هل تخاف إسرائيل من الثورات؟

قد يكون القول إن إسرائيل ترتعد خوفا من الربيع العربي يحمل تفاؤلا مبالغا فيه؛ لأن الدولة الصهيونية لا تزال تمثل أهم قوة عسكرية في الشرق الأوسط، وتحظى بدعم واشنطن ومعظم عواصم الغرب. لقد انعكست ثقة إسرائيل بقوة مركزها في عدم تعاطيها منذ البداية بجدية مع ما يعتمل في المنقطة من تغييرات وتطورات. الإيمان إذن بالتفوق العسكري والتعويل على الدور الأميركي بالذات وراء أريحية إسرائيل، رغم عتو الموج الذي أزاح أصدقاء واشنطن وتل أبيب من الحكم. لم تكتف إسرائيل في الأشهر الأولى من اندلاع الثورات بعدم الاكتراث بتداعيات الثورات، إنما كثفت من نشاط الاستيطان وحملات القمع والقصف ضد الفلسطينيين. ولعل العام الماضي، الذي مثل ذروة الثورات العربية، شهد أكبر انتهاكات إسرائيلية بحق القدس والمقدسيين. لقد نفذت إسرائيل الكثير من الحفريات بجنبات الأقصى الشريف ودمرت وطمست العديد من المعالم التاريخية في سبيل تهويد القدس، ما يعني أنها تضرب عرض الحائط بما يحصل في العالم العربي من تغيير كاسح. بيد أن ثقة إسرائيل في قوتها واطمئنانها لدعم الغرب اللا مشروط لم يكن وحده وراء التهوين من شأن التطورات العربية، فهناك عامل آخر يتمثل في أن الثورات -على الأقل في بدايتها- أسقطت من أجندتها الصراع العربي مع إسرائيل. لقد تابعنا الثورة في تونس منذ إرهاصاتها الأولية إلى أن استوت وفرضت الهروب على «بن علي»، ولم يناد المنتفضون بالتصدي لإسرائيل وتحرير فلسطين. وحتى في مصر التي يربطها بإسرائيل سلام بغيض لم يرض عنه الشعب يوما، بدت الثورة محلية خالصة: كرامة حرية ديمقراطية، ولم يدع أحد لتدمير إسرائيل. لقد فهمت إسرائيل إذن أن الشباب العربي الذي فجر الثورات وأنجزها غير متورط في السياسة ولم يتشرب إلا قيم التكنولوجيا والحداثة الغربية، التي لا تصطدم مع بقاء إسرائيل وهيمنتها على الإقليم. لكن مؤشرات جديدة بدت تؤكد أن الربيع العربي لن ينزل بردا على إسرائيل، فهناك تطورات تؤكد ترابط القضايا العربية المصيرية الكبرى بتلك المحلية البحتة. ويبدو أن تمكن المصريين من تصحيح مسار ثورتهم كلما تعرضت لانحراف بعث برسالة إلى إسرائيل تفيد بأن حمايتها من قبل مصر لم تعد أمرا مقبولا. لقد استبعد القضاء المصري عمر سليمان من السباق للرئاسيات، ثم أقر البرلمان لاحقا قانون العزل السياسي لإقصاء فلول نظام مبارك من السلطة. مصر بعد شهرين لن يكون فيها صديق لإسرائيل يتولى منصبا قياديا، ما يعني أن العلاقة بين الجانبين ستتجه إلى التوازن والمصالح بدل أن يتولى أحدهما حراسة الآخر. فعلا من المبكر الحديث عن دخول مصر في حرب ضد إسرائيل، لكن اتفاقية بين الجانبين السلام لن تصمد طويلا، ومن باب أولى لن تبقى القاهرة وكيل تسهيلات لتل أبيب في المنطقة. ولعل توقف تدفق الغاز المصري إلى إسرائيل بداية لتدشين مرحلة جديدة في علاقات الجانبين. وبالإضافة إلى الوضع المصري، بدأ القلق يسترب لإسرائيل من سوريا، فرغم تمكنها من حماية الأسد من السقوط، فإن نظامه لم يعد بتلك القوة التي تضمن بقاء جبهة الجولان في سباتها العميق. كذلك تحيل التطورات إلى أن الأردن بات مفتوحا على كل الجبهات، ما يعني عدم ضمان ولاء أي نظام لإسرائيل في المنطقة. وحتى المغرب لم يعد بإمكانه التنفيس عن إسرائيل في ظل وجود حكومة خرجت من رحم الثورات على الطريقة المغربية. وإذا ما أضفنا لكل هذا أن حماس باتت ضيفا مرحبا به في العديد من الدول العربية، يمكن القول إن الربيع العربي بات فعلا يقلق إسرائيل. بيد أن السؤال الأكثر أهمية هو: ما مدى قدرة الجامعة العربية على استغلال هذا الظرف في التحرر من ضغوط واشنطن نحو تضييق الخناق على إسرائيل؟ ننتظر جوابهم.