يعتبر سوق دبي للأوراق المالية ذا طبيعة خاصة، لاختلاف الإمارة في بنيتها الاقتصادية عن بقية الاقتصادات حولها. فقد اعتمدت بورصة دبي على أن الإمارة تعتبر مركزا تجاريا عالميا لإدارة المال والاستثمار، ما يجعلها الأكثر عرضة لأي اهتزازات في القطاعات المرتبطة بهذه الاستثمارات، خاصة أن دبي لا تعد من الإمارات النفطية. لذلك كان انعكاس التراجع الكبير الذي تشهده الإمارة في قطاعاتها الرئيسية والهزات التي اجتاحت أركان تجارتها، واضحاً على البورصة، فقد شهدت خلال الشهر الحالي تقلبات حادة قادت مؤشراتها إلى الهبوط، فقد شهدت هبوطاً متواليا على مدى 121 يوماً، ما أشار إلى عزوف المستثمرين، وهو ما يؤكده عدد من الخبراء بأن الإمارات عموماً ودبي خاصة شهدتا مؤخراً بعض المشاكل التي يمكن أن ترتقي إلى مستوى الأزمات خلال الأشهر المقبلة.
مصطفى فهمى أبو العلا، الرئيس التنفيذي لإدارة الأصول بشركة فورتريس للاستثمار، قال لـ لوسيل إن التباطؤ الاقتصادي الذي تشهده دولة الإمارات العربية هو السبب الرئيسي وراء الضغوط التي تتعرض لها أسواق المال هناك حاليا، وسط تأثيرات سلبية لتطبيق ضريبة القيمة المضافة على عدد من القطاعات الاقتصادية التي تعرضت لتراجع ملحوظ على مستوى أعمالها خلال الشهور الماضية.
القطاع العقاري
أبو العلا أشار إلى أن ارتفاع تكلفة الأعمال والاستثمار في دبي وأبو ظبي بعد تطبيق قانون القيمة المضافة مطلع العام الجاري، دفع السلطات هناك إلى التراجع عن تطبيقها على عدد من القطاعات مثل قطاع الذهب، وهو ما يثبت أن تطبيق تلك الضريبة جاء بشكل غير فعال وكانت له تبعات سلبية ملحوظة على الاقتصاد الإماراتي وبالتبعية أسواق المال التي شهدت العديد من العوامل السلبية الأخرى التي تضغط عليها أبرزها ركود قطاع العقارات وهجرة الشركات الكبرى.
وتشير متابعات لوسيل إلى أن سوق دبي المالي تراجع في النصف الأول من العام الجاري نحو 16.29%، وواحد من القطاعات المهمة التي أثرت في هذا التراجع هو قطاع العقارات، حيث عانى طوال العامين الماضيين، ولا يزال، من تراجعات كبيرة إضافة إلى التأثير الواضح للأزمة الخليجية على أداء السوق. ووصل السوق الى أدنى مستوياته في نحو عامين ونصف العام، كما انخفضت السيولة بنسبة 48% إلى نحو 36 مليار درهم في هذه الفترة مقارنة بنحو 69 مليارا في الفترة المقابلة من العام السابق، وبلغت خسائر السوق خلال النصف الأول من هذا العام 23 مليار درهم.
وهو ما أكده لـ لوسيل أبو العلا، الذي أوضح أن القطاع العقاري يعاني في دبي من الركود وتراجع المبيعات والإيجارات وهو ما توضحه الأرقام والبيانات الخاصة بذلك، وبالتالي وجدنا انعكاس ذلك على أداء الشركات الكبرى العقارية مثل إعمار التي تراجع سهمها لمستويات تاريخية هي الأقل له منذ سنوات، بالإضافة إلى تداعيات ذلك على أداء مؤشرات البورصة في دبي، أبو ظبي، والأنباء المتواترة حول هجرة عدد كبير من الشركات الكبرى من دبي الى مراكز أخرى أكثر استقرارا، وبعض تلك الشركات بدأ عملية الهجرة تدريجياً عبر تخفيض العمالة والاستثمارات، في سعيها للبحث عن بدائل أخرى في المنطقة.
أسباب متعددة
وإضافة إلى ذلك ما أشار إليه محمد عبد الحكيم، رئيس قسم البحوث بشركة فيصل لتداول الأوراق المالية، في حديث مع موقع ساسة بوست ، بأن سبب تدهور سوق دبي المالي يعود إلى قضية أبراج كابيتال وأزمة سندات البحرين، واحتمالية عجزها عن السداد وتدخل دول الخليج لحل الأزمة.
واعتبر عبد الحكيم أن الوضع المالي لسوق دبي هو الأضعف خليجًيا بعد البحرين، موضحًا أن دبي كانت الأكثر تأثرًا بالأزمة المالية العالمية في 2008، لأن معدلات الاقتراض عالية جدًا مقارنة بالمنطقة العربية عمومًا.
رقميًا عند النظر إلى اقتصاد الإمارات ككل نجد أنه يسجل مستويات نمو جيدة، إلا أنه بحسب أحدث الأرقام الصادرة عن مصرف الإمارات المركزي، فإن النشاط الاقتصادي غير النفطي أكثر ما يميز دبي عن غيرها قد سجل تباطؤًا خلال الربع الأول من العام الحالي إلى 3.1% مقارنة بـ 3.4% في الربع الأخير من 2017، وبالرغم من أن المعدل يكشف عن اتجاه غير جيد، لكنه ليس فقط بالطبع سبب التراجعات التي حدثت بالبورصة.
وأشار فهمي إلى أن أبلغ دليل على وجود أزمة اقتصادية حقيقية تعاني منها الإمارات هو تراجع الحكومة هناك عن بعض القرارات الاقتصادية مثل القيمة المضافة وحزم التحفيز المستميتة بحثاً عن إعادة التوازن مرة أخرى الى القطاعات المتضررة، خاصة في ظل ثبوت فشل تلك السياسات وتأثيرها السلبي على القطاعات الاستهلاكية.
أزمة أبراج
وعلى صعيد متصل يشير أبو العلا إلى أن أزمة أبراج كابيتال ما زالت في بدايتها خاصة في ظل ترقب المؤسسات العالمية الكبرى لتداعيات أزمة الشركة وانتظار أن تكشف عن كونها أزمة تتعلق بشركة واحدة أم أنها بداية لظهور أزمات أخرى متعلقة بشركات أخرى مشابهة في الإمارات العربية.
وقال إن الحكومة الإماراتية تحاول بشكل مستميت أن تقلل من آثار تلك الأزمة عبر رعاية تسويات لمديونيات الشركة ومحاولة السماح مرة أخرى لرئيسها بالعودة إلى الإمارات، وتسوية مشاكله مع الشركات الأخرى برعاية ودعم حكومي.
وأكد أن المؤسسات العالمية تغيرت نظرتها لسوق الإمارات خاصة بعد أزمة أبراج كابيتال، فهي الآن لا يمكنها الحكم على كونها أزمة فردية متعلقة بشركة واحدة أم أن هناك شركات أخرى تمارس نفس المخالفات، والوجه الآخر للقضية هل هناك شركات أخرى لديها انكشاف كبير على أعمال أبراج كابيتال، وهو ما يعني استمرار حالة عدم اليقين فيما يتعلق بالسوق الإماراتي من قبل المؤسسات والصناديق العالمية.
واستغرب أبو العلا ما تروج له دبي كونها مركزا تجاريا عالميا لإدارة المال والاستثمار وبعد أزمة أبراج كابيتال لم يخرج أي مسؤول حكومي أو من أسواق المال الإماراتية لتوضيح الموقف وطمأنة المستثمرين حول الوضع الحقيقي للشركة والانكشاف الخاص بالشركات المدرجة عليها.
تراجع تسهيلات الهامش
بلغت قيمة تسهيلات التداول بالهامش الممنوحة من قبل شركات الوساطة في سوق دبي المالي خلال النصف الأول من العام الجاري 16.2 مليار درهم (بيعاً وشراء) مقارنة بـ 39.3 مليار درهم في الفترة المماثلة من العام 2017، بتراجع نسبته 58.7%. وأظهرت بيانات صادرة عن السوق أن حجم تسهيلات التداول بالهامش في النصف الأول من العام الجاري قد بلغت 14.09 مليار سهم (بيعاً وشراءً)، بتراجع 54.6% مقارنة مع 31 مليار سهم في النصف الأول 2017.
وشهد السوق تراجعاً قوياً في قيمة تسهيلات الهامش خلال يونيو 2018، بنسبة 39.8% لتصل إلى 2.05 مليار درهم، كما تراجع حجمها بنسبة 49.6% إلى 1.76 مليار سهم. وأشارت البيانات إلى تراجع حجم تسهيلات الهامش في الربع الثاني 2018 بنسبة 38.7% إلى 5.7 مليار سهم مقارنة بـ 9.3 مليار سهم في الربع الثاني 2017، فيما تراجعت قيمتها بنسبة 35% إلى 6.4 مليار درهم.
وبلغت قيمة تسهيلات التداول بالهامش خلال الربع الأول 2018، نحو 9.8 مليار درهم مقارنة بـ 29.5 مليار درهم في الربع الأول 2017، بتراجع نسبته 67%.
وأظهر التحليل أن حجم تسهيلات التداول بالهامش تراجع خلال الربع الأول 2018 بنسبة 62% إلى 8.36 مليار سهم، مقارنة بـ 21.7 مليار سهم.
وكان يناير 2018 الأنشط من حيث تداولات الهامش، بعدما سجل السوق تسهيلات بقيمة 4.9 مليار درهم عبر تداول 4.1 مليار سهم، ويليه مايو بـ 2.9 مليار درهم بتداول 2.7 مليار سهم. ويصل عدد شركات الوساطة العاملة بالأسواق المالية المحلية المرخص لها تطبيق آلية التداول بالهامش 32 شركة، حيث يشترط النظام ألا يتجاوز إجمالي الأموال المخصصة للتداول بالهامش من قبل شركة الوساطة 300% من مجموع رأس المال الأساسي ورأس المال الإضافي للشركة، ولا يجوز أن تتجاوز مبالغ التمويل بالهامش الممنوحة للعميل الواحد نسبة 10% من الأموال المخصصة للتداول بالهامش من قبل شركة الوساطة.
ويمكن لشركة الوساطة تمويل المستثمر بما لا يزيد على (50%) من قيمة الشراء في حساب (التداول بالهامش)، أي أنه يتعين عليه إيداع نسبة لا تقل عن (50%) في الحساب، وفقاً للنسب المحددة في اتفاقية (التداول بالهامش)، وهو ما يسمى (بالهامش الأولي).
أزمة 2008
كان تأثير الأزمة المالية العالمية والتي بدأت منذ أزمة الرهون العقارية في الولايات المتحدة وتحولت إلى أزمة مالية كبرى وواسعة الانتشار نتج عنها انهيار العديد من المؤسسات البنكية هناك، وأوجدت أزمة سيولة خانقة، على الإمارات واضحاً وكبيراً، فهي لم تكن بمعزل عنها، حيث خرجت من بنوكها سيولة كبيرة، وقام الأجانب بتسييل كبير لمحافظهم في الأسهم، كما تراجع العديد منهم عن الدخول والاستثمار في الأسواق الإماراتية وبالأخص المالية والعقارية، وأدى ذلك إلى تراجع حاد في الأسواق المالية، ونقص كبير في السيولة لدى البنوك، وتراجع السوق العقاري بحدة، وإيقاف العديد من المشاريع وبعد أن حققت أسواق الأسهم مكاسب قوية في بداية عام 2008، حيث وصل مؤشر سوق دبي في 2 يناير 2008 إلى 6003 نقاط، ووصل مؤشر سوق أبو ظبي بنفس التاريخ إلى 4627 نقطة، شهد السوقان أسوأ أزمة تصحيح فتراجعا بشكل كبير، حيث فقد سوق دبي قرابة 72% من قيمته ليغلق بآخر يوم تداول في السنة عند 1639 نقطة، وخسر سوق أبو ظبي قرابة 50% من قيمته ليغلق في آخر يوم تداول بعام 2008 عند 2355 نقطة. فقدت معظم الشركات في سوقي دبي وأبو ظبي ما يزيد على نصف قيمتها السوقية، وكان على رأس الشركات الخاسرة سهم إعمار العقارية الذي أغلق فوق مستوى 15 درهما في أول يوم تداول في 2008، وخسر ما يزيد على 80% من قيمته خصوصا بنهاية العام ليغلق في آخر يوم تداول في 2008 عند 2.33 درهم.