال: «حجابُه النور،...
ما أعدل الله في توزيعه نعمه! وما أعظم جبره خواطر عباده! ومن معالم ذلك وأمثلته؛ أنه جلّ وعلا نوّرنا بأمثلة من عالم الإنس، يرون بطريقة فريدة غير معهودة، وهم العميان الذين ولدوا بعيون مسلوبة الأنوار،...
قد يتساءل البعض عن العلاقة التي تجمع مفردة الربّ بما يضاف إليها، وهل يبقى معناها وفق ما هو في سياقها الديني واللغوي؟ حقيقة، لكلمة الربّ خارج معناها الإلهي معانٍ مختلفة، يحدّدها السياق وما يرتبط به...
في هذه الأيام، يتوسل المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها باسم الله الغالب؛ ليرد عنهم كيد الكائدين، وغيظ المعتدين، وكل حقد ظاهر ودفين. فالأمة منذ حين تمر بمخاض القيام والانتفاض، ولهذا القيام تكاليفه الوافية من الخوف...
كلّنا ندعو الله عزّ وجلّ باسميه «السميع والبصير»، ومؤكَّدٌ أنَّنا كلَّما ذكرناه بهما سبحانه، قَفَزَ إلى ذاكرتنا وألسنتنا قوله تعالى: «لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيْرُ» (الشورى: 11)، ولكن هناك فرق بين من يقولها مستشعرًا...
لم يُنصر نبي أو عبد من عباد الله إلا بيقينه بالله وحده، وبإدراكه المطلق أن الأمر كلّه بيد الله، وأنّ الله تبارك وتعالى هو الغَالب القَاهر أبدًا، لا يَمْلك أحدٌ أنْ يردَّ ما قَضَى، أو...
كلّنا نسمع باسم الله «الستير»، وكلّنا نردده في كثير من الحالات، لكن هل علمنا حقيقته وغاية تسمية الله به؟ وما علاقته بالمجتمعات وسلمها وأمانها؟ وماذا لو استحضرنا هذا الاسم في جوانب حياتنا المختلفة؟ إنّ مدارسة...
كلٌّ منا يمضي نحو قدره، وكل منا يختار طريقه التي ارتضتها نفسه له، فإن خيرًا فخير، وإن شرًا فشر، والبشر في إطار القدر قسمان، قسم هو الأعلى بقربه من الله وإطاعته، وقسم هو الأسفل ببعده...