


عدد المقالات 129
تناقلت بعض وسائل الإعلام المحلية العراقية خبرا محليا من إحدى قرى مدينة البصرة عن مواطن عراقي بسيط طموح يحاول أن يصنع حوامة (طائرة سمتيه- هليكوبتر) وبإمكانياته المادية والتكنولوجية البسيطة، ومن دون مساعدة من خارج أسرته ذات الدخل المحدود. لقد أثار الخبر أبناء قريته فمنهم من شجعه ومنهم من سخر منه. لقد صنع الطائرة شكلا وهيكلا مقاربا ومماثلا لما هو معروف عن هذا النوع من الطائرات، وصورت الصحافة المحلية تلك الطائرة. ولكن الطائرة لم ترتفع سوى متر أو قليل وبصورة مضطربة قلقة أثارت فزعا لدى سكان قريته خشية ارتفاعها وسقوطها عليهم؛ لأن مصممها وصانعها لا يملك الدراية الكافية لإتقان هذا المخلوق التكنولوجي المعقد. إنها ولا شك جهد ذاتي وعلى بساطتها محاولة رائعة لإنسان بسيط يمكن تطويرها، ولكن بمساعدة متخصصين وإمكانيات مادية كبيرة. فيما لو تمكن هذا الصانع من الارتفاع بطائرته القلقة فإن سقوطها وانهيارها لا شك في أنه سيكون كارثة محلية في تلك القرية البسيطة، ومن ثم سيصير التبني التكنولوجي الخاطئ كارثة على هذا المجتمع البسيط. إن سبب هذه الكارثة في حالة وقوعها لن يكون التكنولوجيا المعقدة ذاتها، بل السبب هو في عدم استيفاء شروطها المعقدة للتطبيق. إن هذا المخلوق التكنولوجي تم بإمكانيات بسيطة وذاتية أقل كثيرا مما يتطلب توفره لتبني تكنولوجيا معقدة، هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن أي بناء تكنولوجي يتطلب الخبرة والمهارة الفنية في مجالات مختلفة ومتعددة. إن الحوامة ليست منظومة واحدة، بل منظومات متعددة ميكانيكية وكهربائية وحاسوبية (كومبيوتر)، وكل هذه المنظومات مترابطة وتعمل بنسق معين وتقود جميعها إلى ما نشاهده كحوامة طائرة. كما أن تصميمها يعتمد على علوم هندسية وفيزيائية مختلفة ومعقدة. لذا فإن كارثة الانهيار ستعني الابتعاد عن كل هذه المعارف وعدم استيفاء الشروط العلمية المطلوبة. المجتمعات المعاصرة هي الأخرى منظومات معاصرة وغاية في التعقيد وأكثر تعقيدا من الحوامة. وقد تطورت منظومات المجتمع المعاصر عبر قرون وبالذات خلال القرون الخمسة الماضية. إنها ليست مجرد منظومة حاكمة كما تبدو للوهلة الأولى أو للبسطاء في التحليل الاجتماعي. ربما من يحاول بناء مجتمع معاصر قد يسلك ذات السلوك لصانع الحوامة البسيط. بعد الحرب العالمية الأولى ظهرت محاولات مختلفة لبناء مجتمعات عربية وإسلامية معاصرة وبحماس لا يقل عن حماس صانع الحوامة، ولكن للأسف فإن محاولي بناء المجتمعات المعاصرة في العالم العربي والإسلامي لا يقلون بساطة عن صانع الحوامة. وكما صنعت حوامة بذات الشكل المعروف ولكن بعيدة كل البعد عن تكنولوجيا الحوامة، فإن بناة المجتمعات العربية المعاصر يبنون بذات الأسلوب الساذج. لقد تم إنشاء العمارات واستيراد السيارات وفتح المدارس والكثير من مظاهر المجتمعات المعاصرة، ولكن لم يكن هناك بناء على أسس علمية ومدروسة لهذا البناء. بناء كهذا مصيره ذات مصير الحوامة البسيطة. وإذا ما شاء حظ هذا البناء أن يستمر لفترة ما فإنه تأكيدا لا بد أن ينهار. والسبب بسيط جدا وهو عدم القدرة على حل الإشكالات الكثيرة التي يخلقها البناء المشوه. أما الانهيار فإنه كارثة مدمرة. الانهيارات الاجتماعية تظهر كثورات، وما أكثر الثورات في مجتمعاتنا وما أكثر أنواعها، وكل ثورة تأتي لحل مشكلة ولكنها تخلق الكثير الكثير من المشاكل. ويبقى المجتمع غير قادر على خلق منظومته السلسة التي تتمكن من تعديل المسار دائما دون الحاجة للانهيارات وخسائرها. أمام سلسلة الإخفاقات والانكسارات والانهيارات المتتالية لا بد من النقد الذاتي ومراجعة الحسابات وليس التعالي الأجوف ولعن الآخرين ومؤامراتهم المزعومة. ولن تطير الحوامة بيسر وأمان ما لم تكن هناك تصاميم مبنية على أسس علمية وتوفير متطلبات التكنولوجيا اللازمة. إن سلسة الثورات لن تدفع للأمام ولن تقدم إلا حلولا وقتية. المجتمعات العربية والإسلامية بحاجة إلى نظم قابلة لمواجهة المشاكل وحلها من دون تراكم وثورات وحروب. ولكن من بإمكانه خلق هذه المنظومة السلسة التي تجنب المجتمع وأجياله من الكوارث والانهيارات؟ إنهم بالتأكيد ليس الأحزاب السياسية التي دمرت أكثر مما بنت وليس القادة الأبطال المعصومون وعوائلهم المناضلة التي تعيش معاناة المجتمع ولا الساسة المخلصين أعداء الاستعمار والصهيونية الذين لا يملكون سوى الشعارات الرنانة والاستثمار الشخصي ولا استجلاب تجارب الغرب الجاهزة والبعيدة عن واقع البيئة المحلية. إن كل هؤلاء أقرب ما يكونوا لصانع الحوامة البسيط الذي تصورها بالمهمة السهلة. إنهم بنوا بالطريقة الساذجة، لذا سقطت تجاربهم ومنها ما هو في طريقه للسقوط، ولكن للأسف الانهيار الاجتماعي المصاحب للسقوط أكثر تدميرا من سقوط حوامة بسيطة على قرية. ونعيد التساؤل من جديد من بإمكانه خلق المنظومة السلسة؟ لا أحد يتمكن من ذلك سوى المجتمع ذاته شرط أن يتم بناء أجياله على أسس علمية واعية لزمنها وبعيدة عن أمراض الماضي ومخلفاته القاسية. مثل هذه الأجيال ستتمكن من إدراك عمق المشاكل بمنطق علمي بعيدا عن أمراض الماضي والأمة. أمام هذه المجتمعات إن أرادت الحياة ضمن البيئة العالمية السريعة التطور طريق أساسي ومهم ألا وهو طريق بناء أفرادها مع البناء المادي الذي تحاوله. في يونيو الماضي (عام 2010) وبدعوة كريمة من مكتبة الإسكندرية في جمهورية مصر، زرت مصر للمشاركة في مؤتمرا خصص لمبادرات في التربية والمجتمع كمحاولة لبداية جديدة في العلاقة بين الولايات المتحدة والعالم الإسلامي وكان ذلك بمناسبة الذكرى الأولى لزيارة الرئيس الأميركي باراك أوباما للقاهرة. لقد كانت ورقتي التي شاركت بها والتي نشرت في كتاب المؤتمر بعنوان «التحديات والمبادرات باتجاه تعزيز التعاون بين الولايات المتحدة والعالم الإسلامي» (The Challenges and the Initiatives Towards the Enhancement of US-Muslims Collaborations). ركزت الورقة على إظهار عمق التحديات التي تواجه المجتمعات العربية والإسلامية التي لها جذور تاريخية عميقة تعوق عمليات البناء. وتركزت عمليات الإعاقة في الحرمان الذي يعانيه معظم أفراد المجتمعات تلك في القرى والنواحي الفقيرة التي تشكل معظم السكان. وعلى ضوء إحصائية للأمم المتحدة بخصوص الهجرة من الريف للمدينة توصلت بعدها لضرورة العمل في جذور المجتمع وليس الطبقة السطحية البسيطة والطيعة المتمثلة في القلة من سكان المدن الرئيسية والمناطق السكنية المرفهة، طرحت في المؤتمر تجارب متعددة تحاكي عمل منظمات المجتمع المدني في الغرب المتطور وعلى مستوى عددي بسيط لا يقدم شيئا يذكر للبحر الهائل من التراجع والأعداد البشرية الهائلة التي هي أحوج ما تكون لهذه المبادرات. مشكلة هذه المجتمعات أكبر وأكبر من المبادرات الفردية البسيطة أو تلك التي تقدمها المنظمات والمؤسسات الإنسانية. مشكلة السلطة العربية وأحزابها أنها لا تدرك أن البناء المعاصر يحتاج منظومات معاصرة للدولة والمجتمع، وهذه تحتاج فردا من نمط جديد. قصر النظر هذا قاد ويقود إلى الانهيارات الاجتماعية التي سوف لن تحلها الثورات المتتالية. إن بناء مجتمع معاصر لهو أعقد وأعقد بكثير من بناء أو إنشاء مصانع للحوامات. وكما أن طموح إنسان بسيط لا يمكنه أن يدفع بالحوامة حركة دون معرفة أسرارها التكنولوجية، فإن الساسة البسطاء وأحزابهم الساذجة، لا ولن يتمكنوا من بناء مجتمع عصري يعرف كيف يتعامل مع مشاكله ويطور حاله من دون ثورات وخسائر مدمرة. ينشر بالتعاون مع مشروع «منبر الحرية» www.minbaralhurriyya.org
مر على النكبة 66 عاماً، اختلطت فيها آلام اللجوء مع الكفاح والثورات وأحلام العودة. فالنكبة بصفتها عملية اقتلاع شملت مصادرة الأراضي والمنازل واحتلال المدن وتدمير مئات القرى وسط مجازر وتهجير جماعي ومنع السكان المواطنين من...
كان الهدر بجميع جوانبه المادية والزمنية والنفسية سمة من سمات حقبة الاستبداد العربي طيلة أكثر من أربعين عاما، سحق المواطن سحقا ثقيلا وكبتت أنفاسه وتحول إلى جثة متحركة بجسم لا روح فيه، في عملية تشيؤ...
درج النظام السوري على تأخير وتأجيل (بهدف إلغاء) استحقاقات الإصلاح السياسي، وكل ما يتصل به ويترتب عليه من متعلقات ومتطلبات اجتماعية واقتصادية ومؤسساتية إدارية، وما يترتب عليه من تنمية إنسانية حقيقية تتحقق من خلالها تجسيد...
لقد أفرز الحراك العربي نقاشات عميقة حول مجموعة من المواضيع التي كانت تستهلك بشكل سطحي وبدون غوص في حيثياتها وأبعادها. ويعد من بينها المجتمع المدني كمفهوم متجدر في الغرب، فقد عرفه «توماس هوبز» في منتصف...
بعد أحداث طهران 2009 الدامية على إثر الانتخابات الإيرانية التي اتهم فيها المحافظون بالتزوير، وصعد الإصلاحيون -بقيادة حسين موسوي وكروبي- احتجاجاتهم مطالبين بإعادة الانتخابات التي قوبلت بالرفض القاطع من المحافظين الأمر الذي أثار شكوك الإصلاحيين...
قدم أحفاد كمال أتاتورك – مرة أخرى – درسا جديدا من دروسهم للعرب، فبعد أن نجحوا في إرساء دعائم دولة الحق والقانون، وبناء المؤسسات التي أهلت دولة تركيا للالتحاق بنادي الديمقراطيات ( معدل دخل الفرد...
.. شعب سوريا كما قلنا حضاري منفتح على الحياة والعصر، وعرف عنه تاريخياً وحضارياً، عشقه للعمل والإنتاج والتجارة والصناعة وغيرها من الأعمال.. وحضارة هذا البلد العريقة -وعمرها أكثر من7000 سنة- ضاربة الجذور في العمق التاريخي...
باعتقادي أن التسوية السياسية الكبرى المتوازنة المنتظرة على طريق المؤتمرات والتفاوضات المرتقبة عاجلاً أم آجلاً (مع الأمل أن يكون للسوريين أنفسهم الدور الرئيسي في بنائها والوصول إليها) التي تحفظ حياة وكرامة المواطن-الفرد السوري، وتعيد أمن...
لاشك بأن التغيير البناء والهادف هو من سمات وخصائص الأمم الناهضة التي تريد أن تتقدم وتتطور حياتها العمرانية البشرية والمجتمعية..وفي مجتمعاتنا ودولنا العربية والإسلامية عموماً المحمّلة بحمولات فكرية ومعرفية تاريخية شديدة الحضور والتأثير في الحاضر...
في خضم الثورات العربية أو ما يسمى بالربيع العربي يمكن القول إن صوت المثقف العربي خافت من جوانب عدة فبعد مرور حوالي سنتين على بدء هذا الربيع يحتاج المشاهد والقارئ وبالتالي المواطن العادي إلى تحليلات...
يسهل نسبياً الانتقال من حكومة ديمقراطية إلى أخرى ديمقراطية بواسطة الانتخاب، كما يسهل الانتقال من حكم ديكتاتوري إلى آخر مثله من خلال الانقلاب، إلا أن الثورات الشعبية التي لا تتضمن سيطرة جناح محدد على بقية...
هبت رياح التغيير على بعض الأقطار العربية منذ ما يربو عن سنتين من الآن، فصار مطلب الحرية والديمقراطية ودولة القانون يتردد على أكثر من لسان، وأضحى الالتحاق بنادي الديمقراطيات حلم الشعوب المنعتقة من نير النظم...