


عدد المقالات 335
ما أرصنَ بنيان اللغة العربية! وما أحكمه! وما أغزر المعاني التي تقع عليها مشتقات جذورها! فمن الجذور التي أستوقفتني والتي أسوقها مثلًا، الجذر «حكم» الذي يقتضي معنى المنع، وفيه قال علماء اللغة، وعليه ساقوا الأدلة والبراهين من دواوين الأولين، أصحاب اللسان العربي المبين، ثم من هذا المعنى الأولي يتفرع باقي المعاني، فتتغير وتتحور، ولكن لا تخلو من علاقة بالجذر الأصلي. من ذلك؛ كانت العرب تسمى حلقة الجلد التي يجعلونها على فم الخيل «الحَكَمَة» وبها يعلقون حبل اللجام، فيتحكمون بجري سير الخيل بين الخَبَبِ والطرد. وسميت بذلك لأنها إذا شدّتْ، منعتْ الخيل من المسير. وقد قال الشاعر جرير: أبني حنيفة أحكموا سفهاءكـم إني أخاف عليكمُ أن أغضبـا أبني حنيفـة إنني إن أهجُكم أدع اليمامة لا تــواري أرنبــا ففي هذين البيتين يتوعد جرير صاحب اللسان الفصيح، والهجاء اللاذع القبيح، بني حنيفة؛ بأنه سيجعلهم نكالًا، وسيجزيهم وبالًا، إذا لم يلجموا سفهاءهم، وفيما يبدو أن لديهم من الجهلة أو الشباب الأيفاع من ضايقوا جريرًا، فأرسل إليهم نذيرًا، أنه لو هجاهم فإنه سيهتك ذكرهم، ويفضح أمرهم حتى لا تخفى على الناس خافية من عارهم وشنارهم. ومن المعاني اللغوية المنبثقة عن الجذر، التحكيم، والذي يكون بين المتنازعين والخصوم، الذين ينظرون في منشأ الاختلاف ثم يحددون مواضع الإجحاف، ويتحرون العدل والإنصاف، ومواضع هذا كثيرة، يقول الله تعالى: }وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدا إِصْلاحًا يُوَفِّقِ اللهُ بَيْنَهُمَا{(النساء: 35). ومنه قول المتنبي في عتاب سيف الدولة: يا أعــــــدل الناس إلا في معاملتي فيك الخصام وأنت الخصم والحَكَمُ ومنها ما جاء بصيغة الأمر، كمطلع قصيدة عنترة بن شداد: حكّم سيوفك في رقاب العذّلِ وإذا نزلت بـــدار ذل فارحلِ أي اجعل سيفك حكما على رقاب العذال، وهم الذين يكثرون على المرء الملامة ويثيرون في نفسه الحسرة والندامة، وفي أمثال العرب: «في بيته يؤتى الحكم»، وذلك لما يتمتع به من الفضل ورجاحة العقل والبذل إذا تطلب الأمر، ولذلك يؤتى إلى بيته، ولا يذهب هو إلى بيوت الخصوم. فلله درّ لغتنا العربية، تلك البحر الزاخر باللآلئ التي تثرينا أدبًا وعلمًا ومعرفةً، فليتنا دائمًا نغوص في محيطها الزاخر لنتفقه ونتنوّر. ورحم الله شاعر النيل (حافظ إبراهيم) إذ يقول في شأن العربية: أنا البحر في أحشائي الدرّ كامنٌ فهل سألوا الغوّاص عن صدفاتي؟ @zainabalmahmoud @zalmahmoud@outlook.com
عرفت البشريةُ حضارات عديدة، وكان لكلِّ حضارةٍ نمطُ عيشٍ معيَّنٍ، يتلاءَمُ معَ طبيعةِ تفكيرها وإدارتها شؤونَ حياتها، وكان العُمرانُ ميزةً فارقةً للحضارات، تعبِّرُ من خلالِهِ عن مدى رُقِيِّها ونُضْجِها، ومدَّةَ عيشِها وقوَّتِها، وامتدادِها، وعناصرَ أخرى...
إنّ من أعظم جوانب إعجاز الله في أسمائه، إعجازه في اسمه السميع الذي اقترن غالبًا، بالعليم، ثم بالبصير، ثم بالقريب، وفي كل مكان اقترن بالعليم جاء مقدّمًا عليه، وهو أشد وقعًا، وأسرع نفعًا في التحقق...
كثيرًا ما نسمع بمفردة المجد، وكثيرًا ما نطلقها في ميادين التعظيم والاعتزاز بالنفس، وبلوغ الغاية في الشرف والسؤدد، فهل عرفنا منبعها ومصدرها وأصلها في اللغة والسياقات المختلفة؟ إن مفردة المجد مشتقة من اسم الله «المجيد»...
لا يتذوق الجمال إلا من اكتملت أركان الإنسانية في قلبه وروحه، وعرف أنّ خلف هذا الجمال مبدعا عظيما. وهناك انسجام تامّ بين فطرة الله التي فطر الناس عليها وعناصر الجمال التي هيأها الله لآدم وذريته،...
ربما يتساءل كثير من الناس عن جمال الله تعالى، ونوره، فيرسمون في مخيلاتهم المتواضعة نماذج متواضعة عن حقيقة جماله سبحانه وتعالى، إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي قال في ذلك الجمال: «حجابُه النور،...
ما أعدل الله في توزيعه نعمه! وما أعظم جبره خواطر عباده! ومن معالم ذلك وأمثلته؛ أنه جلّ وعلا نوّرنا بأمثلة من عالم الإنس، يرون بطريقة فريدة غير معهودة، وهم العميان الذين ولدوا بعيون مسلوبة الأنوار،...
قد يتساءل البعض عن العلاقة التي تجمع مفردة الربّ بما يضاف إليها، وهل يبقى معناها وفق ما هو في سياقها الديني واللغوي؟ حقيقة، لكلمة الربّ خارج معناها الإلهي معانٍ مختلفة، يحدّدها السياق وما يرتبط به...
في هذه الأيام، يتوسل المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها باسم الله الغالب؛ ليرد عنهم كيد الكائدين، وغيظ المعتدين، وكل حقد ظاهر ودفين. فالأمة منذ حين تمر بمخاض القيام والانتفاض، ولهذا القيام تكاليفه الوافية من الخوف...
كلّنا ندعو الله عزّ وجلّ باسميه «السميع والبصير»، ومؤكَّدٌ أنَّنا كلَّما ذكرناه بهما سبحانه، قَفَزَ إلى ذاكرتنا وألسنتنا قوله تعالى: «لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيْرُ» (الشورى: 11)، ولكن هناك فرق بين من يقولها مستشعرًا...
لم يُنصر نبي أو عبد من عباد الله إلا بيقينه بالله وحده، وبإدراكه المطلق أن الأمر كلّه بيد الله، وأنّ الله تبارك وتعالى هو الغَالب القَاهر أبدًا، لا يَمْلك أحدٌ أنْ يردَّ ما قَضَى، أو...
كلّنا نسمع باسم الله «الستير»، وكلّنا نردده في كثير من الحالات، لكن هل علمنا حقيقته وغاية تسمية الله به؟ وما علاقته بالمجتمعات وسلمها وأمانها؟ وماذا لو استحضرنا هذا الاسم في جوانب حياتنا المختلفة؟ إنّ مدارسة...
كلٌّ منا يمضي نحو قدره، وكل منا يختار طريقه التي ارتضتها نفسه له، فإن خيرًا فخير، وإن شرًا فشر، والبشر في إطار القدر قسمان، قسم هو الأعلى بقربه من الله وإطاعته، وقسم هو الأسفل ببعده...