الخطاب السامي إدارياً

بداية لفت الخطاب السامي أمام مجلس الشورى نظر الكثيرين من حيث صياغته بشكل واضح جدا ومباشر ومتوازن، اقترب من التفاصيل ليوضح واقترب من العموميات ليوازن، مع الحرص على توصيل المعنى المقصود بشكل سهل. هنا سوف أركز على الجانب الاداري في الخطاب ومدى شموليته للتغييرات الحاصلة في هيكلة الدولة الاداري ونظرته المستقبلية له. لن اذكر نص فقرات الخطاب بل سوف استعرض افكارها بدلا عن ذلك. أشار سموه الى فكرة هل المؤسسة أقوى من افرادها فتتطور (بتعاقبهم) أو العكس (فتنهار) بأمزجتهم؟ هذه حقيقة لابد ان نعترف بها، فالمنظومة الادارية لدول الخليج عموما تعاني من قوة الافراد وتغولهم على الجهات التي يعملون بها، مما يؤدي ذلك لتفاوت التطوير بين مسؤول ومسؤول، وعدم تراكم النجاح عبر تعاقب المسؤولين على هذه المؤسسات، اضافة الى رهن التطور بالاشخاص وليس بالمنظومة مما يفقد الحكومات القدرة على تحقيق اهدافها بعيدة المدى وذلك بسبب تذبذب أداء أجهزتها المربوطة بأداء مسؤوليها. هنا لا ننكر دور المسؤول بقدر ما نثبت دور المنظومة في الاستفادة من قدرات المسؤول وعدم تأثرها بسلبياته ومقاومتها لاي تخبط منه وذلك لوجود مؤسسية ضابطة لتصرفات المسؤول وقراراته. فإذا جاز لنا استعراض بعض الحلول فانها تحصل بتعزيز الكوادر الجادة والفاعلة في المواقع التي تحدث التغيير في مفاصل الادارة ووضع منظومة تصعيد الكفاءات للمناصب الحساسة، والعدالة بين تفاوت القدرات واستحقاقها المالي للمحافظة على طاقات الموارد البشرية وعدم فقدها وتحولها لبطالة مقنعة محسوبة في خانة التكاليف مع عدم ناتج لمجهوداتها في خانة الايرادات الحكومية. وأشار سموه الى مبدأ رأس المال الجبان الساعي للبيئات الآمنة والتي تنشأ بواسطة التسهيل والامان، وهاتان قاعدتان مهمتان لادارة المال، والمتمثلة في تسهيل دخول وخروج الاموال، وسرعة إنجاز المعاملات، والقانون الحامي لها، وقد حدث ذلك بإنشاء محكمة التجارة والاستثمار، حيث يشمل مصطلح التجارة النزاعات التجارية والتعاقدية، بينما يشمل مصطلح الاستثمار قضايا الاستثمار الأجنبي والذي يحتكم للقانون القطري، فالاستقرار السياسي لا يكفي لجذب الاستثمارت بقدر ما يعززها الاستقرار القانوني الاقتصادي. وعلى مستوى ادارة الموارد البشرية، اشار سمو الأمير لفكرة فريق العمل المتجانس المتحاب والمنسجم مع بعضه، والمتمثلة في استقرار النسيج الاجتماعي وبروز حالة السلم الاجتماعي وتناغم مكوناته وتصالحها مع بعضها واتفاقها على دعم جهود الحكومة، وأذكر هنا مجهودات الدول المتقدمة في إحلال الوفاق بين شعوبها ومنها سنغافورة التي تتكون من ثلاثة اعراق وثلاث لغات والتي عمل فيها رئيسها ليكوان على توحيدها ومن ثم انطلقت التنمية في سنغافورة بشكل منتظم وقوي من خلال استجابة الشعب وتعاونه مع قرارات الحكومة الى أن وصلت لحالتها المتقدمة حاليا. أشار سموه لإدارة المخاطر والمتمثلة في سد الثغرات في الحاجات الاساسية، والتي يعالجها مبدأ الاكتفاء الذاتي، وهو ضرورة استراتيجية والذي يعتبر الخط الاحمر لاي دولة في العالم، فالمخاطر تنشأ من النقص او عدم الوجود اصلا او عدم كفاءة المنظومة بحد ذاتها ولو كانت موجودة. فلذلك اشكال المخاطر متعددة ولكنها تتفاوت في سلم التأثير والأهمية. وأوضح سموه ما حققته الدولة في بعض المؤشرات الدولية، ‏وهذا يعكس أن أي عمل يجب أن تكون له مؤشرات داخلية وخارجية، ‏فالمؤشرات الداخلية تعالج الأداء والتقدم في تحقيق الأهداف، بينما تعالج المؤشرات الخارجية العلاقة بين منظومة العمل او الدولة ومحيطها الخارجي والمتمثل في بقية دول العالم، وذلك ‏لرفع التصنيف وجذب الاستثمار وتعزيز الثقة. الثقة مهمة لأي منظومة كان شكلها، ترفع وتسقط اي منظومة، حيث تتجلى الثقة في حالة الأزمة ومدى التزام الدولة باتفاقاتها وتعهداتها بإمداد العملاء بالغاز الطبيعي حتى في اصعب ظروفها، وهذا عزز السمعة الدولية للدولة وفتح لها مجالات أرحب للتعاون مع دول اخرى بحكم ما رأوه من قدرة والتزام. أشار سموه الى فكرة إدارة الادخار ومدى حجم الاحتياطيات الدولية للدولة، والتي تستطيع من خلالها شراء ما تريد من العالم، وللعلم فإن قياس قوة الاحتياطيات الدولية يتمثل في طول المدة التي تستطيع فيها الدولة شراء ما يلزمها لحين إيجاد مصادر للعملات الاجنبية لزيادة احتياطها الدولي. الادارة الحديثة تتصف بالمرونة والقدرة على الانتقال من مرحلة لاخرى بشكل سلس لا يحدث إرباك في الخطة العامة ولا يشوه الاهداف المخطط لها بل يتماشى مع رؤيتها. إن تغيير مسمى قطر للبترول لقطر للطاقة يعتبر توسيعا لنطاق العمل وإعادة إدارة الموارد الغازية مع الشركاء وكذلك ضم الطاقة النظيفة كالشمسية وربطها بالموارد الأخرى وذلك لتكتمل منظومة الطاقة ويصبح معظمها طاقة نظيفة وهذا هو الهدف الاستراتيجي الذي يتحقق بفضل هذه الخطوة. وأخيرا نسال الله تعالى الأمن والامان والازدهار لهذه الدولة قيادة وشعبا وأن ينفع الله بمجلسها المنتخب.