alsharq

منبر الحرية

عدد المقالات 129

الطريق إلى الديمقراطية.. إعلاء مؤسسية الدولة على أيديولوجية نخبة الحكم

30 مارس 2012 , 12:00ص

لم تختلف السلطة المركزية في مقوماتها في ماضي الدولة المصرية الذي يرجع لحكم الأسر الفرعونية منذ آلاف السنين عن الحاضر، من امتلاك الثروة والنفوذ وقوة الجيش الذي كان مميزا في فترة حكم هذه الأسر. ولم يكن هذا التصور غائبا عن مؤسس الدولة المصرية الحديثة محمد علي باشا الذي بدأت تجربته سنة 1805 باختيار النخبة المجتمعية له ثم انقلابه عليهم لينفرد بتأسيس الدعائم الواقعية لنفوذه وقوته ليكون حاكما شرعيا على القطر المصري، ثم بعد ذلك على ما جاورها من أراض في بلاد الشام والسودان.. واستمر نهجه في تكريس مركزية السلطة في أشكال مختلفة من الهيمنة على الثروة وتكريس النفوذ ببناء جيش عصري والاهتمام بكل السبل التي ترفع من شأنه سواء بالتعليم أو بالابتعاث للخارج أو جلب الخبراء ليطوروا داخله لدعم مركزيته وهيمنته، والتي نجح في أن يرسي دعائمها في أثناء فترة حكمه التي امتدت لسنة 1848 ثم ظهر تأثيرها بعد ذلك في فترة حكم أفراد أسرته التي انتهت بقيام ثورة يوليو 1952. وكمنت قيمة هذه التجربة في أنها استطاعت أن تخلق سلطة سياسية مركزية حديثة تتمحور عليها أسس الحكم داخل القطر المصري وما استلزم ذلك من صدور تشريعات وقوانين تعمل داخل دولاب العمل الحكومي في المؤسسات الجديدة المستحدثة، سواء في الجيش أو في النظام القضائي أو حتى النظام التشريعي الذي بدأ بمجلس النواب في عام 1866 وما تبعها من إنشاء دساتير كانت تعبر بشكل ما عن السلطة المركزية للدولة.. والتي تطورت في مراحل لاحقة بشكل كبير داخل دستور 1923، بإبراز الحقوق والواجبات المتبادلة بين مؤسسات الحكم والأفراد داخل المجتمع.. ومثل هذه التطورات صبت في دولاب الحكم ومركزيته الذي شرع الحكم عن طريق هذه القوانين والمؤسسات وعمليات احتكار القوة بأشكالها المختلفة، مظهرا هيمنة وقوة الدولة المصرية أيا كان من يحكم سواء ملك أو رئيس جمهورية مثلما سارت آليات الحكم في فترة ما بعد ثورة يوليو، واستمرار نفس النهج في الإصرار على مركزية السلطة والاستئثار بالقوة في شكل الثروة والجيش بنفس النهج الذي بدأ به محمد علي حكمه تأكيدا على مركزية الدولة في شكل نخبتها الحاكمة. وباتت عملية التمحور حول مركزية الحكم في المجتمعات التي لم تكن فيها قيم المؤسساتية وتداول السلطة من الأمور الطبيعية، حيث من يمتلك السلطة يستطيع أن يحكم وأن تسير قاطرة الحكم على قضبانه رغم ديكتاتوريته. ومن هنا فدولاب الحكم أيا كان شكله في ظل غياب المؤسساتية وحكم القانون وقيم الديمقراطية يستطيع أن يُسير عجلة الحكم ويخلق الشرعية لنفسه، وهذا ما كان يعمل عليه بنفس المنطق منظرو النظام السابق في مصر الذين كانوا يخططون لإمكانية استمرار هذا النموذج من الحكم (حكم الفرد) في شكل التوريث، مستندين إلى هذه الخلفية التاريخية التي تؤكد على أنه على مدار المئتي سنة الماضية أن السلطة المركزية، أو بمعنى أوضح سلطة الدولة، كانت لها الهيمنة على باقي السلطات الأخرى بما فيها القوى السياسية، وبالتالي من الممكن تسخير هذه السلطة في خدمة أغراض غير مشروعة مثل الاستبداد وديكتاتورية الحاكم الذي يحكم مدى الحياة ثم استخلافه في أسرته بعد ذلك. وعلى ما يبدو أن فترة المخاض التي تشهدها مصر منذ تنحي الرئيس السابق وحتى انتهاء المرحلة الانتقالية تشهد تفاعلات من قبل قوى سياسية تعمل للانتصار لهذه الوجهة التاريخية بخلق السلطة السياسية المهيمنة دون أن تكون هناك مؤسسات وإطار القانوني ومبادئ الديمقراطية حتى لو أتت بالانتخاب، فالعبرة ليست في كونهم جاؤوا عن طريق صندوق الانتخاب وإنما في عملية تحييد مؤسسات الدولة بعيدا عن نخبة الحكم، ولا تكون تابعة لهم بل يعملون في إطارها دون إخضاعها لسلطة الفرد أو التنظيم كما كان في السابق.. وهذا هو الاختبار الحقيقي الذي سوف يحدد مؤشرات نجاح الثورة التي لا يمكن الحكم على نتائجها بمرور عام أو أكثر بل تحتاج إلى سنوات. فهل تستمر الثورة في نجاحاتها بكسرها هذا الاحتكار التاريخي للسلطة السياسية والذي شهد محطات خروج عنها وفقا للآتي: أولاً: شهد تطور السلطة السياسية في مصر عبر المئتي سنة الماضية حالات خروج عن هيمنة الديكتاتور، فالشرعية على سبيل المثال خرجت عن طوع الملك وذهبت إلى حزب الأغلبية المعارض الممثل في الوفد في الفترة من 1924-1952. وبروز الوفد كحزب معارض يتناوب على الحكم مع أحزاب أخرى. في هذه الفترة لم يكن إلا نتيجة للصحوة المجتمعية والنهضة التي أحدثتها ثورة 1919، وهو ما صب في صالح كيان قوة الدولة المصرية كمجتمع ومؤسسات.. وهذه الفترة ما زالت هي الأبرز في القدرة على تحييد هذه المؤسسات عن السلطة السياسية بقدر ما. ثانياً: إن عملية الإصلاح من داخل دولاب الحكم الذي يستوعب المعارضة ممكنة مثلما حدث في الفترة الليبرالية فوجود المعارضة وحصولها على الأغلبية وعلى الحكم حتى لمدة قصيرة كرس من فكرة تبادل السلطة، وهو ما انعكس على الثقافة المجتمعية التي كانت متنوعة فكريا إلا أنها في النهاية لم تخرج عن الثوابت المتعلقة بمصر كوطن لكل المصريين وليس وطن من يحكمون فقط. ثالثاً: يجب التمييز بين الفرد الحاكم أو نخبة الحكم والمجتمع بمؤسساته، فالدولة ليست هي الحاكم الفرد، ومن ثم ليس توجيه نقد للفرد الحاكم أنه يكون موجها للدولة المصرية بمؤسساتها وتراثها السياسي في الحكم، فالدولة هي المؤسسات المختلفة بميراثها الثقافي وتقاليدها التي رسختها على مدار الخبرات السابقة، والمفترض فيها أن تكون متسمة بالاستمرارية مع التطوير على عكس الحكام الذين يجب أن يأتوا ويذهبوا دون أن يحدثوا التوقف في استمرارية هذه الصيرورة المؤسساتية والمجتمعية. وبناء على ما سبق فالطريق لوضع دستور جديد يكون أمامه تحديان: الأول يتمثل في كيفية التغلب على الفصل ما بين الحاكم والدولة بمؤسساتها بشكل يخالف ما كان متبعا ومتجسدا في نظام الحكم في مصر على مدار المئتي سنة الماضية، والتي كان فيها الحاكم الفرد هو الدستور والقانون والمؤسسات.. والتحدي الثاني يتعلق بالقوى السياسية، بأن يضمن الدستور الجديد المبادئ والإطار الذي يعلي من قيم الدولة كمؤسسات وكيان عام عن أيدلوجية هذه القوى مهما كانت أغلبيتها في المجالس النيابية التي بحكم طبيعتها هي متغيرة بالانتخابات، وبالتالي حالة المنافسة فيما بينها على الحكم تكون من خلال هذا الإطار العام لشكل الدولة وليس وفقا لأيدلوجية سياسية أو دينية قد تنعكس في شكل كتابة الدستور. ينشر بالتعاون مع منبر الحرية

مشروع فلسطيني جديد يواجه المشروع الصهيوني

مر على النكبة 66 عاماً، اختلطت فيها آلام اللجوء مع الكفاح والثورات وأحلام العودة. فالنكبة بصفتها عملية اقتلاع شملت مصادرة الأراضي والمنازل واحتلال المدن وتدمير مئات القرى وسط مجازر وتهجير جماعي ومنع السكان المواطنين من...

سيكولوجية الهدر عربياً

كان الهدر بجميع جوانبه المادية والزمنية والنفسية سمة من سمات حقبة الاستبداد العربي طيلة أكثر من أربعين عاما، سحق المواطن سحقا ثقيلا وكبتت أنفاسه وتحول إلى جثة متحركة بجسم لا روح فيه، في عملية تشيؤ...

سوريا إلى أين؟ بين إنكار السلطة الديكتاتورية.. وفشل المعارضة السورية (1/2)

درج النظام السوري على تأخير وتأجيل (بهدف إلغاء) استحقاقات الإصلاح السياسي، وكل ما يتصل به ويترتب عليه من متعلقات ومتطلبات اجتماعية واقتصادية ومؤسساتية إدارية، وما يترتب عليه من تنمية إنسانية حقيقية تتحقق من خلالها تجسيد...

أي مجتمع مدني في ظل الحراك العربي؟

لقد أفرز الحراك العربي نقاشات عميقة حول مجموعة من المواضيع التي كانت تستهلك بشكل سطحي وبدون غوص في حيثياتها وأبعادها. ويعد من بينها المجتمع المدني كمفهوم متجدر في الغرب، فقد عرفه «توماس هوبز» في منتصف...

روحاني والسياسات الإيرانية القادمة

بعد أحداث طهران 2009 الدامية على إثر الانتخابات الإيرانية التي اتهم فيها المحافظون بالتزوير، وصعد الإصلاحيون -بقيادة حسين موسوي وكروبي- احتجاجاتهم مطالبين بإعادة الانتخابات التي قوبلت بالرفض القاطع من المحافظين الأمر الذي أثار شكوك الإصلاحيين...

مبادرة النيروز: درس تركي جديد للعرب

قدم أحفاد كمال أتاتورك – مرة أخرى – درسا جديدا من دروسهم للعرب، فبعد أن نجحوا في إرساء دعائم دولة الحق والقانون، وبناء المؤسسات التي أهلت دولة تركيا للالتحاق بنادي الديمقراطيات ( معدل دخل الفرد...

سوريا الحرية ستنهض من جديد (3/3)

.. شعب سوريا كما قلنا حضاري منفتح على الحياة والعصر، وعرف عنه تاريخياً وحضارياً، عشقه للعمل والإنتاج والتجارة والصناعة وغيرها من الأعمال.. وحضارة هذا البلد العريقة -وعمرها أكثر من7000 سنة- ضاربة الجذور في العمق التاريخي...

سوريا الحرية ستنهض من جديد (2)

باعتقادي أن التسوية السياسية الكبرى المتوازنة المنتظرة على طريق المؤتمرات والتفاوضات المرتقبة عاجلاً أم آجلاً (مع الأمل أن يكون للسوريين أنفسهم الدور الرئيسي في بنائها والوصول إليها) التي تحفظ حياة وكرامة المواطن-الفرد السوري، وتعيد أمن...

سوريا الحرية ستنهض من جديد(1)

لاشك بأن التغيير البناء والهادف هو من سمات وخصائص الأمم الناهضة التي تريد أن تتقدم وتتطور حياتها العمرانية البشرية والمجتمعية..وفي مجتمعاتنا ودولنا العربية والإسلامية عموماً المحمّلة بحمولات فكرية ومعرفية تاريخية شديدة الحضور والتأثير في الحاضر...

موقع المثقف العربي من «الربيع»

في خضم الثورات العربية أو ما يسمى بالربيع العربي يمكن القول إن صوت المثقف العربي خافت من جوانب عدة فبعد مرور حوالي سنتين على بدء هذا الربيع يحتاج المشاهد والقارئ وبالتالي المواطن العادي إلى تحليلات...

التجربة الثورية العربية الجديدة (1/2)

يسهل نسبياً الانتقال من حكومة ديمقراطية إلى أخرى ديمقراطية بواسطة الانتخاب، كما يسهل الانتقال من حكم ديكتاتوري إلى آخر مثله من خلال الانقلاب، إلا أن الثورات الشعبية التي لا تتضمن سيطرة جناح محدد على بقية...

التحول الديمقراطي التركي رؤية من الداخل

هبت رياح التغيير على بعض الأقطار العربية منذ ما يربو عن سنتين من الآن، فصار مطلب الحرية والديمقراطية ودولة القانون يتردد على أكثر من لسان، وأضحى الالتحاق بنادي الديمقراطيات حلم الشعوب المنعتقة من نير النظم...