واتبعوا أهواءهم

قد يسترسل المسلم في ســرد التصورات والتوقعات لمختلف الأحـــداث والفتن والابــتــلاءات والمحن التي تمر بها حالياً أمتنا الإسلامية، وبــالأخــص الشرق الأوســـط، والغريب العجيب أنالتطورات المتلاحقة في المنطقة متناقضة مع بعضها وفي أساسها، وفيها من الغموض والفتن ما جعل المؤمن يخرج عن عقله ويقدم على تعليلات وتفسيرات كمزيج أو خليط مما يسمع أو يشاهد من أحداث ومصائب وابتلاءات تمر بها الأمة. إن من الأهمية بمكان أن نذكر أنه بالرغم من كون هذه الفتن قد عصفت بالمسلمين وأربكتهم، إلا أن وصف الرسول لسنته ودينه القويم يجسد هذا المشهد ،عندما خاطب الأجيال بقوله: «تركتكم على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك»، فسنته من الوضوح والصفاء مما لا يشوبها ظلمة أو خفاء، فيستطيع المسلم بما جاء في كتاب الله وسنة نبيه أن يميزبين الحق والباطل، وأن يجعل نور ذلك مفتاحاً لعقله بعيداً عن الفلسفة والتأويل والتوغل في الآراء الغريبة. وقد تأثر البعض بكثير من التوجهات والآراء المختلفة، والتي تخدم مصالح معينة، فلم يستطيعوا مقاومة ما طفا على سطح عقولهم وقلوبهم، فوضعوا السياسة في مواجهة الدين، وسلبوا الدين كل أســاس له ومضمون بطريقة ضمنية غير مباشرة بحجج كثيرة، منها الوسطية تارة، والتجارب تارة أخرى، أو المشاهدة، أو درء الفتن، أو الزم عليك بيتك واملك عليك لسانك، أو عليك بخاصة نفسك، إلى أن تجمد الأمة وتنكمش، فيعم البلاء أولنا على آخرنا ولا حول ولا قوة إلا بالله. إن بناء قواعد ومبادئ وأســاســات سليمة في ظاهرها، ولكن باطنها فاسد وقواعدها غير مستقيمة وغير مستقرة، قد تنحرف عن اتجاهها في أية لحظة فيصبح المسلم لا يميز بين النور والظلمات، ولا الحسن ولا القبيح، ولا الحق ولا الباطل، إلى غير ذلك من ألوان التمييز التي يعرفها الأطفال. إن مشكلة المشاكل اليوم في عالمنا الإسلامي أن هناك بعض الأهواء تحدد أهدافاً وغايات لا تراعى فيها غير نطاق محدود وإطار ضيق، وسرعان ما ينكشف فيها جوانب القصور والتشويهوالتفريعات الخاطئة. فهناك اتجاهات يمكن أن ترتد في أية لحظة، وإذا ارتدت فهي ليست بمعزل عن التأثير، فتتبنى بذلك عوامل هدم وتحطيم ما تم بناؤه. وحسب ما تعلمناه -ونحن صغار في الابتدائية- فإن استعمال العقول والضمائر أفضل من استعمال الفرضيات والأهواء. وحسب ما تعلمناه في الإعدادية، فإن اتباع الحق والعمل من أجــل إحقاقه هو الــذي يقود لطريق السلامة، ويقي مهاوي الضلال، ويــؤدي إلى حسن النتائج، ويسوقها في النهاية إلىالنجاح بدلاً من الوقوع في الباطل. وملك الله -سبحانه وتعالى- قائم بالحق، لذلك لا بد لنا أن نعتمد على الحق ونتبعه. اللهم احفظ بلادنا ودول الخليج ومقدساتنا من كل سوء ومكروه، وابعد عنها الفتن، وقها شر الأشــرار وكيد الفجار، واحفظ لنا خليجنا، ووحد كلمتهم وألف بين قلوبهم.