كيف تبعث الأعمال الفنية الحياة في أروقة مؤسسة قطر؟

نقطة التلاشي: قصة أحد الأعمال الفنية التي يحتضنها المقر الرئيسي لمؤسسة قطر

لوسيل

الدوحة - لوسيل

عندما تزور مبنى 2015، المقر الرئيسي لمؤسسة قطر، ستكتشف أنك في مكان بديع، مصمم ليثير فيك فضول الناقد الفنّي، وستشعر كمن يسير في أروقة متحف متكامل، لا مجرّد مبنى عادي. حيث يضم المقر الرئيسي لمؤسسة قطر، التي تملك مجموعة فنية متنوعة تُسهم في إثراء المشهد الفنّي في قطر، خمسة أعمال فنية مذهلة، لكل منها قصّته الفريدة، وأحدها يحمل اسم نقطة التلاشي
يقع هذا العمل الفني في الطابق الرابع من مبنى 2015، وما إن تراه عيناك، ستشعر أنك تنظر إلى عدسة كبيرة تحني الضوء لتغير كلّيًا شكل المكان الذي هي فيه.
وعن التأثير الذي يشعر به من يرى هذا العمل الفني، تقول جواهر المري، مديرة الاتصال والتواصل في مؤسسة قطر، والتي يقع مكتبها بالقرب من نقطة التلاشي ، إن أول ما يتبادر إلى ذهنها كلما نظرت إليه هو الحيوية والإلهام . وتضيف: يذكرني هذا العمل الفني دائمًا بالظروف والمواقف التي لا مفر من مواجهتها، لكننا في نهاية المطاف نجد لأنفسنا مخرجًا منها .
يرى الفنان البريطاني بيتروك سيستي، مبدع هذا العمل الفني، أن فعل الإبداع يجب أن يرضي عقل الفنان وجسده. وفي نقطة التلاشي ، كما يشرح بيتروك، تنعكس الشفافية، والحركة، والفوضى، وانتظام الماء في جسم العمل الفني ورسالته. والهدف هو أن يسأل الناس أنفسهم: ما هو الدافع وراء هذا العمل الفني؟
أما عن مصدر الإلهام وراء هذا العمل الفني، فيقول بيتروك إنه الابتعاد عن النحت الساكن وعديم الحركة والتوجه صوب الإحساس بالحركة، وهو أمر لا تخلو منه الطبيعة. ويشرح: كل شيء من حولنا في حالة حركة، من الغلاف الجوي إلى المحيطات، وصولًا إلى الكون نفسه .
إعجاب بيتروك بالفيزياء الفلكية وطبيعة الثقوب السوداء الدوارة التي تلتهم كل ما يعترض طريقها هو ما يكمن وراء هذا العمل. يقول بيتروك: لقد كنت دائمًا أبحث عن معنى ميتافيزيقي لحافة الوجود، ونقل الطبيعة إلى ما وراء التجارب البشرية اليومية .
ويضيف: تسحرني الثقوب السوداء في الفضاء، فهي كثغرات في نسيج الزمكان، أو مثل ندوب لا يسعها أن تشفي نفسها. إنها بقايا ما كان يومًا نجومًا بدائية ضخمة قبل أن تنهار. وهي حيّة جدًا وفي قلب المجرات الحلزونية. نحن نعلم أن جاذبية الثقوب السوداء أقوى من أن يفلت منها أي شيء، بما في ذلك الضوء، لكن الدهشة الحقيقية تكمن في أن الزمن يتوقف بالقرب من سطوحها .
ويتابع: هل لك أن تتخيل ما يجري داخل الثقوب السوداء؟ تنجذب جميع النجوم وكواكبها إلى هذه الفراغات الرائعة الخالدة، وتدور حولها. ويطلق على الثقب الأسود الموجود في مركز مجرتنا درب التبانة اسم ساغيتارياس إيه . ما أزال مفتونًا بهذه الثقوب السوداء اليوم، وهي مصدر الإلهام وراء هذا العمل الفني .
يتخطى العمل الفني نقطة التلاشي حدود الفن والعلم، ويستكشف العلاقة دائمة التغير بين العمل الفني، والمُشاهد، والمكان الذي يُعرض فيه. وعند الحديث عن عنصر الماء الموجود في نقطة التلاشي ، يرى بيتروك أنه يعكس الكيفية التي يمكن للفنانين من خلالها لعب دور رئيسي في حل القضايا البيئية وإيصال هذه القضايا إلى الجمهور.
يقول بيتروك: أرى أن على الفنانين ألّا يكتفوا بالعمل لتلبية متطلبات المعارض، أو من أجل المال فقط، وألا ينتظروا من المعارض والمؤسسات أن تحل القضايا البيئية بنفسها. بل من واجب الفنان أن يضع نفسه في صدارة العمل البيئي وأن يدعم الجهات التي تدرك أهمية دور الفن في التصدي لهذه القضية الحيوية .
ويضيف: لهذا السبب أطلقت مؤسسة خيرية أسميتها بلاتفورم إيرث حيث يلتقي الفنانون والعلماء وصناع التغيير معًا لمعالجة تغير المناخ .
تُعرض العديد من أعمال بيتروك سيستي الفنية في مناطق مختلفة حول العالم، لكن تحتل نقطة التلاشي مكانة خاصة في قلبه، وهو ما يعبر عنه بالقول: عندما أفكر في تاريخ قطر، وطرق التجارة التي كان سالكوها يستدلون فيها بالنجوم، واهتمام هذا البلد بمصادره الحيوية من المياه، أشعر بسعادة غامرة لوجود عملي الفني هذا في قطر .
ويضيف: في وقت نحتفل فيه بمرور 10 سنوات على إطلاق هذا العمل الفني، أنتهز الفرصة لأشيد بالتطور المبهر والمستمر الذي تحققه قطر، وكيف باتت في طليعة الدول التي تُعنى بالفن والعلوم والثقافة .