ينجح الأفارقة حيث يفشل العرب

قد تكون مطالبة الجامعة العربية بأن تكون في مقام الاتحاد الأوروبي طموحا غير واقعي، لأن الفرق بين العرب والأوروبيين كبير جدا من حيث الوعي الشعبي والتقدم السياسي والمستوى الاقتصادي أيضا. لكن أن تكون الجامعة أقل شأنا من الاتحاد الإفريقي فذلك يعني أن العرب كتب عليهم التخلف وأن قدرهم البقاء في ذيل الأمم إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها. بالأمس انتخبت مفوضية الاتحاد الإفريقي رئيسا جديدا بعد أربع جولات من المنافسة تغلبت فيها وزيرة خارجية جنوب إفريقيا السابقة نكوسازانا دلاميني على الغابوني جون بينج الذي شغل المنصب منذ عام 2008. لم يتمكن بينج من البقاء في منصبه بالتمديد الذي يخلد أمناء الجامعة العربية في مناصبهم. كذلك تجاوز الأفارقة هيمنة الدول القوية على منظماتهم ولم يعملوا بالوحي العربي الذي يقول إن القيادة لدولة المقر أو من نصيب الأخ الكبير. يقع مقر المفوضية في إثيوبيا بينما رئيسها السابق من الغابون وخلفه من جنوب إفريقيا.. مؤسسة إذن لها نظم وقواعد ولا تحكم بالهيمنة والإقصاء. قد يبدو انتخاب رئيس المفوضية شيئا ثانويا في منظمة يبلغ عدد أعضائها 54 وتعاني جهلا عضوضا وفقرا مدقعا.. لكنه ليس كذلك البتة، إنما يعكس جانبا من تطور العمل الإفريقي المشترك ونضج الممارسة الديمقراطية هناك. كثيرا ما نصف إفريقيا بأنها حاضنة للتخلف والمرض دون أن نلاحظ أن القارة السمراء تتقدم علينا في الكثير من المجالات. تتخذ القرارات في الاتحاد الإفريقي بالأغلبية بينما يشترط الإجماع في جامعتنا الموقرة، بمعنى أنها لن تتخذ أي قرار لأن حصول إجماع من شبه المستحيل. لقد تخلص الأفارقة من منظمة الوحدة بعد أن أصيبت بالوهن وتبدّلت معالم الجغرافيا السياسية التي أدت لقيامها فتشكل الاتحاد الإفريقي كهيئة أكثر وعيا بمتطلبات الوقت الراهن: الديمقراطية والتنمية الاقتصادية والصحة والتعليم. في ذات الوقت لم تحقق الجامعة العربية ولو نسبة ضئيلة من الأهداف الباعثة على إنشائها، ولم يتم حلها وإنشاء هيئة جديدة يتناغم ميثاقها مع مقتضيات العصر الحديث. حيوية المفوضية الإفريقية وشلل الجامعة العربية، يمكن رصد تجلياتهما في المجالات العسكرية والسياسية وحتى في الاقتصاد: عقدة الأفارقة الكبرى. تترنم الجامعة العربية بالشجب والإدانة والاستنكار وتعزف في كل المناسبات الحرجة المناشدة والاستجداء. سوريا خير مثال على ما نقول، فرغم اكتظاظ الثكنات العربية بالجنود، تستباح دماء السوريين وتنتهك أعراضهم كل يوم. تنتظر الجامعة العربية فرجا أميركيا أو صفحا روسيا فقط. وتأمل في دور تركي فعال، وتخشى من غضب إيران. لكن الاتحاد الإفريقي ينشر قواته في العديد من بلدان القارة ويجبر العسكر الانقلابيين على العودة لثكناتهم صاغرين. وفي حين يتصور من الجامعة العربية أن تهتم بكل شيء إلا الديمقراطية، فإن هذه الأخيرة تمثل الشاغل الأول للاتحاد الإفريقي. في مالي وغينيا وموريتانيا رفض الاتحاد الإفريقي بشكل قاطع العودة للاستبداد والانقلاب على الديمقراطية وعمل مع المنظمات العالمية لاستعادة الشرعية في هذه البلدان. كذلك، لم يمنع العوز المادي دول القارة من السعي للتكامل الاقتصادي وتوظيف الاقتصاد في الجانب السياسي وحماية الديمقراطية بالذات. لدى الأفارقة منظمات اقتصادية وبنوك كبيرة، بينما الهيئات المنبثقة عن الجامعة العربية تغط في سبات عميق وما يزال بعضها مجرد أرقام على ورق. وإذا ما تحدث العرب عن قمة اقتصادية يكون العالم على موعد مع أكبر مهزلة في التاريخ. الجامعة إذن ماركة عربية في الفشل والاستبداد والغبن، ولا يمكن أن تكون جزءا من مشهد تثور فيه الشعوب على الظلم والضعف والتخلف. إن الإنسان العربي الذي ثار ويثور من أجل الديمقراطية لا يمكنه القبول بهيئة تمثل أكبر تجلِ للفشل والاستبداد في العصر الحديث.