


عدد المقالات 269
حدثني أحد الأصدقاء عن زيارة شخصية إعلامية بارزة لهم في أحد المجالس التي يغلب على روادها التدين، كان زائرهم «الليبرالي» ضيف الجلسة فتحدث مطولاً برسمية عالية ولم يقل كلمة إلا وكأنها عرضت على مقص الرقيب، حتى تحدث بعض الحضور مازحاً بما لم يتوقعه هذا الضيف في مثل هذا المجلس، فما كان منه إلا أن فتح زر ياقته وقال «لم تخبروني أنكم هكذا!» وفجأة تبسط في الكلام وأخذ يمزح مع هذا وذاك ويلقي النكات المحرجة وتغيرت لهجته تماماً، لماذا؟ لأنه كان يتمثل شخصية مختلفة مبنية على فهمه لطبيعة المكان. كلنا نفعل ذلك بشكل أو آخر، فأنت مع أصدقائك مختلف عنك مع أهلك، وصورة ثالثة تطرحها مع الغريبين عنك وكلما اختلفت نوعية من تجلس معهم كلما تغيرت ولو قليلاً، لذلك عندما ينتقد بعضهم هذه الشخصية أو تلك على أنها تظهر أمامنا غير ما تظهره أمام غيرنا تعلوني ابتسامة، فمن منا لم يتصنع شخصية مختلفة لصالح وضع اجتماعي معين؟ بل من منا لم يبدِ وجهة نظر غير تلك التي يؤمن بها لمجرد إرادته الانسجام مع من يجالسهم؟ كثيرون قالوا لي إننا في المرة الأولى التي قابلناك فيها لم نكن أبداً لنتوقع شخصيتك التي عرفناها عنك بعد ذلك، وهذا صحيح لأن اللقاء الأول كان رسمياً وأنا بعيد عن هذه الرسمية في دوائري الخاصة. لا شك أن هناك ندرة من الناس من أولئك الذين لا يتغيرون إطلاقاً، هو هو أمام أهله وبين أصحابه ومع زملائه في العمل، ولكنك لو فكرت قليلاً لوجدت أنك تستطيع أن تحصيهم بين معارفك لقلتهم، فالحالة الطبيعية هي ذلك التصنع والتمثيل، أذكر أن أحد المسؤولين جلس لاستقبال الناس في العيد، فدخل رجل يشتم مؤسسة معينة باعتبارها ارتكبت مخالفات جسيمة وينتقد المسؤولين عنها، والكاتب يؤيده بل يقول له «ما أنت فاعل، الناس تتغير»، ولم يكن هذا المتحدث يعرف أن كل التغييرات التي يتحدث عنها هي مقترحات من هذا المسؤول، بل إنه كان بشكل غير مباشر مسؤولاً عن هذه المؤسسة، سأل أحد الحضور عن سبب هذا التماهي مع كلام الزائر الثقيل فأجابه المسؤول «ماذا أقول له، لن يقتنع، فلا طائل من النقاش معه» وهكذا نحن جميعاً نغير من شخصياتنا أحياناً لمجرد أننا نريد أن نتقي شر الطرف الآخر أو أن نحوز على رضاه. ولكن لا ينبغي اعتبار هذه الظاهرة سلبية على الإطلاق فهي بشكل معين نوع من الاحترام للآخر وضرب من ضروب المجاملة الاجتماعية، وربما تكون أحياناً فطنة وسياسة في احتواء من تتحدث معه وكسب من تجالسه، ولكن تتحول هذه التصرفات إلى ظاهرة سلبية عندما يتحول التصنع إلى مرض يسعى من خلاله الشخص إلى الحصول على الرضا بداع ودونه، فتجده يكذب حول إنجازاته ومكانته ليرتقي بين الآخرين ويشنع في انتقاد هذا وذاك مخترعاً بطولات أمامهم فقط لأنه يسعى لإرضاء من يتحدث معه أو ليصل إلى مبتغى مادي أو معنوي، هنا تتحول هذه الظاهرة الاعتيادية إلى مرض خبيث يجعل التعامل مع هذا الشخص خطيراً. أذكر أنني خلال عملي في مؤسسة ما حصل خلاف بيني وبين الإدارة وكان أحد الموظفين لدي تجمعه علاقة شخصية بأحد كبار المسؤولين في المؤسسة وكان يدخل علي يومياً ليحيطني علماً بدفاعه المستميت عني لدى صديقه وكيف أنه يحيك الخطط ليصحح نظرته عني وكيف أنه يقطر ولاءً لي في كل كلمة يقولها أمام هذا المسؤول، بعد سنوات اكتشفت أن هذا الموظف كان يقدم نفس العرض المسرحي أمام صديقه المسؤول، فكان يوافقه في كل ما يقوله عني ويقنعه بأنه يحاول إصلاح ما أفسده أنا وكانت تصرفاته هذه –التي لم أكن أعلم عنها شيئاً حينها- من الأسباب الرئيسية لتفاقم الخلاف الذي أدى لتركي العمل بتلك المؤسسة، مثل هذا التصنع هو مُرضٍ بامتياز وإن وجدته فيمن حولك فاعلم أنك في المكان الخطأ. هناك نوع ثالث من هذا «التنوع» في الشخصيات ليس راجعاً لاعتبارات المنفعة والمجاملة بل هو ناجم عن اختلاف البيئة من حولك، الصديق محمد منيف الكعبي صاحب التفسيرات العميقة نبهني إلى أمر، وهو أنني عندما أكون في بريطانيا –التي أنهي رسالة الدكتوراه فيها- تختلف شخصيتي قليلاً، فأصبح حسب تقديره أكثر انطوائية مثلاً وتتغير حتى طبيعة مقالاتي، حقيقةً عندما ذكر لي ذلك راجعت نفسي فوجدت اختلافاً جوهرياً بين شخصيتي في الدوحة وشخصيتي في بريطانيا، شخصيتي في بريطانيا أكثر تأملاً وعزلة، فرغم وجود الأصدقاء فإنني أكون أقل اندفاعاً للتواصل الاجتماعي وأمضي كثيراً من الأوقات وحدي بل وأستمتع بذلك، عندما أكون في الدوحة تشعرني الوحدة بالكآبة، ما يجعلني حريصاً على التواصل الاجتماعي، اختلاف آخر هو أنني في مقر البعثة أصبح أكثر هدوءا فمن يعرفني يعرف سرعة انفعالي ولكن الأمر مختلف في شخصيتي البريطانية فهي بطيئة الاشتعال. الإنسان ليس صخرة غير قابلة للتشكيل، الإنسان متحول ومتغير حسب الظروف وحسب المحيط وحسب من هم حوله، لذلك يجب أن لا نسيء الظن في من نجده قد تغير، فكلنا نتغير وبشكل دائم، علينا أن نتقبل من الآخرين هذا الذي نقع فيه يومياً ولو لم نلحظه، أقرأ أحياناً انتقاداً لهذا أو ذلك باعتباره صاحب وجهين أو متلون، ربما يكون ذلك لدى البعض خبثاً وسوء نية ولكن قبل أن تحكم على الشخص في مثل هذه المسائل اسأل نفسك كم شخصية لك مع من حولك، بعد أن تتعرف على شخصياتك، مارس حكمك على المتلونين من حولك.? • majedalansari@hotmail.com ? @majedalansari
منذ عام 2006 بدأت في مجال التحليل السياسي، من خلال صفحات الجرائد المحلية المختلفة، ومنذ ذلك الحين التزمت بمقال أسبوعي يركز غالباً على التعليق على الأحداث الراهنة، أو مناقشة موضوع سياسي عام، مرت هذه التجربة...
بنجاح أكبر من الذي توقعته استطلاعات الرأي، عبر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الاستحقاق الانتخابي الرئاسي، ليقطع الطريق على من أراد أن يشكك في استمرار شعبيته في بلاده. وعلى الرغم من الظروف الاقتصادية الصعبة والتلاعب...
مذ عرّفني أحد الأصدقاء على قصيدة تميم البرغوثي عن القدس، دأبت على الاستماع إليها بين الفينة والأخرى، لا شك لجمالها أولاً، ولكن كذلك لأنها تنقلني إلى حالة شعورية مختلفة حول المدينة القديمة، أشعر وكأنني أمشي...
في الإنجليزية، إذا أردت أن تصف أشخاصاً يتقاتلون بطريقة صبيانية، فبإمكانك استخدام مصطلح «أطفال بألعاب»، في إشارة إلى أن أولئك الذين تتحدث عنهم يتصرفون كأطفال يتنازعون ألعاباً لا كأشخاص ناضجين.. العالم اليوم يكثر فيه من...
ستة أشهر كانت كفيلة ببث روح جديدة في الجسد القطري بعثها التحدي الأكبر الذي واجه البلاد في تاريخها، في هذه الأشهر الستة انطلقت قطر نحو المستقبل بخطى ثابتة والتحم الشعبي مع الرسمي لرسم لوحة مشرقة...
آلة السياسة في واشنطن شديدة التعقيد، من حيث التركيب والأنظمة، فنظام التوازن والرقابة الذي يعطي كل سلطة صلاحية رقابية على الأخرى، ويجعل الصلاحيات متوازنة بينها، أورث نظاماً معقداً، ولكنه يعمل بكفاءة عالية، هذا النظام تعرّض...
أثارت كوريا الشمالية الرعب في محيطها الإقليمي والعالم أجمع بتصعيد تجاربها النووية والصاروخية، وحسب الخبراء العسكريين يمكن أن تصبح قريباً «الدولة المارقة»، كما يسميها ترمب، قادرة على تركيب رأس نووي على صاروخ متجه إلى الساحل...
الأنشطة الثقافية للمؤسسات الخيرية هنا في قطر كانت وما زالت أكثر قدرة على جذب الجماهير من مثيلاتها الرسمية، ويعود ذلك لمجموعة من الأسباب، أهمها الطبيعة التطوعية لهذه الأنشطة، وما يحققه ذلك من إبداع ومرونة وحماس،...
حطت طائرة الرئيس الأميركي على أرض فلسطين ليكون أول مؤتمر صحافي له بجوار طائرته مناسبة جديدة يذكر فيها بالتزامه التام بأمن الكيان الصهيوني، بعد أن أمضى الأيام الماضية في التأكيد على رؤيته حيال «الإرهاب الإسلامي»...
الثورة الاقتصادية الصينية التي دفعت بالصين من دولة مقسمة محتلة إلى أحد أقوى اقتصادات العالم استفادت بشكل كبير من المبدأ الذي وضعه باني نهضة الصين الاقتصادية الحديثة شياوبنج وهو رئيس الصين الثاني بعد ماو تسي...
احتفل قطاع كبير من الفرنسيين، ومعهم المعتدلون في أوروبا، والعالم الغربي بخسارة لوبين، وفوز ماكرون خلال الأيام الماضية، متجاوزين تهديداً آخر من اليمين المتطرف الأوروبي، وبذلك تتبدد أحلام اليمين المتطرف في القارة العجوز في أن...
خلال الشهور القليلة الماضية تغيرت الأوضاع في قطبين من أهم الأقطاب السياسية في المنطقة بشكل كامل، خلال الأعوام الماضية بدا أن النظام الإيراني يحكم قبضته على محيطه الداخلي والخارجي، وفي مقابل ذلك بدا أن الإدارة...