هل لديك تسريب؟

انشغل العرب خلال الأيام الماضية بتسريبات مكتب قائد الانقلاب في مصر عبدالفتاح السيسي التي ألمحت إلى طريقة تعامل قادة الانقلاب في مصر مع دول الخليج باختلاف مواقفها من الانقلاب، كان واضحاً من التسجيلات أن الانقلاب ينظر إلى الخليج على أنه حساب بنكي مفتوح يسحبون منه متى شاؤوا، وعوضاً عن الامتنان أوضحت التسجيلات درجة من الحقد والطمع تتناسب مع هكذا انقلاب، حاولت سلطات الانقلاب التشويش على بث التسجيلات ولكن في عالم التكنولوجيا المعاصر ليس ذلك مجدياً فسرعان ما رفعت التسجيلات على شبكة الإنترنت لتصل إلى ملايين الناس عبر العالم. تبع نشر التسجيلات عدة محاولات لاحتواء الأزمة من خلال مختلف الأطراف، فالأجهزة الإعلامية المؤيدة للانقلاب داخل مصر وخارجها حاولت التشكيك بصحة التسريبات والتقليل من شأنها في آنٍ واحد، على المستوى الرسمي سعت الحكومة المصرية إلى التأكيد على عكس ما ورد في التسجيلات دون الإشارة إلى صدق ما ورد فيها، وقام الرئيس المصري باتصالات كان هدفها إثبات عدم تأثر العلاقة بين سلطة الانقلاب وداعميها خليجياً بهذه التسجيلات. كان لافتاً أن جولة الاتصالات هذه تمت في الوقت نفسه الذي كان فيه المصريون يستقبلون أخبار مأساة الاستاد الذي تصادف أن اسمه «30 يونيو» والذي راح ضحية المجزرة فيه أكثر من 40 شاباً جريمتهم الوحيدة أنهم حضروا لمشاهدة مباراة كرة قدم، كان أهم بالنسبة للرئاسة المصرية تأكيد العلاقة مع الممولين عوض الالتفات لضحايا هذا التعدي الأمني غير المبرر من قبل قوات الداخلية. ليس مكتب الرئيس المصري الأول الذي يتعرض لهذا النوع من التسريبات فعلى مر الزمن أسهمت هكذا تسريبات في زعزعة أعتى الأنظمة في العالم، الرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون قدم استقالته إثر فضيحة من هذا النوع، التسريبات بدأت بموظف في وزارة الدفاع نشر للعالم الوثائق السرية لحرب فيتنام وانتهت بإثبات تورط الرئيس في برنامج التجسس على أفراد حكومته وأعضاء من الكونجرس، وقبل أن يقوم الكونجرس بإقالته بادر هو بالاستقالة ليكون الرئيس الأميركي الوحيد الذي يترك هذا المنصب بهذه الطريقة. في السنوات الأخيرة ومع تطور شبكة المعلومات عالمياً حدثت العديد من التسريبات المشابهة لتسريب نيكسون ولكن لم يكن لها نفس الأثر، إدوارد سنودن الموظف في وكالة الأمن القومي في الولايات المتحدة سرب وثائق كشفت عن شبكة تجسس للوكالة وويكيليكس الموقع المكروه بشدة من قبل حكومات العالم أجمع نشر وثائق حساسة حول شعور الحكام في مختلف الدول تجاه بعضهم البعض، بالإضافة لفضحه التجسس المتبادل بين حكومات صديقة، كل ذلك وإن تصدر صفحات الجرائد وربما أدى إلى استقالة هنا وهناك إلا أنه لم يؤثر على مجريات الأحداث بشكل عام. ليس سراً على السياسيين أن كلاً منهم يكره الآخر وأن اللغة الوحيدة التي تسود علاقاتهم هي لغة المصلحة، المستشارة الألمانية التي أثبتت التسريبات أن هاتفها الخاص كان مراقباً من قبل وكالة الاستخبارات الأميركية وجهت تصريحات قاسية تجاه حلفائها الأميركان ولكن ذلك لم ينتج عنه حتى استدعاء للسفير، فالمستشارة كما بقية الساسة تعلم أن وكالات الاستخبارات في العالم يراقب كل منها الآخر حليفاً كان أو عدواً، والعديد من المسؤولين العرب ورد ذكرهم بأبشع الألفاظ على لسان زملائهم في تسريبات ويكيليكس، حتى أن أحدهم قال مازحاً عن مسؤول في دولة مجاورة: إن هذا المسؤول «يؤكد له صحة نظرية داروين»، كل ذلك لم يؤثر بتاتاً على علاقة الحكومات العربية ببعضها. البعض توقع أن يكون للتسريبات الأخيرة هذه وقع على السياسة العربية يغير خارطة التحالفات مع الانقلاب في مصر، واقع الأمر هو أن الحلفاء في زماننا ليسوا أصدقاء، وليسوا بالضرورة متآلفين، هي فقط مشاريع إقليمية تتقاطع فيها المصالح لفترات معينة، الشيء الوحيد الذي سيؤثر على هذه العلاقات هو انتفاء المصالح، أو ما يحدث فوق الطاولة، أما ما يقال في خلوات المكاتب فليس ذا قيمة، وتأكد أنه لم يكن مفاجئاً ما ورد لأي من الساسة الخليجيين، فمن منهم لم يكن يعرف أن النظام المصري استغلالي استعلائي، ومن منهم غاب عنه أن قادة الانقلاب ليسوا صادقين في ودهم لحكومات الخليج. ماذا عنك أنت، عندما تنفرد مع خلصائك ماذا تقول عن زملائك في العمل، عن بقية أصدقائك، عن رؤسائك ومرؤوسيك؟ أكاد أجزم أننا جميعاً نخشى من هكذا «تسريبات» لو نشرت، فنحن جميعاً إلا من رحم الله «نغتاب» الآخرين بما يكرهون حتى لو كنا نظهر لهم كل ود واحترام ومحبة، والسياسيون ليسوا استثناءً لذلك، ولكن الفارق هو أن تسريباتهم تنشر على صفحات الجرائد وتسريباتنا لا تتجاوز حناجر الأصدقاء، وبعض الأعداء.? • majedalansari@hotmail.com ? @majedalansari