تنبهت قطر مبكراً لمسألة الأمن الغذائي لذلك أسست الدولة اللجنة العليا للأمن الغذائي في 2008، محاولة لتحقيق الاكتفاء الذاتي وسد احتياجات السوق المحلية بحلول 2030، من الخضروات واللحوم والألبان والثروة السمكية.
وفيما يؤكد البعض صعوبة تحقيق ذلك، يرى آخرون أنه غير مستحيل، فرغم المعوقات والتحديات المتعلقة بالتربة والمناخ، تبرز عدة فرص تعيد الأمل حول إمكانية تحقيق الاكتفاء الذاتي.
وتبرز أهمية تحقيق الاكتفاء الذاتي من الغذاء في تخفيف عبء الاستيراد عن الميزان التجاري للدولة، حيث شكلت نسبة الواردات من المواد الغذائية والحيوانات الحية خلال العام طبقاً للإحصائيات الربعية للتجارة الخارجية التي رصدتها وجمعتها لوسيل 10606 ملايين ريال والتي تشكل نسبة 8 : 10% من إجمالي الواردات.
ويؤكد رجل الأعمال أحمد الخلف لـ لوسيل أن الأمن الغذائي كلمة مهمة واستراتيجية تعنى بإنتاج ما يمكن إنتاجه محلياً، وتخزين ما يمكن تخزينه لأطول فترة ممكنة لتقوم عليه صناعات تخدم زيادة الإنتاج المحلي، مشيراً إلى أنه لا يمكن تنمية الإنتاج المحلي وخاصة الثروة الحيوانية، بدون استيراد الأعلاف، والتي لا يمكن زراعتها محليا عدا جزء بسيط متعلق بالأعلاف الخضراء وهو لا يغطي المطلوب.
وأوضح الخلف وهو أحد أكبر موردي اللحوم بقطر - أن اللحوم البيضاء من الدجاج والبيض والألبان واللحوم الحمراء تحتاج بالدرجة الأولى إلى الأعلاف واستيراد هذه الأعلاف بالكميات المطلوبة مرتبط بوجود مخازن مهيأة وهي ليست موجودة لدينا في قطر، ويجب توفيرها مع توفير منظومة لوجستية تستطيع أن تنقل الحبوب وتصنعها محلياً بتحولها إلى أعلاف.
وتمثل نسبة زراعة الأعلاف في قطر ما نسبته 54% من إجمالي الزراعات، تليها الخضروات بنسبة 21% ، ثم النخيل بنسبة 20%، ثم الحبوب لنسبة 3%، فالفاكهة بنسبة 2%، وبلغ إنتاج الأسماك 16213 طنا سنوياً، فيما بلغ الإنتاج المحلي من اللحوم الحمراء والبيضاء 15401 طن، وبلغ إنتاج البيض 4338 طنا خلال عام 2014، طبقاً لإحصائيات الزراعة الصادرة عن وزارة التخطيط والتنمية والإحصاء.
زيادة الدعم
ويتفق رجل الأعمال يوسف جاسم الدرويش مع ما ذهب إليه الخلف وقال لـ لوسيل إن قطر تسير في طريق تحقيق أمنها الغذائي والاكتفاء الذاتي، لكن هناك العديد من التحديات والمعوقات التي يمكن التغلب عليها بزيادة دعم الدولة، مؤكداً أن دعم الدولة لأصحاب المزارع وإنشاء شركات جديدة لزيادة أنشطة الاستثمار في مجال الثروة الحيوانية ضروري للغاية.
وأضاف الدرويش أن الدولة أوجدت حلولا لعدم صلاحية التربة للزراعة وأوجدت المياه الصالحة للزراعة عبر تحلية المياه، مشيراً إلى أن بعض زراعات في البيوت الآن كأشجار الليمون وغيرها، مؤكداً أن قطر أنشأت مؤسسات أوكلت لها مهمة دعم الزراعة والثروة الحيوانية، وأملي أن تستفيد أكثر من تجارب بعض الدول في هذا المجال كالسودان وهي أعظم بلد وهبها الله إمكانيات الزراعة لوفرة المياه وخصوبة الأراضي.
بوابة الأمن الغذائي
لكن الخلف يلفت إلى أهمية الخدمات اللوجستية مثل النقل وغيرها يقول إن ميناء حمد الدولي فرصة كبيرة لدى قطر كونه أكبر ميناء في المنطقة، مشيراً إلى أن ميناء حمد هو بوابة قطر للأمن الغذائي، حيث تسمح مخازن وصناعات بدائية تعتمد على الاستيراد ما يمكن استيراده وبالتالي ينمي الثروة الحيوانية بشكل كبير يؤدي إلى الاكتفاء الذاتي مع الوقت.
أما بالنسبة للزراعات من الخضار والفاكهة تحدث الخلف حول الزراعة عن طريق البيوت المحمية بنظام الهيدرو بونيك (الزراعة بدون تربة)، وقال لنا تجربة كبيرة فيها خلال 4 سنوات ونجحنا في ذلك، وبالتالي يمكن تحقيق أمننا الغذائي والدولة لها دور كبير في ذلك .
وتابع الخلف في هذا الصدد التذكير بالبنية التحتية والتشريعات لتشجيع القطاع الخاص لتحقيق هذه الرؤية التي بدأها سمو الأمير 2008 عندما أسس اللجنة العليا للأمن الغذائي، وتنفيذها يجب أن يكون بالشراكة بين القطاع العام والقطاع الخاص، يرى أن القطاع العام يوفر البنى التحتية والأراضي ويدعم القطاع الخاص الذي عليه الدور الأكبر بالتنمية والإنتاج، مشيراً إلى أنه في حال حدوث تكامل بين هاتين المنظومتين فإنه بالإمكان تحقيق هذه الرؤية.
وحول دعم بنك التنمية القطري للمزارع أكد الخلف أن البنك قائم بدوره وواجباته والشروط التي وضعها لدعم المزارعين بالقروض سهلة وليست مجحفة، البنك يعطي قروضا حتى مليون ريال قطري بدون شروط وبدون فوائد، أما ما فوق المليون ريال يحتاج إلى دراسات اقتصادية ودراسات كي يضمن أنها مشاريع ناجحة وهذا طبيعي لحماية الطرفين.
ودعا الخلف الشباب إلى القيام بدورهم في الاستثمار في هذا المجال، مشيراً إلى ذلك ينعش الصناعة ويحقق الأمن الغذائي، كما دعا القطاع الخاص لتشجيع الشباب إلى خوض هذا المجال وتبنيهم ورعايتهم.
الأسواق الجديدة
إلى ذلك، يرى يسري رفعت مسؤول التسويق بالشركة العربية القطرية، أن أسواق المزروعة والوكرة والخور ساهمت في دعم المنتج المحلي، وعززت من قدرة المزارع المحلي على المنافسة، حيث يعتبر المنفذ الخاص لمنتجات المزارع المحلية، ويتم بيع المنتج المحلي فيها بمنأى عن المنافسة وبأسعار أعلى قليلاً من أسعار السوق المركزي.
وكشف رفعت عن انهيار العديد من المزارع المحلية مع عدم قدرتها على منافسة أسعار المنتجات المستوردة، مشدداً على ضرورة حماية المنتجات القطرية المحلية عبر تسويقها، بحيث تشتري الدولة الخضروات بسعر وتقوم بعرضها للمستهلك بسعر آخر.
وطالب بضرورة وقف استيراد الخضروات خلال الأشهر الثلاثة الأولى من العام كإجراء إضافي لحماية المنتج المحلي.
وثمن رفعت جهود الدولة في إطار تحقيق الأمن الغذائي والعمل على الاكتفاء الذاتي من الإنتاج الزراعي والحيواني والأسماك، مشيراً إلى وجود العديد من المعوقات في هذا الصدد، أبرزها درجة الحرارة وتغير المناخ وعدم صلاحية التربة.
وفي إطار الإنتاج الحيواني أكد رفعت أن الدولة استوردت سلالات جديدة من الماشية، ودعمت التجار والمستوردين لاستيراد المواشي خاصة الأغنام والماعز والتي يعتمد عليها في تربيتها للأكل، مشيراً إلى أن 90% من الثروة الحيوانية في قطر تقتصر على الماعز والأغنام.
وبالنسبة لخطة المزارع من الاكتفاء الذاتي قال المهندس الزراعي محمد عبدالعزيز إن هناك 6 شهور فقط للزراعة و6 أخرى تكون غير مهيأة للزراعة لارتفاع درجات الحرارة والرطوبة، مشيراً إلى أن البيوت المحمية ليست بقدر الكفاءة التي تساعد على إنتاج محصول يحقق الاكتفاء الذاتي.
وأوضح أن البيوت المحمية تصل درجة حرارتها 30 درجة مئوية في فصل الصيف، بينما من المفترض أن تصل إلى درجة 24 درجة مئوية لتكون الإنتاجية عالية والثمار جيدة، مضيفاً أن التربة فقيرة بالعناصر اللازمة، والزراعات تحتاج إلى كالسيوم وماغنسيوم وحديد، والمزارع يضطر إلى تعويض هذا النقص بإعطائها للنبات لكن هذا يكون مكلفا.
يوم إضافي
وأشاد عبدالعزيز بالأسواق التي أنشئت مؤخراً في الوكرة والخور والمزروعة، وقال إنها خطوة موفقة للغاية، تم تطبيقها في المرحلة الأولى ثلاثة أيام في الأسبوع من الخميس إلى السبت، والآن يجب افتتاح هذه الأسواق يوما إضافيا في منتصف الأسبوع.
وأكد عبدالعزيز أن هذه الأسواق ساهمت في كسر احتكار دلالة السوق المركزي للمنتجات الزراعية، حيث كان يشكل عبئا وخسارة على المزارع والإنتاج المحلي، مشيراً إلى أن مزارع محلية تشارك في أسواق المزروعة والوكرة والخور.
وأوضح لـ لوسيل أن أصحاب المزارع حريصون على أن تكون أسعار المزروعة والوكرة والخور أقل من أسعار السوق المركزي.
ويسعى برنامج قطر الوطني للأمن الغذائي إلى تطبيق استراتيجية وطنية تهدف إلى تأمين 70% من الاحتياجات الغذائية للبلاد، من خلال تنشيط القطاعات الأربعة الرئيسية: الزراعة، المياه، الطاقة المتجددة، التصنيع الغذائي.
الزراعة
ويشمل برنامج التوسع في القطاع الزراعي إدخال أفضل الممارسات ونموذج عمل زراعي يركز على الكفاءة الاقتصادية والاستخدام الأمثل للموارد النادرة والحد الأدنى للتأثير على البيئة والزراعة المربحة والمستدامة.
وفيما يتعلق بالثروة الداجنة أعلنت وزارة الاقتصاد والتجارة في سبتمبر من العام الماضي عن نجاح ترسية مزايدة المشروع المتكامل للدواجن على شركة دار الريان للاستثمار والتي تقدمت للمزايدة بعطاء مقداره مليار و300 مليون ريال.
ويعتبر المشروع المتكامل للدواجن بتجمعه الزراعي والغذائي، الأول من المشاريع الحيوية في الدولة التي ستساهم في رفع نسبة الاكتفاء الذاتي من الدجاج، والبيض، حيث سيساهم المشروع في إنتاج 40 ألف طن سنويا من الدجاج المحلي ما يشكل نسبة 38 بالمائة من حجم الاستهلاك الحالي منه، مما يرفع نسبة الاكتفاء الذاتي من 7.7% إلى 46%، كما سينتج المشروع 7.5 ألف طن من بيض المائدة سنوياً بنسبة 26.3% من حجم الاستهلاك الحالي منه، والذي بدوره سيرفع نسبة الاكتفاء الذاتي من 15.7% إلى 42%.