تحييد طنطاوي.. ضربة لا صفقة

لعل أكثر الناس تفاؤلا لم يتوقع أن يستعجل الرئيس المصري خوض المعركة ضد العسكر -أحرى عن طردهم- من المشهد السياسي في غضون شهر من إمساكه بمقاليد الأمور. قرارات الرئيس إذن كذّبت نبوءات المراقبين بأن طنطاوي سيظل وصيا على القصر، وأن تحييد الجيش عن السياسية قد يتطلب وقتا طويلا. لكن الشارع المصري -ومعه العربي- الذي هلّل لقرارات الرئيس لم يتبين ما إذا كان إبطال مفعول العسكر نتيجة صفقة معهم أم ضربة مباغتة ضدهم. يميل الكثير من المراقبين إلى أن الرئيس مرسي توصل إلى تفاهمات مع رهط طنطاوي يتوارون بموجبها عن المشهد السياسي مقابل تحصينهم من الملاحقة عما اقترفوه بحق المصريين. يكتسب هذا الطرح وجاهته من أن الرئيس عين العسكر في مناصب استشارية ومنحهم أوسمة جديدة، للتأكيد على أنهم أهل للتقدير في مصر الجديدة رغم أنهم كانوا جنودا مخلصين للنظام المخلوع. لكن اتخاذ القرارات على عجل ينفي عنها الطابع الصفقاتي، لأن التسويات عادة ما تتم على مراحل طويلة من التفاوض يتنازل فيها كل طرف عن بعض المكاسب مقابل إنجاز تسوية مرضية. وما دامت قرارات الرئيس غير متوقعة في توقيتها وطبيعتها فإن هذا يؤكد أنها خطوة جريئة وربما مغامرة في اتجاه تكريس سلطته، وليست نتاجا لتسوية مع العسكر. لو أن الرئيس كان بصدد إبرام صفقة مع العسكر لما عين طنطاوي قبل أسبوعين وزيرا للدفاع.. كان بالإمكان تأجيل تعيين وزير للدفاع لحين اكتمال المفاوضات. ولعل اختيار الرئيس لقادة عسكريين جدد شبه مغمورين يعكس أنه لم يُصْغ في قراراته للمشير طنطاوي. الراجح إذن أن الرئيس قرر تصفية العسكر بعد حادثة سيناء لأنها تكشف عن تقصير متعمّد ربما أراد العسكر من خلاله توريط الإسلاميين. يذهب بعض المحللين إلى أن الاستخبارات المصرية حريصة على أن تقنع الشعب بأن الإخوان ليسوا جديرين بقيادة البلد. ومن شأن تكرار حوادث من هذا القبيل -هجوم سيناء- أن يثير حنق المصريين على الرئيس. وأمام هذا الامتحان العسير، قرر مرسي مباغتة فلول الاستخبارات والجيش فتخلص منهم على عجل. وإذا كان طابع الصفقة ينتفي عن قرارات الرئيس، فإنها أيضا ليست انقلابا ما دامت تتصف بالشرعية وصادرة عن سلطة أفرزتها إرادة الناخبين المصريين. هي إذن ضربة قوية في اتجاه تحجيم دور العسكر في السياسية ولجمهم عن الخوض فيما لا يفقهون. بيد أن الرئيس لم يستجب بشكل كامل لروح ومطالب الثورة التي ترفض منح الحصانة للعسكريين. لقد تعهد مرسي غداة إعلان فوزه بالقصاص للثوار ومحاسبة كل من أخطأ في حق شعب مصر العظيم. ولا شك أن تقريب العسكر وحمدهم بما لم يفعلوا يتنافى مع هذا التعهد. لكن هذا المأخذ لا يقلل من قيمة ثورة الرئيس على العسكر، فقد بدا مصمما على تولي مسؤولياته كاملة. وما دام الرئيس كسب المعركة ضد العسكر فإن تحييد فلول النظام في القضاء لن يكلفه جهدا كبيرا. إن بعض المؤسسات القضائية التي دفعها العسكر لاعتراض إرادة الثورة تحت مبررات حماية الدستور، لن تجرؤ بعد اليوم على تسييس الأحكام والعبث بالقانون. يجب فقط التنبيه إلى أن هذه لن تكون الجولة الأخيرة في تصفية أعداء الثورة، فما زال بإمكانهم وضع العراقيل والمطبات في وجه النظام الجديد. إلا أن مواجهة الفلول لا يجب أن تستنزف جهد الرئيس خصوصا وأن حكومته لم تشرع حتى الآن في تحقيق أهداف الثورة. لقد برهن فخامة الرئيس من خلال خطبه وصلواته على أنه قريب من الناس، لكن هذا لن يكون بديلا عن الخبز. إن الشروع في تلبية المطالب الملحة هو وحده الكفيل بأن يدفع الجماهير، حتى من غير الإسلاميين، للاصطفاف خلف الرئيس.