alsharq

منبر الحرية

عدد المقالات 129

الفردية: الأساس الطبيعي للتنمية (1/3)

25 مارس 2012 , 12:00ص

لو كان البشر جميعهم، إلا شخصا واحدا منهم، متفقين على رأي واحد، وكان هذا الشخص الوحيد مخالفا لرأيهم هذا، فإن البشرية لا تملك ما يبرر لها إسكات هذا الشخص، تماما كما أن هذا الشخص لا يملك ما يبرر له إسكات البشرية لو كان يقدر على ذلك. وسواء أكان هذا الرأي ملكية شخصية لا قيمة لها إلا في نظر مالكها، وكان منع التمتع بها لا يتسبب إلا بضرر شخصي، فلن يكون هنالك إلا القليل من الفرق بين ما إذا كان الضرر واقعا على ثلة من الناس أو على كثير منهم. لكن الشر الخاص في إسكات التعبير عن الرأي، وهو سرقة من البشرية، من الجيل القادم والحالي، يتمثل في أن من يعارضون الرأي هم أكثر عددا ممن يؤيدونه. فلو كان الرأي مصيبا، فهذا يعني تجريدهم من فرصة استبدال الخطأ بالصواب؛ وإذا كان الرأي مخطئا، فسيخسرون فائدة من أعظم الفوائد، وهي الإدراك الأوضح والانطباع الأكثر حيوية الذي ينتج عن اصطدام الصواب بالخطأ. وباختصار: من المستحسن أن تفرض الفردية نفسها في الأمور التي لا تهم الآخرين بشكل أساسي. وحينما لا تكون شخصية المرء قاعدة للسلوك، وإنما أعراف الآخرين وتقاليدهم، تبرز الحاجة إلى أهم المكونات الرئيسية للسعادة البشرية، والعنصر الأساسي في تحقيق التقدم الفردي والاجتماعي. إذا أردنا الالتزام بهذا المبدأ، فإن الصعوبة الكبرى التي نواجهها لا تكمن في تقييم الوسيلة مقابل الغاية المبتغاة، وإنما في حيادية الناس بشكل عام تجاه الغاية ذاتها. وإذا كان هنالك توجه لاعتبار التطور الحر للفردية واحدا من ضرورات الرخاء، وأنها ليست مجرد عنصر مساعد يندرج ضمن العنوان العام للحضارة والإرشاد والتعليم والثقافة، وإنما هي بذاتها جزء لا غنى عنه وشرط فيها جميعا، فعندها لن يتهدد الحرية خطر الاستخفاف، ولن يكون من الصعب جدا أن نرسم الحدود ما بينها وبين سلطة المجتمع. لكن الخطر يتمثل في أن التلقائية الفردية تكاد لا تلقى الاعتراف بها ضمن أنماط التفكير الشائعة باعتبارها تملك أية قيمة جوهرية، أو تستحق أي احترام لمكانتها فحسب. إن رضا الأغلبية عن سلوكيات الناس كما هي حاليا (لأنها هي التي جعلتهم على هذه الحال) يجعلها عاجزة عن استيعاب السبب في عدم ملاءمة هذه السلوكيات للجميع، والأهم من ذلك أن التلقائية لا تشكل أي جزء من الفكرة المثالية التي تعتقدها الأغلبية حول المصلح الأخلاقي أو الاجتماعي، بل إن الأغلبية تنظر إليها بعين العداء باعتبارها مثيرة للمشكلات وعائقا متمردا أمام القبول العام لما يعتقده المصلح الأفضل للناس بحسب تقييمه الشخصي. وليس هنالك غير قلة قليلة خارج ألمانيا ممن يستوعبون المبدأ الذي استندت إليه كتابات العالم والسياسي الألماني الشهير فيلهيلم فون همبولت في إحدى طروحاته، حيث ورد فيها: «غاية الإنسان، أو ما تنص عليه التعليمات الأبدية الثابتة للعقل، والتي لا تستند إلى الرغبات المبهمة العابرة، تتمثل في التطوير الأعلى والأكثر تناغما لقواه نحو كيان واحد كامل ومنسجم»، ولهذا فإن الهدف الذي «يجب على كل إنسان أن يوجه جهوده نحوه بلا كلل، وعلى كل من يرغب بالتأثير في الآخرين أن ينتبه إليه، هو الفردية القوية المتطورة»، وينبغي توفير مطلبين لتحقيق ذلك، وهما: «الحرية، ومجموعة من متنوعة من الظروف»، ومن اتحاد هذين المطلبين ينشأ «الحماس الفردي والتنوع المتعدد»، واللذان يتوحدان في «الأصالة». لكن القليل منا من اعتاد على تعاليم مماثلة لما جاء به فون همبولت، وقد يتفاجأ البعض بوجود هذه القيمة العالية للفردية، ولكن على المرء أن يتفكر في ذلك، فهذه المسألة على قدر كبير من الأهمية. يجب على كل واحد منا ألا يفكر بأن الأداء الممتاز يأتي عن طريق اقتصار الناس على تقليد بعضهم بعضا، وألا يُعتقد بأن الناس ينبغي عليهم أن يطبقوا في نمط حياتهم وفي أداء مهامهم أي انطباع ناتج عن تقييمهم الخاص أو شخصيتهم الفردية. من الجهة الأخرى، سيكون من العبث الادعاء بأن الناس ينبغي عليهم العيش وكأن العالم لم يكن يفقه قبلهم شيئا، وأن التجارب لم يكن لها من أثر في تفضيل نمط للمعيشة أو السلوك على نمط آخر. وما من أحد ينكر أن الناس ينبغي أن يتلقوا في صغرهم من التعليم والتدريب ما يكفي للانتفاع من النتائج الأكيدة للتجربة البشرية، ولكن امتيازات المرء وظروفه المناسبة التي تتأتى من نضوج قدراته هي التي تمكنه من تفسير هذه التجارب بطريقته الخاصة، ويبقى له أن يكتشف ذلك الجزء من التجارب المسجلة الذي يمكن تطبيقه بشكل مناسب ضمن ظروفه وشخصيته الخاصة به. إن تقاليد الآخرين وأعرافهم تشكل، إلى مدى معين، إشارة على ما تعلموه من تجاربهم، وهي إشارة افتراضية أيضا إلى المطالبة بخضوع المرء؛ ففي المقام الأول: ربما تكون تجارب الآخرين محدودة جدا، وربما لا يتمكنون من تفسيرها على الوجه الصحيح. وثانيا: ربما يكون تفسيرهم للتجارب صحيحا ولكنه لا يناسبه، فالتقاليد نشأت لظروف وشخصيات تقليدية، وربما لا تكون ظروف المرء أو شخصيته من النوع التقليدي. وثالثا: إذا كانت التقاليد جيدة وملائمة للمرء، فإن التلاؤم مع التقاليد لمجرد أنها تقاليد لا يعلّم المرء ولا ينمي فيه أيا من الخصال التي يتميز بها الكائن البشري. إن القدرات البشرية كالإدراك والمحاكمة العقلية والشعور التفضيلي والنشاط الذهني، وحتى التفضيل الأخلاقي، لا يمكن ممارستها إلا عبر (الانتقاء)، ومن يفعل أي شيء باعتباره من التقاليد، فهو لا يقوم بالانتقاء، ولا يكتسب من ذلك خبرة في معرفة الأصلح أو الرغبة فيه؛ فالقدرات العقلية والمعنوية تماثل القدرات العضلية في أنها لا تتحسن إلا بالتمرين، وتفتقر هذه القدرات إلى التمرين عند الاقتصار على فعل ما يفعله الآخرون، ناهيك عن الاعتقاد بأمر لا لشيء إلا اعتقاد الآخرين به. وإذا كان هنالك رأي لا يملك أساسا منطقيا قاطعا في عقلية المرء، فإن تبني هذا الرأي لا يقوي هذه العقلية، بل إن من المرجح أنه سيضعفها، وإذا كانت دوافع أمر ما تفتقر إلى الانسجام المطلوب مع مشاعر المرء وشخصيته (عند إغفال ميول أو حقوق الآخرين)، فإن قيامه به يؤدي إلى أثر كبير جدا على اتصاف مشاعره وشخصيته بالجمود واللامبالاة، عوضا عن النشاط والحيوية. إن من يدع بيئته، أو حصته منها، تنتقي له خطة حياته فلا حاجة له بأي قدرة أخرى سوى قدرة القرود على التقليد، أما من يختار خطته بنفسه فهو يوظف كل قدراته، فيستخدم قدرته على الملاحظة للمشاهدة والتدبر، والمحاكمة العقلية للتوقع، والنشاط لجمع المواد التي يتطلبها القرار، والتمييز لاتخاذ قرار، وعندما يتخذ القرار يستخدم الإصرار وضبط النفس للالتزام بقراره المدروس. وهذه القدرات يحتاجها المرء ويمارسها بما يتناسب تماما مع ذلك الجزء من سلوكه الذي يقرره بناء على تقييمه ومشاعره الخاصة. من الممكن أن يتوجه المرء إلى طريق السلامة ويبتعد عن الأذى دون الاستعانة بذلك، ولكن ماذا ستكون في هذه الحالة قيمته بالمقارنة مع غيره من البشر؟ فمن شديد الأهمية أن نعرف: لا ما يفعله الإنسان، وإنما ما نوع الإنسان الذي يقوم بهذا الفعل؛ فمن بين إنجازات الإنسان، حيث يوظف الإنسان حياته على نحو ملائم لتحقيق كمالها وجمالها، لا ريب في أن أكثرها أهمية هو الإنسان ذاته. لنفرض أن من الممكن استخدام الآلة (الروبوت) في بناء المنازل وزراعة المحاصيل وخوض المعارك وحل القضايا وحتى تشييد الكنائس وترديد الصلوات فيها، فسيكون من الخسارة الكبرى أن نستعيض بهذه الروبوتات عن الرجال والنساء حتى في أكثر بقاع الأرض تحضرا، والذين يتوقون إلى ما تقدمه الطبيعة حاليا وفي المستقبل. إن الطبيعة البشرية ليست آلة يمكن بناؤها وفقا لنموذج مسبق، ولا جهازا يؤدي ما صمم لأجله، ولكنها أشبه بالشجرة التي تحتاج إلى العناية والتطوير من كافة النواحي طبقا لميول القوى الداخلية التي تجعلها كائنا حيا. إن المرء الذي تكون رغباته ودوافعه خاصة به، وتعبر عن طبيعته الخاصة التي تطورت وتبدلت بتأثير ثقافته الخاصة، يقال: إن لديه شخصية. أما من كانت رغباته ودوافعه غير خاصة به، فليس لديه شخصية، كما أن المحرك البخاري ليست لديه شخصية. وعندما تكون دوافع المرء خاصة به، ويضاف إلى ذلك تمتعها بالقوة، ووقوعها تحت سلطة الإرادة القوية، فإن هذا يعني بأن شخصيته حيوية. ومن يظن أن فردية الرغبات والدوافع ينبغي عدم التشجيع على كشفها للعيان، فعليه أن يعتقد بأن المجتمع لا يحتاج إلى الطبائع القوية (أي أنه من الأفضل ألا يحتوي المجتمع على الكثير من ذوي الشخصية القوية)، وأن الطاقة الزائدة عن المعتاد ليست من الأمور المرغوبة. بالتعاون مع مشروع «منبر الحرية» www.minbaralhurriyya.org

مشروع فلسطيني جديد يواجه المشروع الصهيوني

مر على النكبة 66 عاماً، اختلطت فيها آلام اللجوء مع الكفاح والثورات وأحلام العودة. فالنكبة بصفتها عملية اقتلاع شملت مصادرة الأراضي والمنازل واحتلال المدن وتدمير مئات القرى وسط مجازر وتهجير جماعي ومنع السكان المواطنين من...

سيكولوجية الهدر عربياً

كان الهدر بجميع جوانبه المادية والزمنية والنفسية سمة من سمات حقبة الاستبداد العربي طيلة أكثر من أربعين عاما، سحق المواطن سحقا ثقيلا وكبتت أنفاسه وتحول إلى جثة متحركة بجسم لا روح فيه، في عملية تشيؤ...

سوريا إلى أين؟ بين إنكار السلطة الديكتاتورية.. وفشل المعارضة السورية (1/2)

درج النظام السوري على تأخير وتأجيل (بهدف إلغاء) استحقاقات الإصلاح السياسي، وكل ما يتصل به ويترتب عليه من متعلقات ومتطلبات اجتماعية واقتصادية ومؤسساتية إدارية، وما يترتب عليه من تنمية إنسانية حقيقية تتحقق من خلالها تجسيد...

أي مجتمع مدني في ظل الحراك العربي؟

لقد أفرز الحراك العربي نقاشات عميقة حول مجموعة من المواضيع التي كانت تستهلك بشكل سطحي وبدون غوص في حيثياتها وأبعادها. ويعد من بينها المجتمع المدني كمفهوم متجدر في الغرب، فقد عرفه «توماس هوبز» في منتصف...

روحاني والسياسات الإيرانية القادمة

بعد أحداث طهران 2009 الدامية على إثر الانتخابات الإيرانية التي اتهم فيها المحافظون بالتزوير، وصعد الإصلاحيون -بقيادة حسين موسوي وكروبي- احتجاجاتهم مطالبين بإعادة الانتخابات التي قوبلت بالرفض القاطع من المحافظين الأمر الذي أثار شكوك الإصلاحيين...

مبادرة النيروز: درس تركي جديد للعرب

قدم أحفاد كمال أتاتورك – مرة أخرى – درسا جديدا من دروسهم للعرب، فبعد أن نجحوا في إرساء دعائم دولة الحق والقانون، وبناء المؤسسات التي أهلت دولة تركيا للالتحاق بنادي الديمقراطيات ( معدل دخل الفرد...

سوريا الحرية ستنهض من جديد (3/3)

.. شعب سوريا كما قلنا حضاري منفتح على الحياة والعصر، وعرف عنه تاريخياً وحضارياً، عشقه للعمل والإنتاج والتجارة والصناعة وغيرها من الأعمال.. وحضارة هذا البلد العريقة -وعمرها أكثر من7000 سنة- ضاربة الجذور في العمق التاريخي...

سوريا الحرية ستنهض من جديد (2)

باعتقادي أن التسوية السياسية الكبرى المتوازنة المنتظرة على طريق المؤتمرات والتفاوضات المرتقبة عاجلاً أم آجلاً (مع الأمل أن يكون للسوريين أنفسهم الدور الرئيسي في بنائها والوصول إليها) التي تحفظ حياة وكرامة المواطن-الفرد السوري، وتعيد أمن...

سوريا الحرية ستنهض من جديد(1)

لاشك بأن التغيير البناء والهادف هو من سمات وخصائص الأمم الناهضة التي تريد أن تتقدم وتتطور حياتها العمرانية البشرية والمجتمعية..وفي مجتمعاتنا ودولنا العربية والإسلامية عموماً المحمّلة بحمولات فكرية ومعرفية تاريخية شديدة الحضور والتأثير في الحاضر...

موقع المثقف العربي من «الربيع»

في خضم الثورات العربية أو ما يسمى بالربيع العربي يمكن القول إن صوت المثقف العربي خافت من جوانب عدة فبعد مرور حوالي سنتين على بدء هذا الربيع يحتاج المشاهد والقارئ وبالتالي المواطن العادي إلى تحليلات...

التجربة الثورية العربية الجديدة (1/2)

يسهل نسبياً الانتقال من حكومة ديمقراطية إلى أخرى ديمقراطية بواسطة الانتخاب، كما يسهل الانتقال من حكم ديكتاتوري إلى آخر مثله من خلال الانقلاب، إلا أن الثورات الشعبية التي لا تتضمن سيطرة جناح محدد على بقية...

التحول الديمقراطي التركي رؤية من الداخل

هبت رياح التغيير على بعض الأقطار العربية منذ ما يربو عن سنتين من الآن، فصار مطلب الحرية والديمقراطية ودولة القانون يتردد على أكثر من لسان، وأضحى الالتحاق بنادي الديمقراطيات حلم الشعوب المنعتقة من نير النظم...