الشيطان «الأشطن»

الشيطان الأشطن، ومنذ استلامه السلطة اعتمد على خبرات النخب الفارسية ووريثتها الصفوية في إدامة سلطتها بناء على نظرية الـ «خُلف» الفلسفية اليونانية بـ « إثبات الشيء بنقيضه» سواء في الدين أو السياسة أو الثقافة وغيرها من مجالات تدعيم السلطة، هكذا وجد نفسه وميزها محليا وعالميا بتسميته نقيضه المفتعل في نظر سطحيي الفهم بـ « الشيطان الأكبر». على أمل أن لا يُفسد هذا للود قضية بينهما طالما أن ما خفي من تعاونها كان أعظم وأهم، ليس أولُه ما يقرُ به «الأكبر» في وثائقه التي رُفعت عنها السرية بدور نخب الشيطان الأشطن المعممة في مساعدته على إسقاط الإصلاحي المرحوم د.محمد مصدق وتأميمه للنفط في إيران بداية الخمسينات، فالمهم لهذه النخب الصفوية كان ولا يزال التخلص من منافسيها فيما تدعيه من «سيادتها الألهية» على الشعب حتى بثمن تدميره ومقدراته، وهو ما تُدرك أن «الشيطان الأكبر» يُدرِكُه ويؤمنه لها في تعاضدٍ للمصالح بينهما، وليس تبادلا كما يرى سطحيو النظر، والدليل الأقرب هو تهاون «الأكبر» عن مساندة الإيرانيين في ثورتهم ضد» الأشطن» عام 2009 رغم إدعاءِ العداء بينهما، والسبب يكمن في إدمانه الحاجة للأشطن كشريك استراتيجي في ملفات إقليمية ودولية، حتى وإن تحول في بعضها إلى ألعوبة بيده. قوة الأشطن هي في قدرته على قراءة رغبات الأكبر وتزيينها له. وعرض خدمة مساعدته في تنفيذها، هكذا استدرجه إلى العراق بعد أن قدم له الدخلاء كحلفاءٍ وعدوه باستقبال بالورود بالضد من إرادة إصلاء هذا البلد، ثم ترك الأشطن حليفه الأكبر ينفذ له أهدافه، ويغوص في الوحل حتى أذنيه؛ ليمد له بعدها يد العون لإخراجه فاقد المصداقية بنظر العالم، لكن ليس له من سبيل إلا العودة للأشطن كما جرى في سوريا عندما أحس بحرجه لعدم التدخل فقدم له الحل بتسليم كيماوي بشار، ويجري الآن من تقارب طلبا لمساعدته للخروج القادم من أفغانستان. الأشطن ما كان ليكون كذلك لولا قدرته على أسر الأكبر من رغباته، والتدرج في إعانته عليها تبعا لمصالحه وهلم جرى في حلف حتمي نحو الغاية المشتركة في تثبت نفوذ كل من «الأكبر» على العالم والأشطن على الشرق الأوسط. والوسيلة هي استباحة العالم بذريعة الخوف من الإسلام، واستباحة العالم الإسلامي بذريعة تخلف العرب، واستباحة العالم العربي بذريعة الإرهاب. احتلال العراق لم يكن إلا ثمرة التعاون في البلقان، فالأشطن الذي تحسس مسبقا توق الأكبر إلى عدو بديل بعد انهيار الشيوعية وحلف وارسو للإبقاء على نفوذه بعد تصاعد الأصوات في أوروبا المطالبة بإنهاء سياسية الأحلاف سارع وقدم البديل، ذلك باستدراج بعض العرب الأفغان وغيرهم المطاردين من حكوماتهم إلى حرب البلقان، ما شكل الأساس لما سمي بعدها في الحملات الدعائية المصاحبة بـ « بؤرة الإرهاب في أوروبا المستورد من العرب، وما خلفته مما وصف بإرهاب الأبيض أي من الأوروبيين» سكتت الأصوات، بقي النفوذ والأحلاف وأُتبع هذا بتعاون على احتلال العراق، ثم اشتكى بعض العرب من «تسليمه على طبق من ذهب إلى إيران» بعد خروجهم من «المولد من دون حمص». المحزن أن المفعول بهم في لعبة «الشياطين» هذه أولا وأخيرا هم العرب الذين باتوا ككرةٍ متقاذفة، فمن انتهى بهم المطاف بأيدي إن لم يكن أرجل «الشيطان الأشطن» يرون فيه منقذا وفي «الأكبر» عدوا، وبالعكس من هم بأيدي «الأكبر» يعتبرونه حليفا منقذا وفي «الأشطن» عدوا، والحقيقة المرة أننا في عمى البصر والبصيرة هذا أعداءُ أنفسنا.