


عدد المقالات 189
حدّث سهم بن كنانة، قال: في أواخر القرن الرابع عشر، قبل أن تُولد الفضائيات وتنتشر، ظهرت في جريدة اسمها «اليوم»، قصيدة أثارت كثيراً من اللوم، وكانت متحرّرة القوافي، واسم كاتبها حميد غريافي، وقد جاء في مطلعها: مزّقي ذلك البرقعَ وارميه وجِنّي واخرجي من موكب الموت إلى العُرس وغنّي أيُّ شؤمٍ أنتِ فيه أيُّ ذلٍّ أنتِ فيه أيُّ قبرٍ أنتِ فيه حطّميه! وقد روى لي جدّي تلك المقاطعْ، ولحيتُه تبلّلها المدامعْ، فهدّأتُ من روعِه، ومسحتُ بيدي ما انساب من دمعِه، ثمّ أخذتُ بيمينِه، وطبعتُ قبلةً على جبينِه، وسألته: ماذا كان الردّ، على تلك الجريمة يا جدّ؟ فتنهّد تنهّد الحيران، حتى تذكّرتُ نكسة حزيران، وقال: ثار المسلمون على القصيدة، فتدخّل السلطان وأوقف الجريدة، وعُوقب المحرّض غريافي، حتى هام على وجهه في الفيافي، وازداد إقبال النساء على الحجاب، تشبّثاً بالهُويّة وإغاظةً للأذناب. قال سهم بن كنانة: ولم تكن تلك القصيدة إلا جسّاً للنبض، لكنّ من وراءها فُوجئوا بحجم الرفض، فعضّوا على أثوابهم، ونكصوا على أعقابهم، ودعا الفقيهُ عبد العزيز اليحيى في الهفوف، على غريافي بالبلايا والحتوف، مستنكراً في خطبة له شعره السفيه، ومحذّراً من جريدته التي تؤويه، ويذكر جدّي من ذلك قوله، «يقول: مزّقيه، مزّق الله شمله». قال سهم بن كنانة: ثم جاءت ثالثة الأثافي، التي تهون عندها مصيبة غريافي، إذ كرّت الأيام والشهور، وهبطت الثقافة من الفضاء بالشرور، وفشَا فيروس التصهين، وأصبح التخلّف صنوَ التديّن، وظهرت قناة أعجميّة الاسم، تفسّر الحرب بالسلم، وتقرن الجهل بالعلم، وتصوّر العفاف رذيلة، وتضيق برموز الفضيلة، يغيب عنها صوت الأذان، فما على شاشتها سوى القِيان، وفاتنة تغدو وتروحْ، تلعب باللبِّ وتأسر الروحْ، ولمّا كان للباطل فريقُه، وللفساد بريقُه، فقد حظيت القناة بالمشاهدة، ومدّ لها المعلنون يدَ المساعدة. قال سهم بن كنانة: ودعت القناة دعوة غريافي، فكأنما عاد ذلك الشاعر من المنافي، ونادت في النساء: «كوني حرّة»، حتى لو انكسرت الجرّة، وجعلت نداءها إلى الحريّة وسما، ولم يكن في حقيقته إلا زعما، وكان من قولها: «تمرّدي» على القيود، و «كوني حرّة بلا حدود»، «فحرّيتك سرّ الوجود»، «حلّقي برقّتك خارج السجون»، و «أطلقي العنان لخيالك المجنون»، «أنت لم تُخلقي لتكوني تابعاً أو ظلّا»، فـ «امتطي جياد الثقة» وكوني لها أهلا، حذار «أن تُسجني في قفص»، وكوني «مثل العصفور في السماء» إذا رقص، وتذكّري أنّ «الحريّة لا يمكن أن تُعطى على جُرعات، فالمرءُ إمّا أن يكون حرّاً أو لا يكون» في هذه الحياة، لا تنسَيْ نداء الجسد، وليكن شعارُك «الحريّة حقٌّ لا يُطلب من أحد»، واعلمي أنّ «الحبّ يجلب معه الحريّة، أمّا الطاعة فتجلب معها العبوديّة»، «لا تقولي إنك ضعيفة»، وردّدي دائماً هذه العبارة اللطيفة، «حرّيتي أن أكون كما لا يريدون لي أن أكون»، ولن يَثنيَني عن هذه الحريّة «ضغط المجتمع» ولا المتشدّدون. وما بين المزدوجات نصوص، وهو التحريض الذي مارسته القناة غير منقوص. قال سهم بن كنانة: وأكبر المسلمون أن تنال تلك القناة من نسائهم، وأن تستمرّ في تلويث صبحهم ومسائهم، فانتفضوا ضد الوسم، ورماه كلّ منهم بسهم، وهتف أحدهم: لا لستُ أقبل محتلّاً على أرضي ولا دخيلاً يريد النيل من عرضي وقال آخر: يا من بطُهر حجابها حرّة زيدي النفاقَ وأهلَهُ حسرة قولي لهم إنّي البريقُ إذا ران الظلامُ وإنّني الزّهرة النّاسُ بالتغريدِ شاهدةٌ أنّي بحُسْن خلائقي دُرّة! وشاركت في الردّ على حملة القناة كلّ الطبقات، حتى الأمراء والأعيان وذوو الهيئات، فوجدت القناة نفسها في حرَج، وأزمةٍ بعيدةٍ عن الفرَج، فأصدرت بياناً قالت إنّه «توضيح»، لا اعتذار فيه حتى بالتلميح، لكنّها لم تجد بداً من حذف دعواتها إلى التمرّد، والسكوت حتى تمرّ العاصفة وتتبدّد. قال سهم بن كنانة: وفرح النّاس باندحار الحملة، وإن كانوا يدركون أنّها ليست نهاية الرّحلة، لكنّهم تمتموا وشفاهُهم مبتسمة، كم من باطلٍ أزهقتْه كلمة!
نحن الموقّعين أدناه نعتذر إلى الإنسانيّة عن تاريخنا؛ عن ثقافتنا المفخّخة بالعنف؛ عن سيرة أجدادنا الملّطخة بالدماء. نعتذر عن ما كانوا يسمّونه «الفتوح الإسلامية»، وما كانت سوى عمليات غزو واسترقاق، وإجبار للسكان الأصليين على دفع...
في البدء كانوا مجاهدين، ثم صاروا فدائيين، ثم مقاومين، وتدريجاً أصبحوا مسلّحين، فكان طبيعياً أن يصبحوا في نهاية اليوم، «إرهابيين»، ثم يُسدل الستار على الفاجعة، ولمّا تنته. يصبح الإسرائيلي ضحية، وتصبح أفعاله دفاعاً عن النفس...
اليمن تاريخياً بلد واحد غير مقسّم، والتقسيم إضعاف لهذا البلد، وتشتيت لشعبه، وفتح أبوابه لتدخّلات عسكرية وقواعد أجنبية واضطرابات وحروب قد تكون أسوأ من وضعه إبّان الانفصال القديم في الستينيات والسبعينيات. وبينما يتّجه العالم إلى...
حدّث سهم بن كنانة، قال: كان في القرن الخامس عشر بجزيرة العرب، رجل يزعم أنّه واحد دهره في الأدب، وأنّه أدرك من أسرار البيان، ما لم يدركه إنسٌ ولا جان، وقد اشتُهر بابن الغلامي، أو...
علّمونا ونحن صغار أنّ «الصمت من ذهب»، وكان جدّي لأمّي يكرّر لي البيت: يموت الفتى من عثرةٍ من لسانِهِ/وليس يموت المرءُ من عثرة الرّجْلِ، وقديماً قال جدّنا أكثم بن صيفي: «الصمت حُكمٌ وقليلٌ فاعله». كبرنا،...
قبل الاستفتاء على التعديلات الدستورية في تركيا، وأثناءه وبعده، لم تتوقف جريدة الحياة اللندنية عن الهجوم على الحكومة التركية. كانت هذه الصحيفة معروفة إلى عهد قريب بحرصها على عدم إبراز أيديولوجيتها، وباستقطابها كتّاب رأي ليسوا...
كان يا ما كان، في آخر الزّمان، أنّ رجلاً كان مريضاً فتعافى، فغضبت عجوزٌ كانت ذات يوم سبباً في إمراضه حتى مزّقته إرباً إرباً، وطفقت تولول وتشقّ جيبها، وتدعو بالثبور، وعظائم الأمور، فلم تكن تتوقّع...
تسعى الخطابة السياسية عادةً إلى توحيد المواقف، وردم الفجوات، والتركيز على القواسم المشتركة. هذا هو لبّ الخطابة وفلسفتها عبر التاريخ: الدعوة إلى «التعاون»، وإحياء الروح الجماعيّة، وتغليب المصلحة العامة على الخلافات البينيّة. لكنّ ذلك لا...
كنّا نعرف أنّ «تحرير» الموصل، ثاني أكبر مدن العراق، من قبضة تنظيم داعش سيكون دامياً، وكنّا نترقّب فقط مشاهد القتل الجماعي لأهل تلك المدينة بحجة تحريرهم من الإرهاب. لكن لم نكن نتوقع أنّ المجازرستثير في...
حدّث سهم بن كنانة، قال: اعتراني ذات يوم السأم، وشعرت بأنواع الألم، وجفا عينيّ الكرى، وعادت صحّتي القهقرى، فراودتني الرغبة في الخروج، والاستئناس بين المروج، ودُللتُ على قرية تُسمّى «سراج»، شعارها «لدينا كلّ ما تحتاج»،...
كان الرئيس التركي، أردوغان، محقّا في اتهامه عدداً من دول الاتحاد الأوروبي بالارتهان للفاشية والنازيّة إثر إلغاء ألمانيا عدداً من التجمّعات الانتخابيّة التي كان من المقرّر أن يحضرها وزراء أتراك في مدن ألمانيّة، ومنع هولندا...
قُبيل إعلان اسم «الفائز» في برنامج «أرب آيدل» الذي تبثّه قناة إم بي سي، طار رئيس سلطة رام الله، محمود عبّاس، إلى بيروت، ليستقبل متسابقي البرنامج ولجنته التحكيمية، ويهمس للمطربة الإماراتية أحلام: «أنا متابعك منيح...