السيد الصرخي الحسني

لم يكن معروفا لدينا، أقصد نحن من هم خارج العراق، وأظنه لم يكن معروفا لدى غالبية الشيعة أيضا، ممن نتوقع منهم معرفة رجال الدين والمراجع في الحوزات العلمية، وفي النجف على وجه التحديد، كل ما يعرفه الناس هذه الأيام عن السيد الصرخي الحسني، أنه رجل دين شيعي عربي عراقي قال كلمة مخالفة للمنظومة الشيعية السائدة في العراق، وفي المنطقة بشكل عام، هذا الرجل قال ببساطة إن الذين ثاروا بوجه المالكي هم من المظلومين! وكأن الرجل ارتكب جريمة بحق مذهبه ودينه ووطنيته لما أقر بالظلم، وهو أيضا استكثر أن تكون كل هذه الهبة الشعبية من فعل داعش، والتي نجحت منظومة الإعلام الإيراني والعربي والغربي في تضخيمها لتحتل صدر الصفحة، ويتراجع كل ما هو مهم في القضية العراقية. في خضم الأحداث الساخنة في العراق، وقعت على مادة في اليوتيوب للسيد الحسني، لا تزيد مدتها عن عشر دقائق تقريبا، ومن أول وهلة رأيت في الرجل بعض ما رأيت في السيد محمد حسين فضل الله رحمه الله، لا أتحدث هنا عن الموقف الفقهي والاجتهاد والتفاصيل المذهبية، كل ما يعنيني في الأمر موقفه السياسي، وانتماؤه، وهواه، واستقلاليته، والصرخي بلا شك عراقي وطني، ولست من يمنح الناس صكوك الوطنية والعروبة، لكننا اليوم بأشد الحاجة لمثل هؤلاء الرجال، لتقييمهم للأحداث، نحن فقط بحاجة لمن يصف الظلم البيِّن بأنه ظلم، ولمن يذكر العراقيين سنة وشيعة، بأنهم عراقيون، وبلادهم محتلة من الأميركي، وأن الإيراني، وإن اشترك معهم في المذهب والدين، إلا أنه صاحب دولة قومية لها مشروعها الخاص، ولا مانع من علاقة طيبة معه، إن سمح لنا بأن نقيم دولنا ومشروعنا وحياتنا العزيزة الكريمة القوية، كما يريد لنفسه! هناك جدل حول مرجعية الصرخي، وهناك جدل –لو نذكر– ارتبط بمرجعية السيد فضل الله، بل إن الولي الفقيه علي خامنئي شاب مرجعيته جدل كبير، والسياق الذي صاحب مرجعية الصرخي من عدمها ارتبط بموقفه السياسي، فقد كان صادما للخطاب الشيعي السياسي السائد في العراق، والمرتبط بشكل وثيق بالحالة في سوريا، وتديره طهران سياسيا، ظهور رجل دين شيعي عراقي يخالف ما يرتكز عليه هذا الخطاب، ويدين الاعتقاد الذي يراد له أن يروج في أوساط الشيعة العرب، بأن كل ما نحاربه هو الإرهاب والتكفير السني، وأن كل ما يقف على الضفة الأخرى ما هو إلا الداعش اللعين، الصرخي أضاء شيئا من العتمة المعممة على الناس، قال لهم بكل بساطة: هؤلاء هم من ظلمهم الحكم في العراق، وداعش إبرة في كومة الغضب العارمة لدى العراقيين، لكن من يريد التصديق! شخصيا، أتشكك كثيرا في دور وموقف رجال الدين، وأراهم في الغالب جزءا من المشكلة لا جزءا من الحل، ولو بحثنا في سيرة هذا الرجل جيدا، لوجدنا ما نختلف معه، لكن في هذه الظروف الصعبة والمعقدة، وطبول الحرب الطائفية التي يقرعها الجميع، لا يمكن إغفال أهمية رجال الدين العقلاء من الطرفين، أولئك الذين يؤكدون على إنسانيتنا وفطرتنا ورغبتنا بالتعايش، والذين يهدمون بعقلهم كل الدعايات الجاهلة التي تصدر عن معسكرات السياسيين الانتهازيين، ممن يعبثون بمشاعر الناس الدينية ويستغلونها أبشع استغلال. إن أمثال السيد الصرخي الحسني يؤكدون أننا لا نكره الشيعة، بل نكره الظلم، ولا نكره السنة بل نكره التكفير والإقصاء والشتم، وأن كل ما نطمح له العيش في بلادنا أعزاء نحظى بكافة الحقوق، دون ميل مذهبي أو ديني أو عرقي، يؤسسه الساسة لحرمان الناس جميعهم من الحقوق التي كتبها الله لهم.