أمن قطر الغذائي!

يسعدني ويسعد كل مواطن في الخليج العربي التكامل الاقتصادي بين دول مجلس التعاون، وهو الركيزة الأولى للاتحاد الخليجي، كما قال صاحب السمو الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني أمير البلاد -حفظه الله- عندما استقبل وفداً من رجال الأعمال السعوديين في شهر مايو الماضي، كما أن تبضع أهل قطر بأموالهم في الشقيقة السعودية بمنطقة الأحساء وغيرها يشكل قوة شرائية قطرية تنعش السوق، وتصب في صالح رجال الأعمال هناك. ولهذا، لا أخفيكم سراً أنني انزعجت من خبر إيقاف شقيقتنا السعودية تصدير الدواجن إلى الخارج، والذي نشرته «العرب» في صفحتها الأولى يوم الخميس الماضي، وسبب الانزعاج أن هذا القرار لم يستثن دول مجلس التعاون من هذا الحظر، الذي كان مفاجئاً وجعلنا في سلة واحدة مع العراق، وهو ليس عضواً في منظمة مجلس التعاون، والحقيقة التي يجب عدم إغفالها أن وزارة التجارة والصناعة هناك قررت إخضاع الدجاج المنتج في السعودية لأحكام «السياسة التموينية»، واعتباره أحد السلع التموينية «الرئيسية»، وقالت إن سبب تعليق تصدير الدجاج يهدف إلى تحقيق اكتفاء سوقهم المحلية واستقرار الأسعار، كما أن الزميلة جريدة «اليوم» السعودية جعلت عنوان الخبر فيها «التجارة تمنع تصدير الدجاج لحماية السوق المحلية»، فما هي الحماية التي توفرها الحكومة لحماية السوق المحلية في قطر؟ أقصد هل هناك حظر على تصدير الدواجن أو الأسماك من قطر إلى دول مجلس التعاون؟ فلا يخفى على أحد أن إنتاج الشركة القطرية العربية للدواجن لا يكفي لتغطية الاحتياجات المحلية في الدولة، ثم لماذا نسمح بتصدير الأسماك وتغليب مصلحة الفرد على الدولة؟ لا سيما أن التصدير أسهم في رفع سعر الأسماك، وجعل استخدامها بديلاً للحوم الحمراء أو الدواجن أمراً صعباً على القطري والمقيم. كما يثور سؤال آخر ونحن نناقش مسألة الأمن الغذائي الوطني، هل هناك حماية للمزارع والصياد القطري ودعم له؟ لماذا نسمح للتاجر من مجلس التعاون بإغراق السوق المحلية وسحق المزارع والصياد والمنتج المحلي، في حين أننا لا نضمن عدم توقف تدفق المنتج الخليجي إلينا كما حدث وسيحدث مستقبلاً؟ أود أن أذكر القراء والمتابعين أن قرار وقف تصدير الدجاج المنتج في السعودية جاء بعد أسابيع قليلة من اتخاذ قرار مماثل بحظر تصدير خمسة أنواع من الخضراوات وهي: البطاطس، والبطيخ (الجح)، والبصل الجاف، والشمام، والقرع. وما أود أن أشير إليه هنا أن المنتج الخليجي يحظى بمعاملة مماثلة للمنتج المحلي، ولا تفرض عليه أية جمارك أو ضرائب، ولا تستطيع شركة مثل «غدير» أن تقف في وجه شركة بحجم «المراعي»، ولن أستغرب أن يصدر قرار بوقف تصدير الحليب المبستر ومشتقاته من اللبن والروب.. إلخ، فماذا سنفعل حينها؟ ولماذا لا نعتمد على تأمين الحد الأدنى الذي يكفي لتلبية احتياج الغذاء في الدولة ويحقق أمننا الغذائي؟ إن عدد سكان العالم في ازدياد، وسيصل الأحياء في الأرض -إذا شاء الله- إلى 9 مليارات في 2050، والإنتاج الزراعي في العالم في تراجع. ولهذا نتمنى أن يعي الجميع في الدولة أهمية برنامج قطر الوطني للأمن الغذائي الذي أنشئ في سنة 2008، مما يدل على بعد النظر والحكمة التي تقف خلف إنشائه في نفس السنة التي عم فيها الشغب بأرجاء الشقيقة مصر بسبب إلغاء روسيا عقودها مع مصر لتصدير القمح، تحت بند ما يعرف بـ «القوة القاهرة»، وهذا مصطلح يفهمه القانونيون جيداً، ونتمنى أن نرى دعماً مباشراً وسريعاً للمزارع القطري والشركات القطرية، وإنشاء شركات مساهمة تهتم بالغذاء وإنتاجه وتصنيعه في الداخل؛ لأننا لا نضمن ظروف الدول المصدرة، وإن سمحت لرأس المال القطري بالاستثمار فيها، ويجب أن تبقى الأولوية للإنفاق في الداخل على التكنولوجيا الحديثة التي تستخدم أقل كمية من المياه لإنتاج الغذاء الأساسي، سيما أن معدلات الجفاف في العالم في ازدياد، وحروب المياه تلوح في الأفق، هل قُلتُ الماء؟ نعم.. وقد جعل الله من الماء كل شيء حي.. وسيبقى خليجنا واحداً. والله من وراء القصد؛؛؛