الصفقات نهاية الثورة السورية

يبدو أن المهل التي يمنحها المجتمع الدولي للنظام السوري كانت في حقيقتها رخصا لسحق الثورة، وفرض واقع جديد يكون الشعب في ظله بين خيارين: إما الأسد، وإما الخراب. وحده الرئيس السوري كان يفهم حقيقة الإنذارات والآجال التي تضربها الجامعة العربية ومجلس الأمن، لذلك ظل يضاعف من وحشيته عقب صدور كل قرار إدانة من المنابر الإقليمية والدولية. لقد أنهت قوات الأسد وجود المسلحين في حمص وحاصرتهم في إدلب، ما جعل كثيرين يدركون أن التعويل على الجيش الحر في حسم الموقف كان تقديرا خاطئا وخاطئا جدا. من الواضح أن سقوط الأسد ليس قريبا وربما لم يعد مطروحا بعد نجاحه في سحق المعارضة المسلحة كما سحق الثورة السلمية من قبل. يتجلى هذا في تصريح أدلى به الدكتور برهان غليون لرويترز مؤخرا قال فيه إن الأولوية للحل السياسي والدبلوماسي، ما يعني أن حماس المجلس الوطني للحل العسكري فتَر بحكم إعراض العالم عن هذا الخيار من جهة، وتمكّن النظام من فرض سيطرته على الأحياء التي سيطرت عليها المعارضة من جهة أخرى. بمكن القول إذن مع الأسف إن الثورة السورية أُجهضت ولم يعد ممكنا سوى البحث عن حلول وسط تبقي الأسد وتشرك المعارضة في القرار، وكان آلاف الشهداء سقطوا من أجل أن تتولى المعارضة حقائب وزارية! في العديد من خطاباته عول الأسد على موقع سوريا الاستراتيجي ومحوريتها في الشرق الأوسط، ويبدو أن حساباته لم تكن خاطئة فكل الأقطاب الدولية والإقليمية تريد بقاء البعث في سدة الحكم. صحيح أن الفيتو الروسي وفر درعا واقية للنظام السوري في مجلس الأمن بحكم أهمية علاقة موسكو بكل من دمشق طهران. لكن الغرب أيضاً لم يكن في سره يريد رحيل الأسد قبل العثور على خليفة يضمن أمن إسرائيل. إسرائيل هي ما يلمح له الأسد في تعويله على أهمية سوريا الاستراتيجية، لذلك كان على واشنطن التراجع عن تصعيدها ضد دمشق بفعل ضغوط تل أبيب التي لا تريد ثورة توقظ مرتفعات الجولان. ولا شك أن الاعتداءات الإسرائيلية الأخيرة على غزة محاولة من إسرائيل للتنفيس عن الأسد عبر تشتيت الجهد العربي والدولي في مجلس الأمن. عندما تكثف إسرائيل من هجماتها ضد المدنيين في غزة لن تبقى سوريا الهمّ العربي الأول في المحافل الدولية. وإذا ما سعى العرب لإدانة العدوان الإسرائيلي واستخدمت واشنطن حق الفيتو (كما هو متوقع) يكون النظام السوري كسب قضية لا تحتاج أصلا إلى دليل وهي: تناقض الغرب ونفاقه. لكن شلّ الثورة السورية في الحقيقة لا يعود لتعقيدات المصالح الإقليمية، بقدر ما هو ناتج عن عوامل داخلية، أهمها اختطاف المعارضة لمطالب التغيير وتحدثها باسم الشعب في المحافل الدولية. لو أن الثورة أعلنت القطيعة مع المعارضة لما كان للفيتو الروسي أو المصالح الإسرائيلية القدرة على مد الأسد بأسباب البقاء. سوريا -كما كتبنا أكثر من مرة- تعيد إنتاج المشهد اليمني الذي التفّت فيه المعارضة على مطالب الجماهير استجابة لمصالح محلية وإكراهات إقليمية ودولية. ولعل من أبرز العوامل التي تفت في عضد الثورة السورية هو الخدش الطائفي الذي مسها في بعض المناطق. حاليا لم يعد ممكنا الحديث عن كون الشعب السوري محصنا ضد الطائفية، فقد نجح النظام في جر البلاد إلى حرب أهلية. وإذا ما أضفنا لكل هذا تماسك النظام حتى هذه اللحظة ندرك أن العوامل الداخلية والخارجية كلها ليست في صالح الثورة، ما يعني أن المتاح هو الدخول في تسويات سياسية مع النظام.