مؤسس أول إذاعة محلية وجالب الخاتم للمؤسس

الدرويش لـ لوسيل : 10 روبيات تقاضيتها في أول عمل في حياتي

لوسيل

حوار - مصطفى شاهين

  • زيارة مجالس الجيران ومتابعة سوق مزاد واقف أبرز هواياتي
  • أستمتع بإجازاتي بشاطئ البحر بالشمال وأكثر رحلاتي لبريطانيا ولبنان ومصر وقبرص
  • جلبت الخاتم الشخصي للمؤسس لمتحف قطر الوطني
  • اقترضت 1400 روبية من والدتي لشراء جهازيّ لاسلكي أسست بهما أول إذاعة محلية في الدوحة

امتدت حياته أكثر من ثمانية عقود، هي الجسر الزمني الذي يربط الآباء بالأبناء عبر حكايات من الماضي القديم التي تحمل عبق وأصالة التاريخ حالياً ومستقبلاً.
يعرف نفسه بأنه مواطن قطري يعشق وطنه وتراث آبائه، ينشرح صدره لرؤية المستقبل بعيون الأحفاد.
لم يندم على تجربته ومسار حياته ولا يتمنى أي تغيير، لاسيما وأن له تجارب المشاركة قديماً في عضوية غرفة قطر وعضوية مجلس الشورى وعضوية المجلس الأعلى للتخطيط وتأسيس أول جريدة باللغة الإنجليزية، كما أسس أول إذاعة محلية صغيرة في قطر، وكان رئيسا للجنة الوطنية لمتحف قطر الوطني، حصل على خاتم المؤسس الشيخ جاسم بن محمد للمتحف.
أسس والده، رحمه الله، أول مدرسة ابتدائية في قطر وعاش حياة حافلة بالعطاء، حصل على إثرها مؤخراً على جائزة أعلام من قطر للدورة الخامسة عام 2010 بإشراف نادي برزان.
إنه رجل الأعمال يوسف بن جاسم الدرويش فخرو، التقينا به ليبوح عن ذكرياته أيام زمان أول، بعيدا عن عالم التجارة والمال، فكان لـ لوسيل هذا الحوار.

- الكل يعرف يوسف بن جاسم الدرويش رجل الأعمال، ولكن من يعرف عن يوسف الدرويش الشخص والإنسان، كيف تعرف نفسك بعيداً عن عملك؟
 أعرف نفسي بأنني مواطن قطري وعليه واجبات متعددة.


- حدثنا عن المرحلة التعليمية في حياتك، وأبرز ما يرسخ في ذهنك من تلك المرحلة وكيف ساهم والدك في ذلك؟

 كنا نذهب ونحن أطفال لدراسة القرآن والخط العربي والإملاء، كانت تدرس لنا القرآن الكريم في منطقة اليسرة السيدة الفاضلة، رحمها الله، آمنة محمود، وكان هناك احتفال تشجيعي يقام لمن يختم القرآن من الطلاب يطوف المنطقة التي يسكن فيها وتستقبله العائلات والجيران مهنئين ومباركين.
بعد ذلك أسس والدي مدرسة بنفس المنطقة أي في اليسرة وكانت أول مدرسة ابتدائية وعُينّ لإدارتها الأستاذ الفاضل محمد بن على المحمود وهو من رجالات الشارقة الأفاضل رحمه الله وانضم لها عدد من الطلاب وأصبحوا في يومنا هذا من كبار المسؤولين والمثقفين.

وبعد أن أنهينا المرحلة الابتدائية التحقنا بمدرسة إعدادية بمملكة البحرين وبعد عودتنا لقطر كان هناك تخوف في ذلك الوقت على الأبناء من إرسالهم للخارج للدراسة، وبعد ظهور البترول وتوسع أعمال الآباء، وقد كانوا أيضاً في أمس الحاجة لأبنائهم لنساعدهم في أعمالهم.

- يقال إن الحياة مدرسة.. فماذا تعلمت من نشأتك وحياتك؟


 رغم أننا حرمنا من الالتحاق بالجامعات في الخارج، لكن الله عوضنا بأكبر جامعة عوضتنا ودرسنا فيما تسمى جامعة الحياة حيث تعلمنا من الوالدين والآباء الكثير وانخرطنا في العمل الجاد والتجارة واحتككنا بالشركات العالمية التي يتعامل معها الآباء بما في ذلك أثناء السفر والأخذ والعطاء مع مختلف المجتمعات والثقافات، كل هذا عوضنا عن الجامعة وأكسبنا الكثير من الخبرات الواسعة، بما في ذلك توفر المجالس القطرية والتي تسمى مدارس أي أن المثل وكما يقال إن المجالس تعتبر مدارس وحتى يومنا هذا.


- هل توجه أبناءك أم تتدخل في اختياراتهم؟

 أعامل أبنائي كما عاملني الآباء، لم أضغط على أبنائي وواصلوا تعليمهم كما شاءوا وهم مهتمون الآن بالعمل وكما ساعدنا نحن آباءنا يساعدنا أبناؤنا، قسَّمنا العمل بينهم وكل فرد منهم مسؤول عن واجبات وأعمال معينة، يتعلمون منا لكي يتولوا هم إدارة الأعمال مستقبلاً في ظل ما اكتسبوه من الخبرة والتجارب.

- تتغير حياة الإنسان بتغير العمر.. ما هي أبرز ملامح حياتك في فترة الشباب، وما أبرز ما تتذكره من منعطفات راسخة بذهنك؟
 من أبرز ما أذكره بالإضافة إلى العمل مع الآباء المشاركة للقيام بتأسيس غرفة تجارة قطر وكان الوطن وقتها بلا مجلس شورى أو هذا العدد من الوزارات والمؤسسات وكانت الغرفة هي الجهة التي تفيد المجتمع، لذلك أفتخر كوني أحد الأعضاء بعطائي ولا زلت. إنني فخور به وعندما يوجهون أي دعوة حتى يومنا هذا ولأي اجتماع محلياً أو في الخارج لا أتخلف عنه لأنني أعتبر ذلك واجبا على كل مواطن.

- يقال إنك جلبت لمتحف قطر الوطني خاتم مؤسس الدولة.. كيف حدث ذلك؟
 عندما كلفت برئاسة أول لجنة وطنية لمتحف قطر الوطني فور تأسيسه، وعرفت أن خاتم المؤسس الشيخ جاسم بن محمد آل ثاني - وهو عبارة عن خاتم يلبسه في الإصبع ويستخدم عادة كختم رسمي للرسائل والوثائق وعرفت أن الخاتم المذكور كان لأحد أفراد الأسرة الحاكمة وهو الرجل المعطاء والجليل الشيخ جاسم بن محمد بن جاسم آل ثاني رحمه الله، ووفق أبناءه الأعزاء لكل خير، ذهبت لزيارته في أم صلال محمد، وقلت له: سمعت أن خاتم الشيخ جاسم المؤسس عندك ونريد الحصول عليه ليكون من أهم مقتنيات المتحف وليكون المتحف بالمستوى المطلوب.
قال لي إن الخاتم في الصندوق الذي أمامي (البشتختة)، لكني لم أرَ الخاتم منذ 10 سنوات، وبعد البحث لم يجده، ثم قلب الصندوق وأفرغ كل ما فيه وإذا بكيس قديم أخرج منه الخاتم، لكنه قال: لن تأخذ الخاتم، فقط انظر إليه، أمسكت الخاتم وذهلت وتعجبت..، هذا خاتم المؤسس؟!!، وأخذت أتفـاوض مع الشيخ جاسم بن محمد لآخذه للمتحف وأخـيراً اقـتنع رحمه الله بالفكرة وأهمية توفر المقتنيات القطرية ووافق على إعطائه لسمو الأمير الأسبق الشيخ خليفة بن حمد لوضعه في المتحف.

ثم توجهت لمقابلة سمو الشيخ خليفة في ذلك الوقت وأعطيته الخاتم واستبشر خيراً بذلك، هذا خاتم الشيخ جاسم؟!!، وبعدها تقرر وضع الخاتم في المتحف، ومنذ وقتها أصبح الخاتم من أهم مقتنيات متحف قطر ولا يزال.

- لا شك أن عملك وأعمالك تأخذ الكثير من وقتك، ما حصة البيت والأسرة من وقتك وكيف تقضيه معهم؟

 أقضي معظم وقتي في العمل، فمن يريد أن يخدم أسرته أو المجتمع بكل أمانة وإخلاص تزيد رغبته وحرصه في العطاء، لكن أحاول أن أقضي عطلتي الأسبوعية، الجمعة والسبت مع العائلة وزيارة المقربين والمحبين.

- كيف تقضي إجازتك الأسبوعية؟

 أذهب إلى بيت لي بمنطقة شمالي الذخيرة على البحر مباشرة مساء الخميس وأعود ظهر الجمعة لأذهب إلى سوق واقف عصر كل جمعة لحضور سوق الحراج الأسبوعي، أما صباح السبت فأذهب إلى سوق واقف أيضاً لزيارة أصدقاء الآباء وزيارة المقربين والمحبين.
- الإجازة السنوية فرصة لاستعادة الأنفاس.. كيف تقضيها وما المكان المفضل؟

 بالنسبة للإجازة السنوية تختلف الآن عن السابق، فسابقاً كنا نعشق السفر إلى بريطانيا، سواء لقضاء الإجازة أو مرافقة المرضى من الأهل أو لحضور المعارض الدولية، وفي الآونة الأخيرة التطور والإبداع اللذان حدثا في بلدنا العزيز جعل القطريين يقللون رغبتهم في السفر إلى الخارج وبعكس الماضي، وكـنا نذهب أيضـاً إلى لبنان ومصر وقبرص، بالإضافة إلى دول الخليج وبعض الدول الأخرى مثل الهند وباكستان.

- لكن ما هو أبرز موقف صادفته في سفرياتك الكثيرة؟

 من أبرز المواقف التي كانت تصادفني في سفرياتي إلى بريطانيا ما يعرف بـ سبيتش كورنر Speech corner في منطقة هايدبارك Hyde park كنا نذهب ونستمع إلى المتحدثين ووجدت أن البعض ممن يتحدثون كانوا ضد العرب وخاصة في عهد جمال عبد الناصر، كنا نناقشهم وندخل في معارك ومشادات كلامية معهم، ونقوم بالرد عليهم وعددنا ليس بالقليل من المتواجدين العرب ومن العديد من الدول العربية والصديقة.

- لو قُدِّرَ لك تغيير مسار حياتك في المجال التعليمي والعملي، ما المجال الذي ستختاره، وكيف تتصور حياتك الآن؟

 أنا سعيد بمسيرة حياتي وعطائي في مختلف المراحل، سواء أثناء تواجدي مع الآباء بعضوية غرفة التجارة ومجلس الشورى وكنت مقرراً فيه ورئيس اللجنة القانونية للمجلس حين ذلك، وفخور بمسيرتي وبعضوية المجلس الأعلى للتخطيط سابقاً، ليس عندي ما آسف عليه، الوظائف التي تقلدتها، سواء في الماضي أو في الحاضر، هدفي الأول هو الاستمرار، وأنا راضٍ عن الماضي وراضٍ عما يحدث من تغييرات إيجابية وإلى الأفضل بإذن الله.
أسست أول إذاعة مصغرة في قطر وساهمت في إصدار أول جريدة باللغة الإنجليزية، ولم تكن مهنتي ولا مجال دراستي، لكن حباً لبلدي وحبي في العطاء بقدر الإمكان وفي وقتها لم تكن هناك جريدة أو مجلة تصدر في قطر باللغة الإنجليزية، وأسست أول مجلة شهرية باسم هذه قطر This is Qatar وتغير اسمها فيما بعد لـ قطر توداي قطر اليوم.


- كيف أسست أول إذاعة في قطر؟

 عندما قررت شركات البترول تقلص أعمالها في دخان لتنقل أنشطتها القيادية إلى مسيعيد وبدأوا يطرحون مزايدات على بعض الأشياء التي يريدون التخلص منها، اشتريت جهازيّ لاسلكي بمبلغ 1400 روبية بنظام المزايدات المتبعة حين ذاك، لم أكن أمتلك أي أموال وقتها واقترضت من والدتي ـ رحمها الله ـ 1400 روبية على وعد بردها وذلك بغية شراء الجهازين واللذين يمكن تحويلهما لإذاعة صغيرة.

بعدما اشتريت الجهازين أعطيتهما لمهندس مسؤول عن تصليح لاسلكيات البواخر التي تأتي لشحن البترول، وطلبت منه تحويلهما لإذاعة، وبالفعل حول أحدهما لإذاعة محلية وطلب مني 470 روبية أخرى، عندها جلبت أسطوانات قرآن للشيخ عبد الباسط، وكان لأول مرة يسمع صوت الإذاعة في الراديو على موجات FM الإف إم وعلى الموجات القصيرة بعد أن كنا نمد إيريل 20 متراً تقريباً لنسمع إذاعة صوت العرب أو هنا أنقرة أو إذاعة الشرق الأدنى.

بعدها اتصلت بالسلطة وأخبرتهم وعرضت فكرة توفر الإذاعة لتقديم ما هو مطلوب للمجتمع ووعدوني بالرد بعد الدراسة ولم تتم الموافقة على الإذاعة خاصة، لكنهم قالوا لي: يمكن أن تستمر في إذاعة القرآن الكريم حتى إشعار آخر، واستمرت مقاربة ثمانية أشهر، ثم قررت أن أوقف الإذاعة لعدم استلامها مني ومن قبل جهة حكومية وقد كان هناك نوع من التحفظ.

مما جعلني أغلق الإذاعة وقد كان رد الفعل من المستمعين سلبياً وذهبوا لرئيس المحاكم وقتها فضيلة الشيخ عبد الله بن زيد آل محمود رحمه الله، وطلب مني إعادة تشغيلها وأخبرته بما حصل، فتواصل هو مع الحاكم للدولة ونائبه فتواصلوا معي مجدداً وأعطوني إجازة بالبدء وأعطوني المبلغ، وتم تسليم مسؤولية وإدارة الإذاعة إلى الشيخ جاسم بن حمد آل ثاني، حيث كان حينها وزيراً للمعارف وتطورت الإذاعة بعدها في نقل خطب الجمعة وتوعية المواطنين، وكان الأخ ناصر بن محمد العثمان وكان إعلامياً ومعه الأستاذ سعيد تيم وكان شاعراً المسؤولين عن إدارة الإذاعة والتي وضعت في جامع الشيوخ الجامع الكبير لتكون إذاعة الجامع وتقوم بتغطية ما يلزم، ولما صار العدوان الثلاثي على مصر كانوا يبثون أخبار الحرب وكانت تعمل على توعية المواطنين بما يلزم.
وعندما ضعفت الإذاعة فنياً أمروا بعمل مناقصة واشتروها من بريطانيا وتم تركيبها في البدع، وجلبوا لها مديراً فلسطينياً لإدارتها وتطورت لتصبح إذاعة دولة قطر.


- موقف لا تنساه أبدا وأثّر فيك شخصياً، أو شخص تأثرت به ولن تنساه أبداً؟
أقرب الناس إليّ هما الوالدان، سعدت بالتعلم من أبي وأمي وأعمامي أيضاً، أما الشخص الذي أثّر فينا كعرب، فهو القيادة المصرية عندما استلمها جمال عبد الناصر كزعيم عربي له مكانته في الدول العربية عامة وفي العام الخارجي.


- تسارعت أنفاس الحياة بوتيرة أسرع بكثير مع التطور التكنولوجي في كل شيء، كيف ترى هذا التطور وانعكاساته على الحياة الشخصية لك ولأسرتك؟

التكنولوجيا التي انتشرت أمر عجيب وغريب وأصبحت تشغل 60% من حياة البشر، الموبايل مثلاً، ليس فقط للمكالمات، تجد قليلا من الأشخاص في مجالسهم لا يحتضنون الموبايل وبما فيه من عطاء واسع.

والتكنولوجيا أوصلت صوتنا كعرب إلى الغرب، ومحطة الجزيرة أثرت بدون شك وصنعت وجعلت للعرب اسماً في العالم العربي وغيره، وأصبح العالم كله يعرف المزيد عن قطر بالجزيرة، وفي ذلك نحن كعرب يجب أن نستفيد من التكنولوجيا ونفكر في توطينها لخدمة الأوطان وبالمستوى المطلوب.

- ما أفضل كتاب قرأته؟
 لا أذكر كتابا معينا وأفضّل أن أطالع على الصحف المحلية يومياً وأتنقل بين المحطات والفضائيات العربية والدولية لأخرج بخلاصة الأحداث من كل الأطراف، تعودت بعد صلاة الفجر من كل يوم أن أطلع على جرائد الراية و الشرق و الجلف تايمز وذلك في جلسة صباحية أمام الجامع بالقرب من منزلي، وعند الذهاب إلى المكتب أقرأ كافة الصحف.

- ما هو أول عمل تقلدته، وكم كان أول راتب تقاضيته؟

 وظيفة المساعد الثالث في المبيعات لمعرض المنتجات الكهربائية لدى الآباء، وكنت أستقبل الزبائن، وقد عملت كمساعد أمين مخزن وقضيت فيه فترة كبيرة وتعلمت الكثير من تلك الوظائف وحتى النهاية.
ولم يكن هناك راتب أتقاضاه وكان نوعا من أنواع الإكرامية أسبوعياً أستلم 10 روبيات في الأسبوع كمصروف للجيب وهذا المبلغ يكفي في تلك الأيام.