بين المغرب والمشرق.. جسر نبنيه

سألني موظف الجوازات المغربي: ماذا تدرسون في الجامعة؟ أجبت: مادة التواصل. قال وابتسامته المضيئة تسبقه إلى قلبي: اشرح لي ماذا يعني التواصل وماهي أهم عناصره؟ قلت: التواصل حالة شعورية. إن لم تنبع من الداخل فلا جدوى من علومها وفنونها، ومهارة التواصل تبدأ عندما نؤمن حقا ونطبق عملا قوله تعالى: (يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ). فهكذا إيمان يشيع في النفس ويبث منها مبادئ التسامح والتعاون والعدل والبر والاحسان. وعندها يسهل تعلم آليات ومهارات التواصل الإيجابي والفعال، ويسهل إقناع الآخرين بصدق الإحساس والرسالة، واكتساب حسن الظن والقبول. سألته: هل تعرف ما هي أعظم مهارات التواصل؟ ولما لم يحرجوابا قلت: إنها الابتسامة. فابتسامة مشرقة كالابتسامة المغربية توصل وحدها مشاعر الود والاحترام والتعاطف والتقدير لكل الناس باختلاف لغاتهم واجناسهم وأعمارهم. فمنذ الأزل، ومنذ الطفولة كانت البسمة هي المعنى الذي يفهمه كل مخلوق. لم تكن تجربتي الجميلة مع موظف الجوازات هي الوحيدة، فإذا كانت اليابان بلد الشمس المشرقة فإن المغرب بلد الابتسامة المشرقة. بلد الحفاوة واللطف والضيافة العربية والأمازيغية. في رحلتي الأولى منذ العام ١٩٨٥ لدولة محرر الأندلس أمير المرابطين يوسف بن تاشفين ومحرريها من الاستعمار الفرنسي الملوك العلويين الهاشميين، أبهرتني النقلة التنموية التي حققتها البلاد خلال العقود الأخيرة. فبالإضافة إلى ما حباها الله به من طبيعة ساحرة، ومصادر مياه وافرة، وثروة سمكية، وموارد بشرية، وتراث وحضارة، فقد استفادت من مشاريع كبرى كبناء السدود وشبكات الطرق والسكة الحديد وشبكات الاتصالات السلكية واللاسلكية والموانئ والمطارات. على أن أجمل ما في المغرب إنسانه. وهذا انعكس على بيئته فهي بيئة زراعية خضراء، مشرقة، نظيفة، أنيقة وبسيطة. وبعكس انطباع البعض، فهي أيضا بيئة أصيلة في احتفائها بالموروث الحضاري، ومحافظة على عاداتها وتقاليدها العربية والإسلامية، ولا ينكر حضور غير المحافظين ولهم اأنشطتهم ومنتدياتهم وملاهيهم. ولكنك لن تلحظ ذلك ولن تجده إلا إذا بحثت عنه، فكما في كل بلد ستجد (أهل السلا في سلاهم وأهل العبادة يصلون). من المدينة إلى الريف، ومن سواحل البحر الأبيض المتوسط والمحيط الأطلسي الى قلب البلاد، ومن شواطئ الدار البيضاء، إلى أزقة المدينة القديمة في مراكش، ومن الأحياء الدبلوماسية الفخمة في الرباط الى المنتجعات السياحية المرفهة في الجديدة، بدت المغرب التي زرتها نظيفة وراقية، آمنة، ومنظمة، يسودها السكون وتشع منها الطمأنينة. وحكمة أهل المغرب انعكست على علاقة الحاكم بالمحكوم. فعندما حاول أعداء الأمة إثارة الشعب ضد قيادته في مرحلة (الخريف العربي)، وفيما كانت الدول المبتلاة تتأخر عن مطالب شعوبها بخطوة كانت القيادة المغربية تتقدم بخطوات، فقد قدم الملك محمد السادس خطته للإصلاح الاداري بما يفوق طموحات ومطالب شعبه، وحققها بالفعل، مما أسهم في استقرار بلده وزاد من شعبيته. كما تبدت حكمة القيادة في مواقفها السياسية ودعمها للتحالف العربي والإسلامي في مواجهة الإرهاب والعدوان الإسرائيلي على المقدسات وتعديات إيران. المغرب بلد عريق وواعد ينتظر منا مزيدا من الاستثمار والزيارة والتبادل الثقافي والعلمي والاستفادة من تجاربه الثرية في مجالات عديدة كالفلاحة والسياحة والصيد البحري والصناعات التقليدية والتعدين، ولعله بحاجة إلى مزيد من التعريف والترويج لكنوزه الثقافية والطبيعية والحضارية. ربما تقصير منه، ربما منا، إلا أن الصورة النمطية بحاجة ماسة إلى تصحيح، وليس أفضل من التزاور والتعارف المباشر بين أصحاب الأعمال والإعلام، أهل الثقافة والعلوم والطلاب، ربما عبر مؤتمرات ومعارض وندوات، وبرامج تبادل ثقافي وعلمي، وتؤأمة مدن، وزيارات معرفية وتعريفية، ومثل ذلك من المبادرات الجامعية والحكومية والأهلية. كما لابد من الإشارة هنا إلى الحاجة الماسة لمزيد من التحرير والتطوير للاقتصاد المغربي وسياساته المالية والاستثمارية. أيها السادة .. بين مشرقنا ومغربنا العربي جسر آن الأوان أن نبنيه.