


عدد المقالات 335
قد خبرنا عدسة المجنون، ورأينا قيساً هائماً على وجهه، تائهاً على غير هدى ولا رشاد ولا سداد، بقي له من الدنيا الخطى التي كُتبت عليه أن يمشيها، والعبرات أن يذرفها على إثر ليلى التي عصف بها الحظّ العاثر، وساقتها التقاليد البالية إلى زوج لا قرّت به عيناً ولا طابت به نفساً، وفي هذا السياق، نحن مع العدسة الزاهدة ذات الألوان الرمادية الباهتة، والأجواء الخريفية والأوراق المتساقطة، عدسة أبي العتاهية التي دأبت على تصوير الدنيا كهشيم تذروه الرياح، لا يكاد يروق خضارها حتى يثور غبارها، ولا توشك أن تأخذ زخرفها وتتزين لأهلها، حتى يأتي أمر الله فيجعلها حصيداً كأن لم تغنَ بالأمس، لا ألوان تبهج النفوس، ولا عطور ولا زهور في عدسة أبي العتاهية، إنها أجراس الإنذار، ومنبّهات الغافلين، وموقظات النوّم ممن رقدوا والدنيا تسرق أعمارهم: أَلَم تَرَ أَنَّ دَبيبَ اللَيالي يُسارِقُ نَفسَكَ ساعاتِها تصوير متقن لزحف المشيب على الشباب، وتقدم العمر، وحلول الضعف والشيبة، وهو أشبه باستراق ريعان المرء الغارق في سهوه ولهوه بدبيب النملة الجرداء على الصخرة الصماء في الليلة الظلماء، وفي صورة أخرى للفكرة ذاتها، يقول: وَإِنَّ امرءاً قَد سارَ خَمسينَ حجَّةً إِلى مَنهَلٍ مِن وِردِهِ لَقَريبُ كان عمر الشاعر الزاهد خمسين خريفاً آنذاك، وكان يتقدم إلى أجله كالظامئ الذي اقترب من ورده، إلا أن التصوير يبلغ ذروة فلاحه ونجاحه عند تسليط العدسة برهة على عالم الأموات ليظهروا لنا وكأننا نشاهد ثلاجات جثث الموتى، يقول: يا بَرزَخَ الموتى الَّذي نَزَلوا بِهِ فَهُمُ رُقودٌ في ثَراهُ خُفوتُ رقود وخفوت، وهذا مبالغة في السكون والسكوت، ليست مبالغة في المنطق، وإنما في إصابة القصد وارتكاز محرق العدسة، وحمل القارئ إلى عتبة المشاهدة الحقيقية.
عرفت البشريةُ حضارات عديدة، وكان لكلِّ حضارةٍ نمطُ عيشٍ معيَّنٍ، يتلاءَمُ معَ طبيعةِ تفكيرها وإدارتها شؤونَ حياتها، وكان العُمرانُ ميزةً فارقةً للحضارات، تعبِّرُ من خلالِهِ عن مدى رُقِيِّها ونُضْجِها، ومدَّةَ عيشِها وقوَّتِها، وامتدادِها، وعناصرَ أخرى...
إنّ من أعظم جوانب إعجاز الله في أسمائه، إعجازه في اسمه السميع الذي اقترن غالبًا، بالعليم، ثم بالبصير، ثم بالقريب، وفي كل مكان اقترن بالعليم جاء مقدّمًا عليه، وهو أشد وقعًا، وأسرع نفعًا في التحقق...
كثيرًا ما نسمع بمفردة المجد، وكثيرًا ما نطلقها في ميادين التعظيم والاعتزاز بالنفس، وبلوغ الغاية في الشرف والسؤدد، فهل عرفنا منبعها ومصدرها وأصلها في اللغة والسياقات المختلفة؟ إن مفردة المجد مشتقة من اسم الله «المجيد»...
لا يتذوق الجمال إلا من اكتملت أركان الإنسانية في قلبه وروحه، وعرف أنّ خلف هذا الجمال مبدعا عظيما. وهناك انسجام تامّ بين فطرة الله التي فطر الناس عليها وعناصر الجمال التي هيأها الله لآدم وذريته،...
ربما يتساءل كثير من الناس عن جمال الله تعالى، ونوره، فيرسمون في مخيلاتهم المتواضعة نماذج متواضعة عن حقيقة جماله سبحانه وتعالى، إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي قال في ذلك الجمال: «حجابُه النور،...
ما أعدل الله في توزيعه نعمه! وما أعظم جبره خواطر عباده! ومن معالم ذلك وأمثلته؛ أنه جلّ وعلا نوّرنا بأمثلة من عالم الإنس، يرون بطريقة فريدة غير معهودة، وهم العميان الذين ولدوا بعيون مسلوبة الأنوار،...
قد يتساءل البعض عن العلاقة التي تجمع مفردة الربّ بما يضاف إليها، وهل يبقى معناها وفق ما هو في سياقها الديني واللغوي؟ حقيقة، لكلمة الربّ خارج معناها الإلهي معانٍ مختلفة، يحدّدها السياق وما يرتبط به...
في هذه الأيام، يتوسل المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها باسم الله الغالب؛ ليرد عنهم كيد الكائدين، وغيظ المعتدين، وكل حقد ظاهر ودفين. فالأمة منذ حين تمر بمخاض القيام والانتفاض، ولهذا القيام تكاليفه الوافية من الخوف...
كلّنا ندعو الله عزّ وجلّ باسميه «السميع والبصير»، ومؤكَّدٌ أنَّنا كلَّما ذكرناه بهما سبحانه، قَفَزَ إلى ذاكرتنا وألسنتنا قوله تعالى: «لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيْرُ» (الشورى: 11)، ولكن هناك فرق بين من يقولها مستشعرًا...
لم يُنصر نبي أو عبد من عباد الله إلا بيقينه بالله وحده، وبإدراكه المطلق أن الأمر كلّه بيد الله، وأنّ الله تبارك وتعالى هو الغَالب القَاهر أبدًا، لا يَمْلك أحدٌ أنْ يردَّ ما قَضَى، أو...
كلّنا نسمع باسم الله «الستير»، وكلّنا نردده في كثير من الحالات، لكن هل علمنا حقيقته وغاية تسمية الله به؟ وما علاقته بالمجتمعات وسلمها وأمانها؟ وماذا لو استحضرنا هذا الاسم في جوانب حياتنا المختلفة؟ إنّ مدارسة...
كلٌّ منا يمضي نحو قدره، وكل منا يختار طريقه التي ارتضتها نفسه له، فإن خيرًا فخير، وإن شرًا فشر، والبشر في إطار القدر قسمان، قسم هو الأعلى بقربه من الله وإطاعته، وقسم هو الأسفل ببعده...