لبنان يُسقط الأسد

يتبدد الوهم من حيث تكوّن. لقد صيغت أسطورة ممانعة الأسد في لبنان ومن الوارد جدا أن يتم تفكيكها هناك. فعلى مدى عقود استغل البعث السوري لبنان في الترويج لمناصرته لتطلعات الأمة وتصديه لإسرائيل من خلال تحالفه مع حزب الله. وعبر تبجيل وتمجيد الأسد في الضاحية الجنوبية ببيروت تضخمت ذاته في الشارع العربي بشكل عام. لبنان هو الذي جعل من سوريا الأسد قومية ومقاومة رغم أنها لم تحرك ساكنا لاستعادة الجولان، ولم ترد يوما على غارات إسرائيل إلا ببيانات طويلة ومملة يخلد المذيعون للنوم قبل إتمامها. ومن لبنان أيضا، قدّم نظام الأسد نفسه لاعبا رئيسا في قضايا المنطقة لا يمكن تجاوزه في رسم مستقبلها. نتذكر أن سوريا حصلت على دعم من دول عربية وغربية لا لشيء سوى قوة تواجدها في لبنان. لبنان إذن هو من لمّع نظام البعث وأكسبه الحضور في المحافل العربية والدولية. لكن اللبنانيين الآن يتأهبون ليس لتجريد الأسد من أوصاف لا يستحقها فحسب، إنما للإجهاز عليه وإسقاطه. لقد حاصرت الثورة السورية الأسد فقرر نقل المعركة للبنان للتنفيس عنه والحصول على تنازلات إقليمية ودولية تمده بأسباب البقاء. الأسد إذن قرر إشعال حرب أهلية طاحنة في لبنان تعود عليه بنتيجتين: الأولى، انشغال العالم والمنطقة عن متابعة الثورة السورية، والثانية تقديم نفسه كطرف قادر على التحكم في مجريات الأمور بشرط الدخول معه في صفقات ومفاوضات. لكن تقدير الأسد يبدو خاطئا جدا فلبنان هذه المرة يكتب الفصل الأخير من تاريخ نظام البعث. إن الظروف الراهنة تختلف بشكل جذري عن الحقبة التي كان الأسد يهيمن فيها على لبنان. ولعل تصدير المشاكل السورية إلى هذا البلد أقرب إلى الانتحار منه إلى التكتيك السياسي، وذلك لعدة أسباب: أولها أن النظام السوري لا يقف حاليا على أرض صلبة، بل على العكس من ذلك يلفظ أنفاسه الأخيرة فحتى دمشق باتت في مرمى الثوار وأجهزة الأمن والاستخبارات باتت ساحة للتفجيرات. لا يمكن لنظام يتداعى ويحاصره شعبه توفير جهد لتوظيفه في الخارج. هذا عن الجانب السياسي والأمني، كذلك يتعذر تمويل حرب أهلية في لبنان، فسوريا التي تئن تحت حصار اقتصادي خانق لا يمكنها دفع فاتورة تطاحن الميليشيات والطوائف في بيروت. وقد لا يكون مجديا التعويل على إيران لأنها تواجه عزلة في المنطقة ستتعمق كثيرا إذا ما أوقدت النار في لبنان. ويتمثل السبب الثاني في أنه لا توجد أي دولة عربية في المحور السوري الإيراني حاليا، وقد انعكس هذا جليا في رد فعل بلدان المنطقة العربية تجاه انفجار الوضع في لبنان. لقد بدت الدول العربية حاسمة تجاه رفض التدخل في لبنان، ما يعني أن الأسد لن يواجه طرفا أو طائفة معينة إنما المنطقة العربية بأسرها. وفي ظل انشغال إيران بأزمات داخلية وخارجية تكون ظروف المنطقة كفيلة بإحباط مساعي الأسد. لكن الأهم من كل هذا هو موقف الشعب اللبناني الذي انحاز للثورة السورية بعيدا عن مصالح الطوائف وأهواء الأحزاب. ومن شأن تعاطف معظم اللبنانيين مع الثورة السورية أن يحول دون تحقيق أهداف الأسد التخريبية. الأثر الوحيد الذي ستخلقه تفجيرات الأيام الماضية هو التسريع برحيل الأسد والتأكيد على أنه فقد مصداقيته وحضوره في لبنان بعد أن تكشفت سوأته ووبخه شعبه لأكثر من عام.