


عدد المقالات 14
عندما تصادف رواية بعنوان (الرسام الانجليزي) يتبادر إلى الذهن فورا، وقبل الدخول في التفاصيل، الفيلم السينمائي الرائع (المريض الانجليزي) الذي تدور أحداثه مع الجنود وشخصيات عامة، إبان الحرب العالمية الثانية، تلك الأحداث التي كتبها الروائي السريلانكي مايكل اونداتجي، متنقلا بها من بلد عربي الى آخر، وربما هذا هو العامل المشترك الوحيد، مع رواية ( الرسام الانجليزي ) الصادرة مؤخرا عن منشورات ضفاف، ومنشورات الاختلاف والديوان للنشر، بتوقيت متزامن. جنود بريطانيا العظمى الرواية بقلم الروائية الليبية رزان المغربي، والتي تدور بالقارئ في رحلة طويلة مع جنود بريطانيا العظمى، وبالتحديد مع الجندي ( جون برايل ) الذي يعيش بداخله فنان يعشق الخطوط والألوان، لكنه يجد نفسه محبوساً في جسد جندي يحمل السلاح ويحارب به على أرض بعيدة عن أرضه، وبلاده، ولكن قادة بلاده قد قرروا دخول الحرب لوضع حد لتمدد هتلر في اوروبا، ورومل في الشمال الافريقي - العربي. الرسام الانجليزي تقدمه الرواية مع زملائه جنود جيش المملكة، إليزابيث الثانية، وتقدمه الروائية في البيئة الليبية حيث يبدأ مع سدَينة، وهي في بداية شبابها خلال الفترة الزمنية التي بدأت طبول الحرب العالمية الثانية خلالها تٌقرع في كل انحاء العالم و»سدينة» امرأة ليبية بالمعني العميق، شخصية محورية في رواية رزان المغربي، تتكئ عليها وتدور حولها أحداث الرواية الممتدة على مساحة 350 صفحة، لتغطي نحو سبعين عاماً من الأحداث الجسام، شهدها العالم وشهدها المجتمع الليبي الذي خصته الروائية رزان المغربي بروايتها. «سدَينة» لها صديقاتها اللواتي يشاركنها التاريخ والأحداث، ولا تنقطع احداهن عن الاخرى، حبابة وخيرية اليهودية، حيث تقدم الروائية، هنا مجتمعا ليبيا ابان الحرب العالمية الثانية، مجتمعا متصالحا مع كل أطيافه، لكل ذي دين دينه، وإن كان يهودياً او مسيحياً، لا يقلل ذلك من شأن مواطنته في هذا البلد، او من محبة الآخر له، والتي تمتد حتى مراحل العمر المتقدمة، لنجد «سدَينة» يوما تهاجر مع حفيدتها سلمي الى ايطاليا، لتكون قريبة من خيرية التي هاجرت قبلها بسنوات الى إيطاليا. طبرق الليبية الرسام/ الجندي جون برايل، يجد نفسه في مرحلة من مراحل تنقلاته الكثيرة مع قوافل الجيش الانجليزي، يجد نفسه في طبرق الليبية، ولانه يعرف نفسه كرسام، وفنان، اكثر مما يعرف نفسه كجندي يمسك بالفرشاة، ويرسم في القاهرة، ثم يرسم في البراديا/ ليبيا، على جدار أحد المباني، جدارية مميزة، سميت فيما بعد (جدارية البراديا وطبرق ) وهذه موجودة في حقيقة الامر، وهي التي حثت الكاتبة والروائية لتشكل روايتها حول الجدارية، وعنونتها « الرسام الانجليزي - حكاية جدارية البراديا وطبرق»، وهي ليست رواية واحدة، بل انها رواية من روايات، وهي أيضا رواية مكان بجدارة، حيث تصر الكاتبة على وصف المكان، مكانها الذي تعرفه، طبرق، وما حولها، تلمس بين صفحات الرواية الشخصية العربية الليبية بين الحرب والسلم، كما تلمس الضعف الإنساني عند جندي، يحمل السلاح، ولا يعرف السبب، وتقدم الرواية العديد من شخصيات، تمتد على ثلاثة أجيال، وأحداث يتداخل فيها الحرب والسلم، المحبة والتنافر، القرب والبعد، والوان من الفرح والأحزان. ممرضة تصاحب الجيش يحارب جون برايل، الجندي الإنجليزي او الرسام الإنجليزي، يحارب مع جيش بلاده على أكثر من جبهة، يلتقي، وهو ينتقل مع افراد كتيبته، على سطح مركب يعود بالجنود الى إنجلترا، يلتقي بها، آن ماري، الشابة البريطانية التي تعمل ممرضة تصاحب الجيش أينما حل، ثم تظهر آن ماري امام جون مرات متعددة، ولابد ان شغفه الشديد للقائها بين زمن وآخر، شغفه هذا يضعها أمامه، مرة على سطح مركب، ومرة في القاهرة، ومرة في طبرق، لتصبح حبيبته التي لا يمهله القدر في الاجتماع بها أكثر من ليلة واحدة تسمح بها مساحات الحرب، والسلم في الاقتراب من الحبيب، لكنها تظل الوفية لذكرى قصيرة. هموم وأحزان الجندي جون برايل، يصبها على الورق، فمعه ورقة صغيرة، وقلم رصاص قصر طوله، والورقة قد تكون منفذا للخروج من محنة الانعزال، ومشجعا على الكتابة، وأما اذا حضر جورج الصديق، صار للحوار وتشكيل الحروف معنى آخر حيث يلازم جورج صديقه جون في محطات عديدة، مع الكتيبة التي تحارب على مضض خارج أرضها، ولكنها أوامر القادة التي لا ترد ولا تناقش في الحياة العسكرية، وفي قلب الحدث الخطير كما تخبرنا الروائية تحاصر القوات الإيطالية بقيادة رومل ثعلب الصحراء، تحاصر «طبرق»، لشهور طويلة، والقوات الإيطالية والالمانية والإنجليزية، تتنافس للحصول على طبق طبرق اللذيذ، لكن المنتصر الحقيقي في نهاية الأمر، هو طبرق نفسها وأهلها الكرام، هذا الذي يدركه صديقه جورج، لكنه لم يكن مستعداً لاستيعاب فقد صديقه جون، الجندي الرسام. جدارية مباهج الحياة وتضع الحرب أوزارها، لكن آن ماري، والتي صارت زوجة لجورج تكرر الرحلة تلو الرحلة الى طبرق، وتحمل معها علب ورنيش من النوع الجيد وفرشاة، تدخل إلى المبنى العتيق، تطلي مساحات من جدارية البراديا وطبرق، وهي التي سميت أيضا جدارية مباهج الحياة، وهو ذاك الأثر الفني الذي خلفه جون وراءه، واعتقدت بأنه سيعود إليه يوماً ما، ليضع فوق الجدارية الورنيش لحمايته، لكن القدر قال كلمته، و مات جون متأثراً بجراحه. يوميات الحرب التي كتبتها الروائية رزان المغربي بتحقيق تاريخي عميق لم تكتب بفعل الخيال الروائي فقط، ولكن الكاتبة، وكما صرحت، أعدت دراسة متكاملة حول الحرب العالمية الثانية، يوما بيوم، واطلعت على كل ما تم تسجيله في الوثائق عن الحرب، كذلك اطلعت على الوثائقيات على أكثر من طرف وخاصة تلك التي تخص على وجه التحديد الجانب الإيطالي، فالرواية تغوص في عالم الوجود الإيطالي في طبرق، ففي هذه رواية، نعرف شيئا كثيرا عن الحرب والسلام، كما نعرف الكثير عن خطط رومل وهتلر، ومونتغمري، وتحركات الجيوش الأجنبية على الأراضي العربية، وقد حاولت رزان ألا تبتعد عن حقيقة المشهد خلال سنوات الحرب، فشكلت عالما من المتخيل حول الحقائق التي قدمتها الوثائق المكتوبة، والوثائقيات المصورة. هذا عن الجنود وجنرالاتهم وحروبهم، أما المجتمع الليبي فهو قصة مختلفة ويتم تناوله من زاوية روائية أخرى، فالسيدة الليبية المثال «سدَينة» النموذج، فهي الفتاة سدَينة، وهي الأم سدَينة، وهي فيما بعد الجدة سدَينة، الباحثة دون كلل عن أخيها المبروك الذي اختفى في زمن الاحتلال الإيطالي، ولم تصدق سدَينة قصة الاختفاء هذه، وظلت طوال سنين عمرها التي لا تنتهي مع نهاية الرواية، باحثة عن المبروك، وعندما صارت في روما مع حفيدتها سلمى، وسلمى هذه هي الراوى في فصول الرواية التي تلي شباب سدَينة حيث تظل سدَينة تعتقد، وتؤمن انها ستجد المبروك في طريقها يوماً ما، أو أنها ستجد ابنه أو ابنته، أو أن احد أحفاده سيجد طريقه لها، لكنها ابدا لن تصدق ان المبروك اختفى دون عودة. زمن الثورة على العقيد شخصيات الرواية الكثيرة، تنتشر على مساحة زمنية ما بين 1940 وبقية سنوات الحرب، وآثارها الممتدة لزمن طويل، وقد اختارت لها الكاتبة، تسعينيات القرن الماضي، كمحطة في المنتصف، وأخيرا تصل إلى زمن الثورة على العقيد القذافي عام 2011، فتضطرها الأحداث وتراكمها لصناعة شخصيات رئيسية مثل سدَينة وسلمي، والمنصوري وحامد، وشخصيات مساعدة مثل حسن الأعرج، الذي ظهر قبيل انقلاب القذافي، متنبئا بأن الحياة السياسية ستقلب الموازين في ليبيا قريبا، وأما الشخصية المحورية، جون برايل، الرسام الإنجليزي، فقد وجدت الكاتبة ضمن بحثها التاريخي لتلك الفترة، رسالة من والدة الجندي الى صحيفة «الديلي ميرور» و هي تفند فيها مقالا نشر حول ابنها، وبناء على هذا، قامت الكاتبة بتخيل حياة شخصية كاملة للجندي الرسام، وتخيلت أيضا من خلال التحليل النفسي كيف يمكن لمن كان مثله ان يلتحق بالجندية. الحديث عن رواية «الرسام الإنجليزي « سوف يأخذك الى أحداث الحرب وزمنها، ولن تخرج منها إلا بمشاهد من الألم الشديد، وقد تحايلت الكاتبة رزان المغربي على ذلك بتضفير قصص الحب، والصداقة، ضمن نسيج روائي ممتع، يحتاج من القارئ الى التمعن في قراءة الصفحات، وتخيل الزمن الذي عاشته رزان في روايتها. إنها سبعون عاما، وهي شديدة الوقع على النفس ولكنها أيضاً، تطير بقارئها من زمن لآخر، ومن مجتمع ليبي بدوي إلى مجتمع عسكري إنجليزي حيث تختلط العوالم والملامح والشخصيات، والعادات، واللغات فتحقق تلك الرحلة في هذا المزيج متعة القراءة والبحث، والمعرفة التي تقدمها الكاتبة على طبق من رواية اسمتها «الرسام الإنجليزي» الذي لم تكن جداريته التي تركها في ليبيا، إلا الشرارة التي حرضت الكاتبة الليبية التي تعيش في المهجر حاليا، على الدخول في عوالم شخصيات متناقضة تبحث بإصرار، وعلى وقع المدافع، وأزيز الرصاص عن الحرب، والسلام.
لازمني كثيراً، وانا اشاهد الأفلام المدبلجة، تساؤل مفاده كيف يستطيع هؤلاء – المدبلجون – ان يصنعوا كلمات عربية تُشبه الكلمات في اللغة الأصلية للفيلم.؟ وظل هذا تساؤلاً منزوياً في الذاكرة حتى صعد على السطح مرة...
إذا وافقنا على أن غلاف الكتاب هو العتبة الأولى لقراءته، وإذا وافقنا على أن الكتاب يُقرأ من عنوانه، فعلى ماذا سوف يأخذنا غلاف رواية الكاتب والناقد والسينارست المصري مجدي نصَّار؟ رواية بعنوان «روح الله الفضل...
نصحني أحد العارفين بأسرار الكتابة قبل سنوات، تريدين أن تكوني كاتبة بحق ؟ عليك بقراءة خالد حسيني، وكانت نصيحة بجمل كما يقال، قرأت لخالد حسيني، الكاتب، والطبيب الأفغاني المهاجر إلى الولايات المتحدة الأمريكية منذ 1980،...
لا أحب القطط، هذا اعتراف مني بذلك، صورة قطٍ على غلاف أي رواية لا تجعلني أمد يدي لتناولها لاقتنائها ناهيك عن تصفحها، لكنه اسم الروائية اللبنانية، والاعلامية نجوى بركات، في آخر ابداعها الروائي «غيبة مي»...
لا تخطئ فهم غلاف الرواية، ولا تظن أن الروائي المصري محمد بركة يتحدث عن المؤسسات السرية التي تمسك خيوط العالم، فالعين داخل المثلث على الغلاف لا ترتبط بتلك الصورة الشهيرة لنفس العين داخل المثلث على...
في بداية حياتي العملية، سمعت زميلا لي من الجنسية اللبنانية يحكي بأنه لا يصوم رمضان بناء على ديانته، وأكمل جملته بأنه درزي، فتحت عيني على وسعها، وأنا أسمع لأول مرة عن الدرزية، وانتشارها في مناطق...
لم أقرأ حول أدب الرحلات منذ زمن، ربما لأن الرحلات صارت متاحة، وميسرة جدا، وربما لاعتقادي أن الكتاب لن يقدم اكثر مما تقدمه الشاشات الكبيرة، والصغيرة اليوم على وسائل التواصل مثل اليوتيوب والتيك توك، وغيرهما،...
«أو هكذا تقول الأسطورة» ليست الأسطورة التي تقول، ولكنها الروائية المصرية الدكتورة رشا سمير، طبيبة الأسنان التي أصدرت أربع روايات قبل هذه الرواية التي بين أيدينا اليوم، رواية المسحورة التي صدرت منها ثلاث طبعات خلال...
يكتب الروائي السوري الكردي جان دوست رواية شيقة حول رجل فرنسي يحمل رسالة من الإمبراطور نابليون بونابرت إلى شاه إيران القاجاري عام 1805، يحملها مع الهدايا والتحف الثمينة، ويمر عبر المساحات الشاسعة، وفي ما هو...
«تركت بيروت ورائي، مدمرة راكعة حزينة فاقدة روحها وناسها و شبابها»هذا ما كتبته ايمان حميدان، الروائية اللبنانية على لسان احدى شخصياتها في روايتها الأخيرة (أغنيات للعتمة) شخصية اسمهان التي غادرت بيروت الى نيويورك عام ١٩٨٢...
حكاية السيدة التي سقطت في الحفرة، رواية بطعم التحقيق الصحفي الاستقصائي للكاتبة المصرية المبدعة إيناس حليم تتعرض بشجاعة لحكاية غامضة من حكايات مدينة الإسكندرية التي تفرد شعرها على الشط، بحسب كلمات عبدالرحمن الأبنودي وغناء عبد...
يحلو لي كلما زرت مدينة الضباب لندن ممارسة رياضة المشي لساعات على ضفاف نهر التايمز، الذي يشق المدينة إلى ضفتين جنوبية وشمالية، بخلاف القنوات المائية الصغيرة المتفرعة من هذا النهر الأساس، وليس من السهل أن...