لما كانت الحروب تتولد في عقول البشر، ففي عقولهم يجب أن تبنى حصون السلام ، هكذا نص الميثاق التأسيسي لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة اليونسكو التي تأسست منذ سنة 1945، بوضع إشكالية التعليم والنزاعات في إطارها الحقيقي، وهي رسالة تهم كل العالم، ومفادها أن تعزيز السلام وبالتالي تحقيق الاستقرار والتنمية، لا يتأتيان إلا من خلال التعليم، مما يؤكد أهميته القصوى في كل الأوقات، عند السلام وقبل وأثناء وبعد النزاعات والحروب أيضا، لتعزيز الوعي والتفاهم الدولي، ونشر التسامح والعمل والاعتراف بحقوق الإنسان ومنها التعليم.
ومن خلال التعليم يمكن التعافي وتجاوز كل المخاطر والتدمير والتهديدات التي تحدث في غيابه، لاسيما وأن الكثير من دول ومناطق العالم، تشهد اليوم حالات عدم استقرار ونزاعات وتحديات يتعين معها إدراك ضرورة حماية التعليم من الهجمات، والتي بسببها يتم إغلاق المدارس وتعليق الدراسة والاعتداء على الطلبة والمعلمين وتشريدهم، بل تجاوز الأمر كل ذلك بتدمير هذه المؤسسات وصيرورتها كذلك سكنا ومأوى للفارين من النزاعات، وهو ما تشهده للأسف أجزاء من منطقتنا العربية.
من هنا يعد التعليم وكذا استمراريته وحمايته أثناء النزاعات، واحدا من أهم اهداف وأجندة التنمية العالمية المستدامة 2030، لاسيما وأن نحو 50 بالمائة من الأطفال المحرومين من التعليم حول العالم يعيشون في مناطق نزاع واضطرابات مسلحة.
لذلك كله، فإن حماية التعليم من الهجمات تشكل أهمية قصوى لدولة قطر، تحت القيادة الحكيمة لحضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى حفظه الله ورعاه وتوجيهات سموه السديدة، لاسيما وأن قطر تعمل كوسيط محايد وموثوق به في نزاعات مختلفة، فضلا عن أنها جعلت الاستثمار في التعليم الجيد دائما إحدى أولوياتها القصوى، على المستويين الوطني والدولي.
ولأن حماية التعليم من الهجمات وفي مناطق النزاع تعد قضية بالغة الأهمية لدولة قطر، فقد أولتها منذ وقت مبكر، جل عنايتها وجعلتها في صدر أولوياتها، وقدمت عام 2010، بدعم وتوجيه من صاحب السمو الأمير الوالد الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، وصاحبة السمو الشيخة موزا بنت ناصر، رئيس مجلس إدارة مؤسسة التعليم فوق الجميع ، قرارا إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة بشأن الحق في التعليم في حالات الطوارئ ، لتقود قطر بذلك الجهود الرامية إلى استصدار قرار الأمم المتحدة الرائد بشأن الحق في التعليم في حالات الطوارئ، حيث أن نسبة كبيرة من أطفال العالم غير الملتحقين بالمدارس يعيشون في مناطق متأثرة بالنزاع.
ويجيء احتفال العالم في التاسع من شهر سبتمبر كل عام باليوم العالمي لحماية التعليم من الهجمات، بناء على مسودة قرار قدمته دولة قطر للجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها الـ74، وتم اعتماده والموافقة عليه بالإجماع في مايو 2020 بعنوان اليوم العالمي لحماية المؤسسات التعليمية من الهجمات ، ويقضي باعتبار يوم 9 سبتمبر من كل عام يوما عالميا لحماية التعليم من الهجمات، ويحث المجتمع الدولي على تخفيف المحنة التي يتعرض لها الطلاب المتضررون من النزاعات المسلحة.
ولا يزال العالم يتذكر بكل فخر وإعزاز إعلان حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى، في سبتمبر 2018، عن تعهد دولة قطر بتوفير تعليم ذي جودة لمليون فتاة بحلول عام 2021، وهو ما يعد علامة فارقة في تاريخ المبادرات الأممية التنموية، بشأن توفير التعليم الجيد للفتيات والنساء في البلدان النامية.
كما اضطلعت صاحبة السمو الشيخة موزا بنت ناصر رئيس مجلس إدارة مؤسسة التعليم فوق الجميع بدور بارز وطليعي في إقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة اليوم العالمي لحماية التعليم ، وهو ما يثبت التزام دولة قطر نحو تأكيد حق التعليم الجيد للجميع، والعمل على ضمان الرفاه لملايين الأطفال، ووضع التعليم ضمن أهم الأولويات لتأمين السلامة وحماية المؤسسات التعليمية، وضمان وصول التعليم الجيد لمناطق النزاعات.
ويمثل اعتماد مشروع القرار القطري الذي يحتفل العالم به هذا العام للمرة الرابعة على التوالي، إقرارا بأهمية ضمان التعليم الجيد على جميع المستويات، وضمان بيئات التعلم الآمنة في حالات الطوارئ والنزاعات المسلحة.
ويؤكد سعادة الدكتور إبراهيم بن صالح النعيمي وكيل وزارة التربية والتعليم والتعليم العالي في تصريحه لوكالة الأنباء القطرية /قنا/ على الاهتمام الذي توليه دولة قطر للتعليم الجيد ليس فقط على المستوى الوطني وإنما أيضا على الصعيد الدولي، مشيرا إلى أن مبادرات قطر العديدة التي ظلت تطلقها في هذا السياق وبالأخص فيما يعنى بحماية التعليم من الهجمات، وفي مناطق النزاعات تجد كل القبول والإشادة على صعيد العالم.
وثمن النعيمي جهود ومبادرات حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى وصاحب السمو الأمير الوالد الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني وصاحبة السمو الشيخة موزا بنت ناصر في مجال التعليم وحمايته من الهجمات على نطاق العالم وبالأخص في مناطق النزاع، والتي حظيت بترحيب وإشادة دولية واسعة، كونها تستجيب لحاجات وتطلعات ملايين الأطفال والشباب التعليمية حول العالم والتي حرمتهم منها النزاعات المسلحة، وهو ما يساهم بدوره في الوفاء بأهداف التنمية المستدامة التي وضعتها الأمم المتحدة.
ولابد من الإشارة في سياق متصل إلى توقيع صاحبة السمو الشيخة موزا بنت ناصر رئيس مجلس إدارة مؤسسة التعليم فوق الجميع في فبراير 2018 بباريس، اتفاقية مع منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة /اليونسكو/ لتوفير التعليم لأكثر من 150 ألف طفل من غير الملتحقين بالمدارس في الشرق الأوسط وآسيا، وغير ذلك من الاتفاقيات المهمة ذات الصلة، من أجل تعليم ملايين الأطفال، لتتوسع بذلك شراكة دولة قطر مع المنظمة لتغطي الكثير من الدول، فضلا عن العديد من المبادرات والشراكات الحيوية والاستراتيجية التي أطلقتها دولة قطر في هذا السياق.
ولقد تجاوزت مؤسسة التعليم فوق الجميع هدف تعليم 10 ملايين طفل في عام 2018، بتعليم 15 مليون طفل حتى تاريخه، فضلا عن التأكيد المستمر بضرورة الاستجابة لوضع حلول مبتكرة لمواجهة أزمة الهجمات على التعليم.
وتتعاون مؤسسة التعليم فوق الجميع مع شركائها لتحقيق أهدافها مع وجود 67 مليون طفل خارج أسوار المدرسة، مما يعني أن سدس الأطفال في سن الدراسة الابتدائية في جميع أنحاء العالم محرومون من حقهم في التعليم، بسبب الفقر والصراع والنزوح والتمييز والإعاقة وغيرها من العوائق.