انتشار ثقافة الاستهلاك المفرط مدعومة بمغريات العروض التجارية، وعدم ضبط الإنفاق، جميعها عوامل ساعدت في انتشار ظاهرة الهوس الشرائي التي تكون غير مبررة في كثير من الأحيان، وبالتالي تدفع بالأسعار إلى الصعود، مما يزيد من الأعباء على ميزانيات الأسر، وفق خبراء ومواطنين تحدثت إليهم لوسيل .
ومع انتشار هوس الشراء ، تبقى دول الخليج من الدول الأكثر إنتاجاً لفائض الطعام، الذي تعدى 150 مليون طن سنوياً، بحسب تقرير صدر عن هيئة البيئة في أبو ظبي عام 2014، في حين تشكل فضلات الطعام في قطر أكثر من نصف النفايات البلدية، طبقاً لدراسة أعلنت عنها الدكتورة زينب توبالوجلو، الأستاذ المساعد في جامعة جورجتاون في قطر في أكتوبر من العام الماضي.
وتشير نتائج المسح الذي أعلنت عنه وزارة التخطيط التنموي والإحصاء عام 2014، إلى أن متوسط إنفاق الأسرة القطرية 49.6 ألف ريال قطري شهرياً، مقابل 18 ألف ريال للأسرة من الوافدين، وبلغت حصة الإنفاق على الطعام للأسرة القطرية 16% من إجمالي الإنفاق، مقابل 15% للأسرة الوافدة، وفي هذا تعتبر نسبة الإنفاق على الطعام هي الأعلى في قائمة الأسرة القطرية، أما بالنسبة للأسرة الوافدة فإن حصة الطعام تمثل معدل الإنفاق الثاني بعد الإنفاق على المسكن.
وبالنسبة للأسرة القطرية فإن من أبرز السلع أو الخدمات التي تنفق عليها بعد الإنفاق على الطعام هي الإنفاق على وسائل النقل ثم الإنفاق على السفر ثم النفقات غير الاستهلاكية والتي تشمل فوائد القروض والرسوم الإدارية ومصاريف النفقة والمهور والتأمينات ومساهمة التقاعد.
ويشار إلى أن نتائج هذا المسح شملت ما يحصل عليه المواطن القطري من امتيازات وخدمات مجانية، أبرزها الكهرباء والماء والتعليم.
وطالب خبراء ومواطنون، بضرورة التوعية بظاهرة الهوس الشرائي ، من خلال حملات تشارك فيها الوزارات المعنية بالتنسيق مع البنوك ومؤسسات المجتمع المدني، والتنبيه لمخاطر هذه الظاهرة المقلقة وتقديم الحلول العملية للحد منها، لاسيما في ظل زيادة الأعباء على الأسر وارتفاع أسعار السلع والخدمات.
تسهيلات الدفع والعروض
قال المحلل المالي، أحمد عقل: إن الطلب الكبير على المنتجات مع نقص أو ثبات المعروض من أبرز عوامل التضخم (مؤشر أسعار السلع والخدمات)، منوها إلى وجود عوامل أخرى تؤثر في تضخم الأسعار كالتكلفة نفسها المرتبطة بارتفاع أسعار المواد الخام الأساسية.
وأضاف عقل، أن المحال التجارية تعتمد أساليب عدة لجلب المستهلكين قد يكون من أهمها التخفيضات وتسهيلات الدفع والعروض الترويجية والهدايا، وهذا ما يدفع المستهلك إلى شراء مواد قد يكون بغنى عنها بهدف الاستفادة من العروض.
وتفرض وزارة الاقتصاد والتجارة حظراً على ترويج إعلانات تشمل عروضا تجارية قبل الحصول على تصريح مسبق يقدم للجهة التي سيتم نشر إعلان العروض فيها.
وأكد عقل على ضرورة الحد من هذه الظاهرة من خلال تحديد الحاجات الأساسية بعيداً عن أي مغريات أخرى، كما يجب أن يتم تحديد ميزانية معينة لعملية الشراء، مع ضرورة التركيز على القيمة وليس السعر، مشيراً إلى أن هذا يحتم شراء سلع ربما تكون أغلى قليلاً، لكنها تعمر أكثر، لافتاً إلى ضرورة تطبيق ما يسميه بـ تحويل المصروفات إلى اللون الأبيض واللون الأزرق أي الورقة والقلم، والذي يتضمن كتابة قائمة بالمصروفات الشهرية، مما يسهم في ضبط الإنفاق الأسري.
تحديد الأولويات قبل الشراء
قال رجل الأعمال، يوسف أبو حليقة: إن هذه المشكلة تفاقمت في الآونة الأخيرة، خاصة مع ظهور المجمعات الاستهلاكية متعددة السلع والتي تشمل كل احتياجات المستهلك، مع إبراز عروض تجارية بحتة وعمليات تخفيضات هدفها تجاري بحت، وهي مشكلة أكثر من كونها ميزة تجارية .
وشدد أبو حليقة على ضرورة بذل الجهود التوعوية لتغيير هذه الثقافة وتوعية المستهلك بضرورة التفكير قبل الشراء وتحديد الأولويات، مشيراً إلى أن مسؤولية التوعية تقع على عاتق الإعلام مع تضافر كافة جهود الوزارات المختلفة.
ثقافة الادخار
بدوره، يرى الدكتور السيد الصيفي، أستاذ التمويل والاستثمار بكلية الدراسات الإسلامية بجامعة حمد بن خليفة، أنه مطلوب من الفرد أن يحدد نسبة ثابتة للادخار شهريا بعد حساب المصروفات الأساسية.
وأضاف قائلا: إنه من الضروري أن يكون الادخار في حساب بنكي مختلف عن الحساب الجاري، مع توفير ضمان صعوبة السحب منه كعدم وجود بطاقة سحب، أو اختيار بعض أنواع الحسابات التي تضمن ذلك، كالودائع البنكية وبعض أنواع حسابات التوفير .
وحذَّرَ الصيفي من استخدام البطاقات الائتمانية بشكل مبالغ فيه، مشدداً على ضرورة زيادة المسؤولية الاجتماعية للبنوك في هذا الصدد، سواء بتوفير أوعية ادخارية واستثمارية مختلفة ومتنوعة، أو توعية العميل بكيفية الادخار.
ويشار إلى أن وزارة الاقتصاد والتجارة بالتعاون مع وزارة التخطيط التنموي والإحصاء قد أصدرتا نموذجاً لضبط الإنفاق المعيشي، أيا كان الدخل الشهري، يستند على ادخار 20% من إجمالي الدخل الشهري.
مواطنون: عادات سلبية
يؤكد المواطن راشد حمد المحنا، أن التغلب على ظاهرة هوس الشراء يتطلب وقتا من خلال الاستبدال التدريجي للعادات السلبية بأخرى إيجابية، كالادخار والاستثمار.
ويقترح المحنا تخصيص جزء من الدخل الشهري لشراء سلع ادخارية، مثل الذهب بالنسبة للسيدات بدلاً من شراء الإكسسوارات وغيرها.
أما خالد عزت فيقول: إن هذه الظاهرة مزعجة للغاية، ونشاهد ذلك من خلال عربات التسوق المليئة بكميات هائلة من السلع والتي قد لا تحتاجها الأسرة ويكون مصيرها سلة القمامة، بينما نستطيع شراء احتياجات الأسرة باعتدال بعيدا عن الإسراف الذي يرهق موازنتها الشهرية .