شاركت رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي أمس في قمة اوروبية في بروكسل للمرة الاولى على امل تهدئة مخاوف الاوروبيين من عملية خروج المملكة المتحدة من الاتحاد. وأكدت ماي من جديد رغبتها في تفعيل المادة 50 من معاهدة لشبونة قبل نهاية مارس 2017، مما سيطلق مفاوضات خروج لندن من التكتل الاوروبي. ورحب القادة الاوروبيون الذين يدفعون باتجاه انفصال سريع منذ استفتاء 23 يونيو، بهذا البرنامج الزمني الذي يفتح الطريق لخروج فعلي للمملكة المتحدة. لكنها اثارت ايضا قلقا عندما شددت على فكرة تطبيق مراقبة لهجرة مواطني الاتحاد الاوروبي مما يدفع العملية باتجاه مفاوضات قاسية بلا تنازلات.
الاقتراح البريطاني يتعارض مع مبدأ حرية التنقل في نظر الاوروبيين، ولا يتلاءم مع الوصول بلا شروط الى السوق الواحدة. وقال رئيس المجلس الاوروبي دونالد توسك الذي يخشى عملية انفصال صاخبة ان الحقيقة القاسية هي ان بريكست سيكون خسارة لنا جميعا . وذكر مصدر قريب من الحكومة البريطانية ان ماي قد تكون مستعدة للتساهل والطلب من الدول ال27 الاخرى مساعدتها على التفاوض حول انفصال بأقل درجة من الصعوبات. وقال المصدر الحكومي انها تأمل في مملكة متحدة قوية تصبح شريكا لاتحاد الاوروبي قوي. انها لا تريد ان تضر عملية الخروج بالاتحاد الاوروبي. نريد رحيلا بلا صدام وبناء يقلل من شأن الشكوك .
ويخشى مراقبون من التداعيات الاقتصادية لخروج بريطانيا عن الاتحاد، وذكرت دراسة سابقة لجامعة إل إس إي ، إن بريطانيا لن تستفيد مستقبلاً من أي اندماج أكبر بين دول الاتحاد، وإن الفائدة الوحيدة التي ستجنيها بريطانيا من الخروج من عضوية الاتحاد الأوروبي، هي توفير مساهمتها السنوية في دعم ميزانية الاتحاد الأوروبي.
ومعروف أن دول الاتحاد الأوروبي الشريك التجاري الأول لبريطانيا وأن 50% من تجارتها الخارجية مع هذه الدول. وبالتالي ترى الدراسة التي شارك في إعدادها خمسة أكاديميين بالجامعة، أن عضوية الاتحاد الأوروبي ساهمت في خفض قيمة السلع والخدمات للمستهلك البريطاني، كما ساهمت في زيادة الصادرات البريطانية، وذلك ببساطة لأن السلع والخدمات تمر دون جمارك أو حواجز تجارية بين بريطانيا وأوروبا.
كما قالت الدراسة إن خروج بريطانيا من الكتلة الأوروبية، سيشكل خسارة اقتصادية لكل الاتحاد الأوروبي، ولكن خسارة بريطانيا ستكون الأكبر، حيث قدّرت أن تراوح الخسارة البريطانية بين 26 و55 مليار جنيه إسترليني، وذلك مقابل خسارة كل دول الاتحاد المقدّرة بمبالغ تراوح بين 12 و28 مليار جنيه إسترليني.
كما قدرت الدراسة خسارة إجمالي الناتج المحلي البريطاني على المدى الطويل في حال القيام برفع كل الرسوم الجمركية لوارداتها من كل الدول بنسبة تراوح بين واحد و2.3%.
ومن أسباب الخلاف الرئيسية بين بريطانيا ودول الاتحاد الأوروبي هو حماية حي المال البريطاني من تغوّل القوانين الأوروبية التي تسعى لتوحيد تشريعات المصارف الأوروبية تحت قانون واحد وجهة إشرافية موحدة. وهذه القوانين تتعارض مع قوانين بنك إنجلترا المركزي.
ورغم أن حي المال الذي تبلغ مساحته ميلاً مربعاً، والواقع في منطقة بانك بالقرب من بنك إنجلترا (البنك المركزي)، وسط لندن، ذو مساحة صغيرة ولكنه يؤدي دوراً مهماً في الاقتصاد البريطاني والنشاط المالي العالمي. فهو يستضيف حوالى 250 مصرفاً أجنبياً، كما يدير ثروات مالية تقدر بنحو 5.4 ترليونات دولار، ويساهم بنحو 10% من الناتج المحلي البريطاني المقدر بـ2988 مليار دولار و12% من الدخل الذي تحصّله الخزينة البريطانية من الضرائب، كما يوفر ما يقرب من 400 ألف وظيفة من وظائف الدخل المتوسط والكبير للبريطانيين.