


عدد المقالات 129
لا يوجد بلد عربي إلا ويعاني من هجرة كثير من عقوله وكفاءاته العلمية للخارج.. إما للدراسة والتحصيل العلمي العالي، أو للعمل في مختلف حقول البحث العلمي المتعدد والمتنوع من الطب والهندسة والفيزياء وعلوم الذرة وغيرها. وتقول الإحصاءات إن أكثر من ثلث الكفاءات العلميّة انتقل من إفريقيا إلى أوروبا في عقد الثمانينيات من القرن الماضي، وأن كندا والولايات المتحدة هما من أكثر الدول انفتاحاً وقبولاً واستيعاباً لتلك العقول والكفاءات العربية المهاجرة، وقد قبلتا خلال الفترة الواقعة ما بين عامي 1960 و1990 أكثر من مليون مهاجر مهني وفني من مختلف الدول النامية، ومنها دولنا وبلداننا العربية التي تعج ولا شك بآلاف مؤلفة من المبدعين والمخترعين والمكتشفين والعقول النيرة. وإذا ما حاولنا إعطاء إحصاءات أكثر دقة عن موضوع هجرة العقول العربية للخارج، فإننا سنجد صعوبة بالغة ولا شك بسبب عدم قيام أية دولة عربية بواجبها على هذا الصعيد، ولكن بالعودة إلى ما سجله أنطوان زحلان (وهو بالمناسبة من أهم وأبرز المتابعين والموثقين لموضوع هجرة الكفاءات العربية منذ الستينيات من القرن الماضي) يمكن القول إن أكثر من حوالي 70 ألفاً من أصل 300 ألف من حملة البكالوريوس والماجستير من العرب في العام 1995/1996 قد هاجروا، وأنّ عدد المهاجرين من الأطباء العرب عام 2000 فقط بلغ نحو 16 ألفاً. ووفق زحلان، يبلغ عدد حملة الدكتوراه العرب في الخارج 150 ألفاً، أي ما يعادل ربع حملة الدكتوراه في الولايات المتحدة وثلاثة أرباع حملة الدكتوراه من العرب. أما أصحاب المهن الطبيّة الذين هاجروا إلى أوروبا فقد فاقوا الـ15 ألفاً بين 1999 و2001. وإذا أخذنا في الاعتبار عدد الطلاّب العرب الذين يدرسون في الخارج والذين لا يعودون إلى أوطانهم في الغالب، لأمكننا تقدير الحجم الكبير لهجرة الكفاءات العربيّة، ففي 1996 كان 179 ألف طالب عربي يتابعون دراستهم العليا في الخارج. وعلى صعيد ترتيب الأقطار العربيّة، يمكن اعتبار مصر وبعدها لبنان وفلسطين والأردن الأكثر تصديراً للكفاءات العلميّة، ووفق بعض المعلومات المتداولة، فإن أكثر من مليون وربع مليون عالم عربي موجودون في الخارج، بينهم 800 ألف مصري. ووصلت تحويلات الكفاءات العلميّة العربيّة العاملة في الخارج إلى حوالي 25.2 مليار دولار عام 2006م، وهي تحويلات زهيدة قياساً إلى الخسائر التي يتكبّدها العالم العربي نتيجة هجرة هذه الكفاءات، والتي تقدَّر في بعض الإحصاءات بـ200 مليار دولار سنوياً، وفي بعض التقديرات قد تعادل قيمة الطاقة الذهنيّة العربيّة التي تحصل عليها الولايات المتحدة وأوروبا من دون مقابل قيمة النفط والغاز العربيّين. وتشير تقارير أصدرتها كل من الجامعة العربية ومؤسسة العمل العربية والأمم المتحدة (عبر تقارير التنمية الإنسانية العربية)، إلى وقائع وأرقام حول هجرة العقول العربية إلى الخارج. وتشدد هذه التقارير على كون المجتمعات العربية باتت بيئة طاردة للكفاءات العلمية. وتشكل هجرة الكفاءات العربية ما نسبته %31 مما يصيب الدول النامية، كما أن هناك أكثر من مليون خبير واختصاصي عربي من حملة الشهادات العليا أو من الفنيين المهرة هاجروا للخارج وهم يعملون في الدول المتقدمة، بحيث تضم أميركا وأوروبا أكثر من 450 ألف عربي من حملة الشهادات العليا وفق تقرير مؤسسة العمل العربية. كما تؤكد هذه التقارير أن ما نسبته %5.4 فقط من الطلاب العرب الذين يدرسون في الخارج يعودون إلى بلادهم، فيما يستقر الآخرون في الخارج. ومن الأرقام ذات الدلالة أيضاً أن %34 من الأطباء الأكفاء في بريطانيا ينتمون إلى الجاليات العربية (حالة الدكتور والعالم المصري مجدي يعقوب، خبير وجراح القلب الأشهر في العالم)، وأن مصر وحدها قدمت في السنوات الأخيرة حوالي %60 من العلماء العرب والمهندسين إلى الولايات المتحدة، فيما كانت مساهمة كل من العراق ولبنان %15.. كما شهد العراق ما بين 1991-1998 هجرة 7350 عالماً تركوا بلادهم بسبب الأحوال السياسية والأمنية الضاغطة ونتيجة الحصار الدولي الذي كان مفروضاً على العراق آنذاك. هذا وتشير هذه التقارير إلى عمل قسم واسع من العقول العربية في اختصاصات حساسة في بلاد الغرب: مثل الجراحات الدقيقة، الطب النووي، الهندسة الإلكترونية والميكروإلكترونية، والهندسة النووية. من هنا يمكن القول وبكل تأكيد وحسم أن تسرب واستنزاف العقول المبدعة في الدول المتخلفة من الناحية السياسية والاقتصادية هي أكبر تحد تواجهه تلك الدول التي لم تضع قدمها بعد على طريق التطور العلمي على صورته الصحيحة التي تبدأ منذ مراحل الدراسة الأولى عندما يدخل التلميذ إلى مقاعد دراسته الابتدائية ليجد المدرسة والسكن المدرسي الصحي الملائم، والمنهاج المناسب والمعلم الخبير، مروراً بالدراسة المتوسطة والثانوية، وصولاً إلى مراحل الدراسة الجامعية. ولا شك أن ضغوطات الواقع الداخلي الذي تعيشه تلك الفئات العلمية النيرة المتمثلة في أزمات مجتمعاتها السياسية والاجتماعية والاقتصادية المستمرة، إضافة إلى عدم توافر قاعدة علمية بحثية صحيحة في بلدانها مع وجود مغريات مادية خارجية، كله يشكل دافعاً ومحرضاً قوياً لديها للهجرة والعمل خارج أوطانها، حيث يمكن أن تهيئ لها الأجواء والمناخات المادية والشروط العلمية الملائمة لنمو وتصاعد وتفتق إبداعاتها الذاتية التي عجزت ظروف بلادها –من تخلف وتبعية وانقسامات اجتماعية أفقية وعمودية واستبداد وقهر سياسي وانغلاق فكري- عن تأمين متطلبات وشروط نجاحها وتألقها وإبداعها. ويمكن أن نضرب هنا مثلاً واضحاً على أهمية وحيوية ما يمكن أن تفعله الظروف المحيطة بالإنسان في توسيع مداركه وتفتح عبقرياته وانبثاق إبداعاته، وهو العالم المصري أحمد زويل الذي حاز جائزة نوبل في الكيمياء الحيوية منذ عدة سنوات.. فقد عاش هذا العالم الكبير معظم حياته المهنية العلمية في جامعات الولايات المتحدة منذ عقد الستينيات من القرن الماضي عندما كان لا يزال طالباً في مراحله الجامعية الأولى.. والمناخ السائد هناك هو مناخ البحث العلمي الحقيقي الذي يترك فيه الطالب مع أستاذه المشرف عليه ليبحث ويتعلم ويجرب ويتقصى ويحلل ويستنتج مع وجود ميزانية مادية كبيرة متاحة أمامه للوصول إلى ما يمكن الوصول إليه من رؤى وأفكار ونظريات وحقائق علمية.. ولو أن هذا العالم بقي هنا في بلده مصر لما تمكن من الوصول إلى ما توصل إليه من مكتشفات واختراعات تركزت بمجملها على مستوى علم النانو أو البايوتكنولوجي. ينشر بالتعاون مع مشروع «منبر الحرية» www.minbaralhurriyya.org ?
مر على النكبة 66 عاماً، اختلطت فيها آلام اللجوء مع الكفاح والثورات وأحلام العودة. فالنكبة بصفتها عملية اقتلاع شملت مصادرة الأراضي والمنازل واحتلال المدن وتدمير مئات القرى وسط مجازر وتهجير جماعي ومنع السكان المواطنين من...
كان الهدر بجميع جوانبه المادية والزمنية والنفسية سمة من سمات حقبة الاستبداد العربي طيلة أكثر من أربعين عاما، سحق المواطن سحقا ثقيلا وكبتت أنفاسه وتحول إلى جثة متحركة بجسم لا روح فيه، في عملية تشيؤ...
درج النظام السوري على تأخير وتأجيل (بهدف إلغاء) استحقاقات الإصلاح السياسي، وكل ما يتصل به ويترتب عليه من متعلقات ومتطلبات اجتماعية واقتصادية ومؤسساتية إدارية، وما يترتب عليه من تنمية إنسانية حقيقية تتحقق من خلالها تجسيد...
لقد أفرز الحراك العربي نقاشات عميقة حول مجموعة من المواضيع التي كانت تستهلك بشكل سطحي وبدون غوص في حيثياتها وأبعادها. ويعد من بينها المجتمع المدني كمفهوم متجدر في الغرب، فقد عرفه «توماس هوبز» في منتصف...
بعد أحداث طهران 2009 الدامية على إثر الانتخابات الإيرانية التي اتهم فيها المحافظون بالتزوير، وصعد الإصلاحيون -بقيادة حسين موسوي وكروبي- احتجاجاتهم مطالبين بإعادة الانتخابات التي قوبلت بالرفض القاطع من المحافظين الأمر الذي أثار شكوك الإصلاحيين...
قدم أحفاد كمال أتاتورك – مرة أخرى – درسا جديدا من دروسهم للعرب، فبعد أن نجحوا في إرساء دعائم دولة الحق والقانون، وبناء المؤسسات التي أهلت دولة تركيا للالتحاق بنادي الديمقراطيات ( معدل دخل الفرد...
.. شعب سوريا كما قلنا حضاري منفتح على الحياة والعصر، وعرف عنه تاريخياً وحضارياً، عشقه للعمل والإنتاج والتجارة والصناعة وغيرها من الأعمال.. وحضارة هذا البلد العريقة -وعمرها أكثر من7000 سنة- ضاربة الجذور في العمق التاريخي...
باعتقادي أن التسوية السياسية الكبرى المتوازنة المنتظرة على طريق المؤتمرات والتفاوضات المرتقبة عاجلاً أم آجلاً (مع الأمل أن يكون للسوريين أنفسهم الدور الرئيسي في بنائها والوصول إليها) التي تحفظ حياة وكرامة المواطن-الفرد السوري، وتعيد أمن...
لاشك بأن التغيير البناء والهادف هو من سمات وخصائص الأمم الناهضة التي تريد أن تتقدم وتتطور حياتها العمرانية البشرية والمجتمعية..وفي مجتمعاتنا ودولنا العربية والإسلامية عموماً المحمّلة بحمولات فكرية ومعرفية تاريخية شديدة الحضور والتأثير في الحاضر...
في خضم الثورات العربية أو ما يسمى بالربيع العربي يمكن القول إن صوت المثقف العربي خافت من جوانب عدة فبعد مرور حوالي سنتين على بدء هذا الربيع يحتاج المشاهد والقارئ وبالتالي المواطن العادي إلى تحليلات...
يسهل نسبياً الانتقال من حكومة ديمقراطية إلى أخرى ديمقراطية بواسطة الانتخاب، كما يسهل الانتقال من حكم ديكتاتوري إلى آخر مثله من خلال الانقلاب، إلا أن الثورات الشعبية التي لا تتضمن سيطرة جناح محدد على بقية...
هبت رياح التغيير على بعض الأقطار العربية منذ ما يربو عن سنتين من الآن، فصار مطلب الحرية والديمقراطية ودولة القانون يتردد على أكثر من لسان، وأضحى الالتحاق بنادي الديمقراطيات حلم الشعوب المنعتقة من نير النظم...