ملاحقة المتضامنين إنسانياً في سوريا

في خضم خطرٍ اجتاح العراق وسوريا ولبنان واليمن وبات يُهدد الباقي من وجودنا كشعوب ودول اكتشفنا أن القائمين على أمرنا تركونا لا حول ولا قوة للرد. واكتشفوا هم أن من كانوا يعولون عليهم كحلفاء قد أداروا لهم ظهورهم. في وضع مزرٍ كهذا لا مجال للعتب على أنفسنا أو عليهم فـ «الفاس وقع بالرأس» ولا «مظلمة للمغفلين». عليه ليس من الموضوعية والعدل ولا من القانون الوقوف بوجه من لم يعد بإمكانهم القنوط وانتظار أن تصل ماكينة الإبادة الصفوية إلى عقر دارهم ليشهدوا ذات الجرائم الشنيعة في سوريا تتكرر على أهلهم وفي مدنهم. وحق الدفاع عن النفس تضمنه القوانين والمواثيق الدولية والشرائع. وقد وصلت رسائل الصفويين الصاروخية مؤخرا عبر الحدود مع العراق. وأعاد الحوثيون حممهم إيذانا بالجحيم المنتظر من تقارب الشيطانين الأشطن والأكبر. في المقابل تجد من يتفحص «صباح العربية» بعيون تترية تقدح نارا محذرة من تمدد «متطرفين» عرب بكل الأوصاف في سوريا. ولا تهدأ إلى أن تكون الغلبة عليهم لعناصر حزب العمال من شبيحة بشار الذين يجمع أكراد والعالم على تعريفهم رسميا بـ «الإرهابيين». ثم يبرز أحد كبار الشيوخ بانتقاد بعض زملائه بأنهم يحرضون الآخرين على الذهاب وليس أولادهم. وهذا كلام حق، لكن لا يُلام من يرى فيه باطل لأنه لم يُسمع عن فضيلته ما يحث به ذوي الأمر بما يُلزمهم علنا بتقديم مساعدة جدية لإخوانهم السوريين. تخفف ما يحسه البعض من لوعة ضمير للتقاعس باسمهم عن واجب الدفاع عن الحق والنفس ذلك مقارنة بما تقدمه إيران وتفتخر به من دعم بكل الوسائل للظالمين. هذا إن لم يكن من أجل السوريين فليكن كما تفعل إيران دفاعا عن مصالحها بعيدا في سوريا، ثم لتكتمل الحملة الإقناعية بتقدم من يُقدم كـ «إعلامي لامع» لاستجواب نماذج نفسية من السجون. الحق يُقال: إن الظروف والمحن جعلت جهات قد يقصدها المتضامنون مخترقة وموجهة استخباراتيا وغير آمنة المآل. ما يوجب الحيطة والحذر حفاظا عليهم وأمن بلدانهم. لكن وبحسن نية «ما هكذا تورد الإبل». فما يُقال ويُقدم من برامج على سبيل الإقناع لن يكون أثره إلا معكوسا. وأنت تتعامل مع أجيال تتراكم فيها أدوات الفهم والإدراك بتسارع لا يعادله ما اكتسبته كـ «إعلامي لامع» طيلة عمرك المتقدم. تذكروا أن أمثالهم أثاروا ما نشهده من ثورات عندما كانوا يُحسبون في الضياع. فلا تلاحقوا المتضامنين منهم مع سوريا بدوافع إنسانية تُجيزُها المواثيق الدولية. ما لم يفعله حتى الصهاينة بالمتضامنين مع الفلسطينيين. وتذكروا مسؤوليتكم عن ملاحقتكم لأبرياء ومغرر بهم حتى دفعتم بهم صيدا سهلا بيد المخابرات الصفوية وغيرها. عليه يُفترض احترام عقولهم ومشاعرهم الجياشة فيما يتحسسونه من خطر داهم لأهلهم وأوطانهم. وهذا ليس له بالضرورة ما تخشون من دوافع دينية وما شابهها. فأنتم لا يمكن أن توقفوا إحساسهم بأنهم أهل وطن وأمة. لم ولن يُكتب لأحد من قبلكم ولا من بعدكم القضاء على ما يحسه الإنسان أيا كان من انتماءات مؤصِلة لهويته. تذكروا انفجار الأممية الشيوعية في أوروبا الشرقية بكل أساليبها المستبدة عن أحاسيس قومية ودينية مكبوتة حتى وصل بعضها حد التطرف والحروب. فلا تكبتوا مشاعرهم متخيلين إمكانية تحويلهم إلى كائنات لا شعورية. بلا حس إنساني ولا وطني ولا قومي ولا عشائري حتى لا نذكر ديني. البشر أفكار وطاقات متباينة. وهذا من تفصيل الخلق لخلقه. تباينٌ لا يمكن تجاهله في النظر لما يجري في سوريا من فظائع ضد الإنسانية وفي قدرة تحمل السكوت عليها. عليه لا بد من منظومة شعبية مجردة من كل الأيدلوجيات والتعدي والاعتداء والإكراه في الدين لتكن على مرأى المؤسسات الحكومية المختصة للوقوف وقفة رجل واحد على بوابة الأمة الشرقية في مواجهة الأعداء التاريخيين. كونوا واقعيين فلا أمان للدول والشعوب اعتمادا على مجرد «جيوش الكروش». وتجربة الفشل في وضع حد للحوثيين عند تجاوزهم الحد قبل عامين لا تزال في الذاكرة خير نذير.