سلط بنك قطر الوطني (QNB) الضوء على الطفرة في الاستثمار الصيني المباشر بأفريقيا، موضحا أن أفريقيا تشهد نشوء نظام اقتصادي جديد نتيجة لحدوث تغييرات في تركيبة الاستثمارات الأجنبية والتجارة، وأنه من الملاحظ أن التأثير الاقتصادي للصين في أفريقيا يتجاوز بسرعة الوضع الإقليمي للولايات المتحدة، وأشار البنك في تحليله الأسبوعي إلى أن أفريقيا ظلت تتاجر مع الصين بشكل أكبر منذ عام 2008 مقارنة بالولايات المتحدة، وفي العام الماضي، كانت تجارة أفريقيا والصين أعلى بثلاث مرات من التجارة بين الولايات المتحدة وأفريقيا، كما تجاوزت تدفقات الاستثمار الصيني المباشر إلى أفريقيا تلك القادمة من الولايات المتحدة لأول مرة في عام 2014.
ولفت إلى أنه خلال الفترة من عام 2011 إلى عام 2016، ارتفع الاستثمار المباشر للصين في أفريقيا بنسبة 130% ليصل إلى 53 مليار دولار، مقابل مستويات ثابتة للولايات المتحدة والمملكة المتحدة، وكان أكبر المستفيدين من الاستثمار الصيني المباشر هم على التوالي جنوب أفريقيا (6.5 مليار دولار)، والكونغو (3.5 مليار دولار)، والجزائر (2.5 مليار دولار)، ونيجيريا (2.5 مليار دولار)، وزامبيا (2.5 مليار دولار)، وزيمبابوي (1.8 دولار أمريكي).
ونوه البنك في تحليله إلى أن هناك ثلاثة عوامل تسهم في دفع موجة الاستثمار الأجنبي المباشر للصين في أفريقيا، أولها أن هناك أرضية للتكامل بين نمو الصين، الذي يتسم بكثافة استخدام الموارد، وثروات أفريقيا الطبيعية غير المستغلة نسبيا، وحيث لا تزال الاستثمارات الثابتة تهيمن على النمو في الصين، فإن هذا النمط من النمو يتطلب كميات كبيرة من الطاقة والمعادن المستوردة، كما تمثل السلع حوالي 31% من إجمالي واردات الصين، بما في ذلك 13% من المواد النفطية والوقود المعدني.
وبالرغم من وجود الطلب، فإن البلدان الأفريقية الغنية بالموارد غالباً ما تفتقر إلى رأس المال أو المهارات اللازمة لاستخراج الموارد الطبيعية، ويؤدي هذا التكامل إلى تشجيع الاستثمار الأجنبي الصيني المباشر الباحث عن الموارد في أفريقيا.
ويشير السبب الثاني إلى أن الدبلوماسية المالية أو القروض في إطار العلاقات الثنائية للصين، تعتبر مصدر دعم قوي للأنشطة الصينية في أفريقيا، مما يساهم في جلب مزيد من الاستثمارات إلى القارة، فبحسب مكتب مبادرة الأبحاث الصينية - الأفريقية، قدمت الحكومة والبنوك والمتعاقدون الصينيون قروضا بقيمة 143 مليار دولار أمريكي إلى الحكومات الأفريقية والشركات المملوكة للدول الأفريقية من عام 2000 حتى 2017.
ووفقا للسبب الثاني الوارد في تحليل بنك قطر الوطني (QNB)، يأتي قدر كبير من هذه القروض الممنوحة إلى أفريقيا في شكل ائتمان للتصدير أو الاستيراد، وعادة ما يتم ترتيبها حسب نموذج الاستثمار التقليدي للصين في أنجولا، أي تقديم حزمات للتعاون المالي في شكل موارد ثنائية لصفقات مشاريع البنية التحتية.. وفي الواقع، فإن 81% من مجموع القروض الصينية موجهة إما لمشاريع البنية التحتية أو القطاعات المرتبطة بالسلع في أفريقيا.
وحسبما أفاد السبب الثالث، فقد أصبحت أفريقيا أكثر فعالية من حيث انخفاض التكلفة بالنسبة لكبار المصنعين الصينيين أكثر من أي وقت مضى، ومع لحاق الصين بركب الاقتصادات المتقدمة وما يترتب على ذلك من ارتفاع طبيعي في الأجور المحلية، يجري نقل الإنتاج الصناعي بشكل تدريجي إلى مناطق أخرى ذات تكاليف أقل، بما في ذلك أفريقيا.
واختتم البنك تحليله بالإشارة إلى أنه بينما توجد مخاوف مشروعة بشأن مستوى المديونية بالعملات الأجنبية في أفريقيا، يبدو أن السلطات الصينية مهتمة بتخفيف المخاطر عن طريق زيادة الشفافية والامتثال، لتثبت الصين مرة أخرى أن لديها الرغبة في المخاطرة والبحث عن مكاسب أو أرباح مع تحقيق الهدف الوطني المتمثل في تعزيز الأمن فيما يتعلق بالطاقة والمعادن.