alsharq

د. هدى النعيمي

عدد المقالات 12

د. هدى النعيمي تكتب من عاصمة الضباب: هل تساءلتم وأنتم في لندن أين هو مسرح شكسبير..؟

15 سبتمبر 2023 , 02:25ص

يحلو لي كلما زرت مدينة الضباب لندن ممارسة رياضة المشي لساعات على ضفاف نهر التايمز، الذي يشق المدينة إلى ضفتين جنوبية وشمالية، بخلاف القنوات المائية الصغيرة المتفرعة من هذا النهر الأساس، وليس من السهل أن تشق لندن مشياً على الأقدام، فطول النهر يمتد إلى حوالي 346 كيلو مترا، ولكنه يشق المدينة، ويمر عبر مطار لندن (لندن سيتي) إلى الجنوب، حيث جسر همرسميث، وبين هاذين المعلمين، شيد الإنجليز عبر تاريخ طويل، حوالي ستة عشر جسرا، للربط بين ضفتي النهر، فصارت لندن تبدو كلوحة واحدة. وعلى جانبي ضفاف التايمز شيدت المعالم الكبرى في المدينة، وربما من أهمها جسر ويستمنستر، الذي صممه المعماري الشهير توماس بيج عام 1862، وأيضا أشهر معالم لندن على الإطلاق قصر ويستمنستر، وساعة بيغ بن الشهيرة التي صارت علامة سياحية وتجارية للمدينة العتيقة، وإذا كانت هذه المعالم قد شُيِّدَت في القرون السابقة، فقد أضيف إليها مع بداية هذا القرن، الدولاب المتحرك، أو ما يسمى عين لندن، والذي يتحرك بك بهدوء حتى تصل إلى النقاط العليا، فترى المدينة السحرية ممتدة حولك في استقرار، يشبه استقرار التايمز في أشهر الصيف. ساعات من المشي على الأقدام بين معالم لندن حول التايمز، أو التاريخ السائل للمدينة، كما أسماه السياسي وأستاذ التاريخ البريطاني جون بيرنز الذي يصفه في كتاب شهير، ودوما السير لساعات لا يصل بالسائر على الضفتين إلى مرحلة الارتواء من منظر النهر المتدفق، والحكايات التي تسبح بين أمواجه، ولا تذوب في مياهه، ولعل برج لندن لا يزال يحكي للنهر قصة إعدام الملكة آن بولين، الذي أمر به زوجها الملك هنري الثامن، متهما إياها بالخيانة العظمى، فأعدمت أن بولين في برج لندن، وسكت النهر عن حكايتها، كما عن حكايات أخرى. في إحدى زياراتي السابقة لمدينة لندن، قبل ربع قرن من الزمان، دخلت المدينة مشتاقة لنهرها، وسحرها، وكالعادة اتصلت بصديقة عربية تقيم في لندن منذ عدة سنوات، واتفقنا على لقاء على فنجان قهوة وتبادل الأحاديث، سألتني الصديقة على غرة «هل تعرفين لندن؟» أجبت باستغراب «نعم» ليست هذه زيارتي الأولى، ولا الثانية، قالت «أين إذن تحبين أن نلتقي على فنجان القهوة؟» فأجبت دون تردد في أي مكان من شارع أكسفورد، أو ايجور رود الشهير لدينا نحن العرب، ضحكت صديقتي، ولم أدرِ ما السبب، ثم قالت «ليكن» ولكن اجعلي يومك فارغا من الالتزامات، ففعلت. انتهينا من فنجان القهوة والحلوى سريعا، فقالت «والآن هيا معي لتري جزءًا آخر من لندن، سوف نتحرك بالقطارات تحت الأرض، وأرجو ألا تمانعي»، لم أمانع أبدا في اكتشاف جزء آخر من المدينة التي أحب، تحركنا بالاندرجراوند، من محطة إلى أخرى، وصديقتي تتحدث عن المحطات وخطوط القطارات تحت الأرضية، الجديد منها والقديم، وتكرر أن شبكة الخطوط هذه من أقدم الخطوط في العالم، حيث بدأت إنجلترا بهذا المشروع ثم تبعتها في ذلك الدول الأوروبية والعالم. ومن حديث إلى آخر عن هذه المدينة العريقة إلى أن وصلنا المحطة المنشودة، وعلينا الآن الصعود إلى المستوى الأرضي، وما إن صعدنا، حتى أحسست بلفحة من الهواء البارد، لا تشبه الهواء في شارع أكسفورد أو ايجور رود، فسألتها فورا «هل نحن قريبون من النهر؟» ضحكت، وأكدت صحة تخميني، وسرنا معا خطوات بسيطة، لأجد التايمز ممتدا طولا وعرضاً، بلون أزرق فاتح ومويجات سابحة بين علو، وهبوط، وأظن أن القصص والحكايات التي يحملها تاريخه تثقل كاهل المويجات فلا ترتفع إلا بعض الشييء. أشارت بشهقة طفل إلى المباني حولنا «إنها لندن القديمة.. أتذكرين الأغنية الشهيرة حول حريق لندن؟ هذه لندن التي احترقت يوماً ما» بالطبع أعرف حريق لندن الذي دمر المدينة عام 1666، ويقال إنه سبب الحريق هو تغافل خباز إطفاء نار الفرن بالطريقة الصحيحة، أثنت الصديقة على الحكاية التي أعرفها سلفاً، وأصرت أنها الآن سوف تأخذني إلى ما لا أعرفه في لندن، ثم أشارت إلى مبنى على ضفة النهر، مبنى من الطراز المعماري القديم، ربما من البقايا التي لم يلتهمها حريق لندن، وسألتني هل أعرف هوية هذا المبنى؟، فاجبت بالنفي، قالت بكل زهو وفخر، وكأنها من صمم، ونفذ هذا المبنى «إنه مسرح شكسبير الحقيقي». أحسست هنا بأنني بالفعل لا أعرف لندن، ولم أزرها سابقاً، حيث لم يسبق لي أن زرت هذه البقعة في جنوب لندن، وأدركت حينها أن مدينة الضباب أكثر من مشتريات أكسفورد ومتحف فكتوريا وألبرت، أو المتحف الطبيعي، ها هو مسرح شكسبير أمامي لأول مرة، شعرت صاحبتي بالدهشة التي أصابتني، فتمادت بالشرح حول تاريح المبنى الذي أسسه شكسبير عام 1599 ليكون مقرا لشركته الخاصة، ثم تغير المبنى، وأعيد بناؤه وصيانته مرات عدة ولكن بالاعتماد على وثائق، ومستندات توضح شكل عمارته الأصلية، فهذا هو الآن مسرح شكسبير «جلوب» كما أسماه المؤسس نفسه، حتى عندما تغير اسم المسرح إلى اسم «رجال الملك» عاد اسم «جلوب» إلى المسرح، ولا يزال يحمله حتى اليوم. استفاضت صديقتي التي تعد أطروحتها للدكتوراه في الأدب الإنجليزي، استفاضت في الشرح، وكأنها أمام لجنة لتقيم لأطروحتها، وأنا مستمتعة بالاستماع والنظر إلى بناء هذا الصرح وكنت أظن أنني لن أجد شكسبير إلا في بقايا منزله في مدينته الأصلية في ستراتفورد، أو في كتبه وأشعاره ومسرحياته الثلاثين، تلك التي قد لا نذكر منها سوى «هاملت» و»عطيل» و»روميو و جوليت»، لكن صاحبتي ذكرتني أو أنها أخبرتني بعناوين المسرحيات الثلاثين التي كتبها شكسبير في حياته، وذكرتني بأهم إنجازات شكسبير، حيث تميزت أشعاره، بابتكاره العديد من التراكيب والمفردات التي استخدمها في قصائده، وتميّزت بعض هذه المفردات بكونها تجمع عدّة جذور ذات أصول لاتينيّة، وفرنسيّة، ومن لغته الأصلية أيضاً، أمّا المواضيع التي كتبَ فيها شكسبير فتسلّط الضوء على ضياع الوقت والزمن، الجمال والحب، والقيم الإنسانية العليا، وقد كان الفقراء يحضرون مسرحياته التي تستمر لساعات وقوفا أمام من معه ليدفع، فيحصل على كرسي خشبي في المسرح الدائري. استمعت من صديقتي الشكسبيرية، استمعت منها لمحاضرة شيقة حول الشاعر الإنجليزي العريق، ونحن نشرب أكواب الشاي في الساحة المطلة على ضفاف التايمز من جهة، وعلى المسرح التاريخي القديم من جهة أخرى، ولو أنني لم أستوقف حديثها بالنظر إلى ساعتي، وحاجتي إلى العودة إلى سكني قبل حلول الظلام، لولا ذلك، لكانت صاحبتي لا تزال تشرح لي المفردات التي أدخلها شكسبير على اللغة الإنجليزية، والمعاني الفلسفية في مسرحياته، لكن وقت العودة قد حان، فصحبتني الصديقة إلى محطة القطار مرة أخرى، ومن المحطة أعرف طريقا لعودتي، وتتجه هي في اتجاه آخر، وقد قررت يومها أن أعرف لندن كما يجب. اليوم، لا تمر عليَّ رحلة إلى لندن، دون المرور على مسرح شكسبير، أتذكر حديث صديقتي التي اختفت في غياهب الزمان، بعد أن قررت الهجرة إلى إحدى الولايات الأمريكية، فلا أعرف لها اليوم عنوانا أو أثرا، لكن صوتها يسكن هناك مع سوناتات شاعر إنجلترا الكبير، ما زلت أعشق أن أشرب الشاي في نفس المكان، لحظات أعيشها والنهر والصديقة الحاضرة الغائبة، وفي كل مرة أغادر فيها المكان، أسمع من خلفي صوتا يقول «نكون أو لا نكون.. هذا هو السؤال». dhudanaimi@hotmail.com

صدى روايات خالد حسيني.. تردده الأجيال

نصحني أحد العارفين بأسرار الكتابة قبل سنوات، تريدين أن تكوني كاتبة بحق ؟ عليك بقراءة خالد حسيني، وكانت نصيحة بجمل كما يقال، قرأت لخالد حسيني، الكاتب، والطبيب الأفغاني المهاجر إلى الولايات المتحدة الأمريكية منذ 1980،...

ذاكرة مدينة في رواية.. نجوى بركات في غيبة مي

لا أحب القطط، هذا اعتراف مني بذلك، صورة قطٍ على غلاف أي رواية لا تجعلني أمد يدي لتناولها لاقتنائها ناهيك عن تصفحها، لكنه اسم الروائية اللبنانية، والاعلامية نجوى بركات، في آخر ابداعها الروائي «غيبة مي»...

مهنة سرية لمحمد بركة.. شخصية روائية خارج المألوف

لا تخطئ فهم غلاف الرواية، ولا تظن أن الروائي المصري محمد بركة يتحدث عن المؤسسات السرية التي تمسك خيوط العالم، فالعين داخل المثلث على الغلاف لا ترتبط بتلك الصورة الشهيرة لنفس العين داخل المثلث على...

حنـين الصـايغ تكشــــف الغــــموض في «ميثــــــاق النـــــساء»

في بداية حياتي العملية، سمعت زميلا لي من الجنسية اللبنانية يحكي بأنه لا يصوم رمضان بناء على ديانته، وأكمل جملته بأنه درزي، فتحت عيني على وسعها، وأنا أسمع لأول مرة عن الدرزية، وانتشارها في مناطق...

«كشتبان» لأميمة صبحي.. علامة هندية في أدب الرحلات

لم أقرأ حول أدب الرحلات منذ زمن، ربما لأن الرحلات صارت متاحة، وميسرة جدا، وربما لاعتقادي أن الكتاب لن يقدم اكثر مما تقدمه الشاشات الكبيرة، والصغيرة اليوم على وسائل التواصل مثل اليوتيوب والتيك توك، وغيرهما،...

رواية «المسحورة» لرشا سمير تقدم صورة مبهرة لمجتمع واحة سيوة المصرية

«أو هكذا تقول الأسطورة» ليست الأسطورة التي تقول، ولكنها الروائية المصرية الدكتورة رشا سمير، طبيبة الأسنان التي أصدرت أربع روايات قبل هذه الرواية التي بين أيدينا اليوم، رواية المسحورة التي صدرت منها ثلاث طبعات خلال...

ما سر رسالة نابليون إلى شاه إيران في رواية جان دوست «الأسير الفرنسي»؟

يكتب الروائي السوري الكردي جان دوست رواية شيقة حول رجل فرنسي يحمل رسالة من الإمبراطور نابليون بونابرت إلى شاه إيران القاجاري عام 1805، يحملها مع الهدايا والتحف الثمينة، ويمر عبر المساحات الشاسعة، وفي ما هو...

أغنيات للعتمة لإيمان حميدان.. بيروت التي لا تغادر ذاكرة محبيها

«تركت بيروت ورائي، مدمرة راكعة حزينة فاقدة روحها وناسها و شبابها»هذا ما كتبته ايمان حميدان، الروائية اللبنانية على لسان احدى شخصياتها في روايتها الأخيرة (أغنيات للعتمة) شخصية اسمهان التي غادرت بيروت الى نيويورك عام ١٩٨٢...

إيناس حليم.. تعيد البحث عن سيدة سقطت في حفرة قبل 50 عاماً

حكاية السيدة التي سقطت في الحفرة، رواية بطعم التحقيق الصحفي الاستقصائي للكاتبة المصرية المبدعة إيناس حليم تتعرض بشجاعة لحكاية غامضة من حكايات مدينة الإسكندرية التي تفرد شعرها على الشط، بحسب كلمات عبدالرحمن الأبنودي وغناء عبد...

د. هدى النعيمي تكتب عن «أزمنة العنف» للروائية رزان المغربي: الرسام الإنجليزي.. بين سنوات الحرب والثورة الليبية

عندما تصادف رواية بعنوان (الرسام الانجليزي) يتبادر إلى الذهن فورا، وقبل الدخول في التفاصيل، الفيلم السينمائي الرائع (المريض الانجليزي) الذي تدور أحداثه مع الجنود وشخصيات عامة، إبان الحرب العالمية الثانية، تلك الأحداث التي كتبها الروائي...

أدب الطفل بين الرسمي والشخصي وتبدلات المناخ الثقافي والاجتماعي

كلما أثيرت قضية أدب الطفل في أي منتدى يبرز الى سطحها سؤالان أساسيان: ما هو دور المبدع؟ وإلى أي حد تقوم الجهات الرسمية برعاية ذلك النوع الصعب من الأدب؟ والحقيقة أن صعوبة الكتابة للأطفال، وقلة...