بإعلان تحالف الدول المصدرة للبترول (أوبك) والمنتجين من خارجها فيما يعرف بتحالف (أوبك+) فشل الاجتماع الوزاري أمس بعد تأجيله للمرة الثالثة، أصبح سوق النفط أكثر توتراً من أي وقت مضى مع ارتفاع الأسعار لمستويات 77 لأول مرة منذ 5 سنوات. ولم تلفح ما يعرف بدبلوماسية النفط في حل الخلاف ما بين الإمارات وبقية دول تحالف أوبك+ خلال 3 جولات من التفاوض، في ظل التراشقات الإعلامية بين وزراء نفط التحالف.
وتعود أسباب الخلاف بين تحالف أوبك+ والإمارات حول تحديد خط الأساس ما بين أبريل 2020 وأكتوبر 2018 حيث تريد الإمارات تغيير شهر الأساس من أكتوبر 2018 إلى أبريل 2020 عندما كان إنتاجها مرتفعا إلى مستويات 3.8 مليون برميل وعدم ربط قرار زيادة الإنتاج بالموافقة على تمديد الاتفاق، بينما ترى بقية دول التحالف أن تمديد الاتفاق هو الأصل وقرار زيادة الإنتاج هو تزود كما وصفه وزير الطاقة السعودي أمس الأول. وترى أوبك+ أن تغيير شهر الأساس قد يهوى بأسعار النفط ويؤثر سلباً في مصداقية التحالف.
أسئلة كثيرة طرحتها لوسيل على خبراء النفط والطاقة لمعرفة أثر فشل الاتفاق على سوق الطاقة العالمي؟ وإمكانية الوصول لاتفاق أو تسوية في الاجتماع المقبل؟ وهل ستخرج الإمارات عن تحالف أوبك+؟ وتوقعات أسعار النفط والإمدادات خلال الفترة المقبلة؟
مندوبون تحدثوا لـ بلومبيرغ أمس أوضحوا أنه وبعد عدة أيام من المحادثات المتوترة فشل في حل نزاع الإنتاج بين السعودية والإمارات، ولعل التأثير الأكثر لانهيار المحادثات هو تحالف أوبك+ لن يزيد الإنتاج لشهر أغسطس، مما يحرم الاقتصاد العالمي من الإمدادات الإضافية الحيوية مع تعافي الطلب بسرعة من جائحة فيروس كورونا.
ومع ذلك فإن الوضع الحالي ليس نهاية المطاف، وما زال بإمكان التحالف إعادة تنشيط المحادثات في أي لحظة، وقد تواجه ضغوطاً من الدول المستهلكة بسبب القلق من ارتفاع التضخم.
وقالت بلومبيرغ إن الفشل الكبير لكارتيل الطاقة بسبب التوتر بين عضوين أساسيين في منظمة (أوبك) لدرجة أنه لم يكن من الممكن حل وسط، وهذا بدوره قد يضر بالصورة الذاتية للكارتيل كمسؤول كبير عن سوق النفط، مما يزيد من شبح حرب الأسعار المدمرة التي تسببت في تقلبات غير مسبوقة في الأسعار العام الماضي.
وترى بلومبيرغ أن انزلاق تحالف أوبك+ إلى صراع داخلي مرير ألقى بظلال من الشك حول إمكانية التوصل لاتفاق، وقد تعني المواجهة بين الإمارات وبقية التحالف في النهاية أن أوبك+ لن تزيد الإنتاج على الإطلاق وفقاً لأحد المندوبين. وبدون اتفاق سيتم التراجع عن الشروط الحالية التي تدعو إلى بقاء الإنتاج دون تغيير حتى أبريل 2022، وهذا بدوره يمثل ضغطاً على السوق الضيقة بالفعل.
الوضع الحالي في السوق جعل وزير الطاقة السعودي الأمير عبدالعزيز بن سلمان يخرج عن صمته المعتاد ليرسل عدداً من الرسائل قبل ساعات من اجتماع أمس. وقال وزير الطاقة السعودي في مقابلة تلفزيونية: إنه يمثل دولة متوازنة تراعي مصالح الجميع في دورها كرئيسة لأوبك+ ، وإذا كانت هناك تحفظات لدى أي دولة فلماذا سكتت عنها سابقا؟ وتابع: التوافق موجود بين دول أوبك+ ما عدا دولة واحدة.. لا أعرف أن أي دولة اعترضت على حصتها في اجتماع مارس 2020 .
ونوه إلى أن هناك آلية متبعة للتظلمات في أوبك+ أما الانتقائية فصعبة . وتابع: حققنا إنجازات خيالية في 14 شهرًا، يعيب علينا ألا نحافظ عليها.. شيء من العقلانية وشيء من التنازل يخلّص أوبك+ .
وحذر الوزير من عوامل عدم اليقين في السوق النفطية، قائلًا: عوامل عدم يقين لسوق النفط منها متحور دلتا وإنتاج إيران وفنزويلا.. لا أحد يعرف حجم الإنتاج الإيراني الذي قد يأتي إلى السوق .
لمعرفة أساس الخلاف بين الإمارات وتحالف أوبك+، هو أن الطرفين يتفقان على زيادة الإنتاج ويختلفان على خطوط الأساس وهو خلاف جوهري، حيث يجب أن يقيس كل بلد زيادة الإنتاج أو خفضه مقابل خط الأساس. وفي مارس العام الماضي عندما انهارت أسعار النفط قررت دول أوبك+ خفض الإنتاج بمقدار 9.7 مليون برميل لشهري مايو ويونيو وتم تقليص التخفيض إلى 7.7 مليون برميل حتى نهاية 2020 وتلقص التخفيض إلى 5.8 مليون برميل منذ بداية 2021 وحتى أبريل 2022.
كان من المتوقع أن يتم خلال الاجتماع المضي قدماً في توصيات لجنة الفنية لأوبك+ بزيادة الإنتاج بحوالي 400 ألف برميل يومياً لتلبية الطلب المتوقع في الصيف، وتمديد الاتفاق الحالي حتى نهاية 2022 بدلاً من أبريل 2022 باعتبار خط الأساس هو أكتوبر 2018، كما تم في الاتفاق الأول.
وترى الإمارات أن خط الأساس يجب أن يكون 3.8 مليون برميل في اليوم هو مستويات أبريل 2020، بينما ترى دول التحالف أن خط الأساس هو أكتوبر 2018 عندما تم الاتفاق الشهير بخفض الإنتاج وعندها كان إنتاج الإمارات حوالي 3.2 مليون برميل.
وينتهي اتفاق أوبك+ الحالي في أبريل 2022 وعندها ستكون كل دولة قادرة على إعادة التفاوض حول خط الأساس. وتريد السعودية وروسيا، بدعم من جميع أعضاء أوبك+ ، تمديد الاتفاقية حتى نهاية العام المقبل، إلا أنَّ الإمارات ترفض فكرة تمديد الاتفاقية، وذلك إنْ لم يتم تغيير خط الأساس الخاص بها، مما أدى فعلياً إلى قتل الاقتراح الذي تفاوضت عليه موسكو والرياض.
ويرى مراقبون أن كبار المنتجين في تحالف أوبك+ لم يصبحوا اللاعب الرئيسي في سوق النفط العالمي، حيث أصبحت الصين وباعتبارها من كبار المستهلكين تلعب دوراً أيضاً من خلال مخزوناتها الإستراتيجية التي تستطيع استخدامها في حال ارتفعت الأسعار عند مستويات تضغ ضغطاً عليها حيث تمتلك الصين مستويات تخزين (غير معروفة) ولكنها كبيرة بالدرجة التي يمكن أن تؤثر بشكل مباشر على أسعار النفط عالمياً.
يقول الدكتور ممدوح سلامة خبير النفط العالمي في تصريح لـ لوسيل ، إن أسعار النفط ستشهد ارتفاعاً خلال الفترة المقبلة سواء توصل التحالف لاتفاق أم لا، وذلك لأن فشل الاتفاق يعني أنه لن تكون هناك زيادة في الإنتاج وهذا بدوره يدفع بالأسعار نحو الصعود وهذا ما بدأ بالفعل يحدث حيث قفزت الأسعار إلى 77 دولارا. وإذا تم الوصول لاتفاق وتمت زيادة الإنتاج هذا أيضاً بدوره يعطي مؤشرا إيجابيا للأسواق بزيادة الطلب العالمي على النفط مما يساهم في نمو الأسعار.
وخلص الدكتور سلامة إلى أن أسعار النفط ستستمر في اتجاه تصاعدي في حال تم التوصل لاتفاق أم لا، موضحاً أن هناك انفتاحا في الاقتصاد العالمي ونموا بحوالي 6.3% هذا العام وهو ضعف النمو مقارنة بمستويات 2019، قبل انتشار جائحة كورونا، وهذا النمو سيدفع بالطلب العالمي على النفط بالنمو.
وعن مستويات الأسعار المناسبة يرى أن ارتفاع الأسعار عند 80 دولاراً هو الأفضل للجميع ولا يضر بكافة الأطراف خاصة أن غالبية أعضاء دول الأوبك تحتاج لمستويات أسعار عند 80 دولارا.
والسؤال الذي يطرح نفسه هل ستخرج الإمارات من التحالف في حال فشل التوصل لاتفاق في اجتماع تحالف أوبك+ المقبل؟ يجيب الدكتور سلامة قائلاً، إن ما تقوم به الإمارات حالياً هو مناورة لأنها تستثمر بشكل كبير بهدف رفع إنتاجها لأكثر من 4 ملايين برميل كما تزعم وهو رقم مبالغ فيه (يقول سلامة) ولكن ربما تريد الإمارات أن تحصل على حصة أكبر قبل الوصول لاتفاق، بحجة أن حصتها الحالية غير عادلة، وأوبك لن توافق على طلب الإمارات.
ويرى سلامة أن الإمارات لن تجازف بالخروج أو الانشقاق عن تحالف أوبك+ لأنها مثل بقية المنتجين داخل التحالف تستمد نفوذها منها، علماً بأن تحالف أوبك+ أثبت خلال هذه الجائحة أنه أقوى بكثير واستطاع أن يعيد التوازن للسوق العالمي، حتى باعتراف الولايات المتحدة التي تريد مقاضاة أوبك، بالتالي فإن خروج الإمارات سيضعفها في السوق وهي لا تريد ذلك.
وتابع قائلاً: إن تحالف أوبك+ لن يسمح للإمارات بزيادة حصتها الإنتاجية وذلك لأن دولاً أخرى لديها نفس المطالب مثل العراق وليبيا ونيجيريا، بالتالي غير متوقع قبول طلب الإمارات.
ويرى الدكتور سلامة أن فشل الاتفاق بعد تأجيل الاجتماع للمرة الثالثة يعكس تنافساً خطيراً بين السعودية والإمارات، والأخيرة تريد أن تلعب دوراً أكبر في المنطقة في مواجهة السعودية التي هي أكبر اقتصادات المنطقة والخليج ولها قدرات كبيرة وهذا ما لن تقبل به السعودية.
وتابع: الاتفاق سيحصل إذا كانت نوايا الإمارات تتعلق فقط بحصتها من الإنتاج، وأوبك في النهاية تريد الوصول لاتفاق جماعي وقد يؤجلون الاتفاق إلى الاجتماع القادم، ولكن إذا كانت الإمارات تمارس هذا الضغط من أجل ابتزاز حصة أكبر تحت التهديد بأنها قد تنسحب من أوبك فهذا أمر غير مقبول للسعودية وروسيا لأن هذه الدول تريد مصلحة وتوازن السوق العالمي للنفط.
ونوه سلامة بأن تحالف أوبك+ خرج من الجائحة أكثر قوة واستطاع أن يقيد نفوذ النفط الصخري، بالتالي في حال ارتفعت الأسعار عاد النفط الصخري بقوة ستقوم أوبك انتهاج إستراتيجية للدفاع عن حصصها في السوق من خلال إغراق السوق بالنفط بالتالي تعود صناعة النفط الصخري الأمريكي للتراجع والإفلاس.
يرى الدكتور رودي بارودي الرئيس التنفيذي لشركة الطاقة والبيئة (مقرها الدوحة) أن السبب الرئيسي في فشل تحالف أوبك+ في الوصول لاتفاق مساء أمس، هو محاولة من الإمارات لإثبات وجودها في التحالف وتحقيق مكاسب لزيادة إنتاجها خلال الفترة المقبلة. وتوقع بارودي في تصريح لـ لوسيل أن يصل الأطراف لاتفاق لأن الوضع الراهن يتطلب التضحية من الجميع من أجل الحفاظ على توازن السوق، مشيراً إلى أن الموقف السعودي والروسي هو الأكثر أمانا لسوق النفط العالمي، والأسعار الحالية هي أفضل مقارنة بأسعار 2018.
إلى أي مدى مكن يؤثر ذلك على سوق النفط العالمي؟ يقول الدكتور بارودي، إن ردة فعل سوق النفط العالمي أمس كانت متوقعة وقد ترتفع الأسعار خلال الأيام المقبلة، الأمر الذي سيلقي بظلاله على المنتجين ويعجل بضرورة التوصل لاتفاق ما بينهما، بالنظر لمخاوف المستهلكين، وأيضاً حالة عدم اليقين في السوق بسبب انتشار فيروس دلتا المحتور والقيود التي تفرضها عدد من الاقتصادات العالمية مما يؤثر بشكل مباشر على الطلب النفط.
ولا يتوقع الدكتور بارودي حدوث انشقاق في كارتيل أوبك+ بخروج الإمارات من التحالف نظراً لأن إنتاجها من النفط مقارنة بالإنتاج العالمي قليل والأفضل لها البقاء في التحالف، ولكنها حالياً تحاول إثبات وجودها في الكارتيل ولن تجازف من أجل زيادة إنتاجها بحوالي 600 ألف برميل إضافية.
دعا الأمير عبد العزيز بن سلمان وزير الطاقة السعودي، أكبر مصدر للنفط في أوبك، إلى شيء من التنازل وشيء من العقلانية للتوصل لاتفاق، بعد أن فشلت مناقشات على مدى يومين الأسبوع الماضي في إحراز تقدم. لكن أربعة مصادر في أوبك+ قالت أمس إنه لم يحدث تقدم في حل المسألة. وقال محمد باركيندو الأمين العام لمنظمة أوبك في بيان أمس إن الاجتماع تم إلغاؤه دون الاتفاق على موعد للاجتماع القادم.
وقالت المصادر إن فشل المحادثات يعني أن زيادة متوقعة في الإنتاج من أغسطس لن تحدث، وهو ما ساعد في صعود خام برنت القياسي ليغلق مرتفعا 1.2 بالمئة عند 77.10 دولار للبرميل. وأثارت أسعار النفط بالفعل مخاوف من أن يعرقل التضخم تعافيا عالميا من الجائحة.
واستاءت الإمارات بشأن خط الأساس، وهو المرجعية التي تحسب على أساسها تخفيضات الإنتاج وتريد رفعه. وتقول الإمارات، التي استثمرت مليارات الدولارات لزيادة طاقتها الإنتاجية، إنه جرى تحديد خط الأساس لإنتاجها عند مستوى منخفض جدا في الاتفاق الأصلي لخفض الإمدادات. وقالت مصادر في أوبك+ أمس إن موقف الإمارات لم يتغير. وأضافت أن اللجنة الوزارية التي ترأسها السعودية وروسيا، وهي اللجنة الوزارية المشتركة للمراقبة، بحاجة إلى مزيد من الوقت لمناقشة هذه المسألة. كما تقول أيضا إنها لم تكن الوحيدة التي طالبت بخط أساس أعلى لأن دولا أخرى مثل أذربيجان والكويت وكازاخستان ونيجيريا طلبت وتلقت بالفعل أسسا جديدة منذ التوصل لاتفاق خفض الإنتاج للمرة الأولى العام الماضي.
وينبغي تبني قرارات مجموعة أوبك+، وهي تحالف بين منظمة البلدان المصدرة للبترول وروسيا ومنتجين آخرين، بالإجماع. وقالت مصادر أوبك+ إن النتائج المحتملة تشمل زيادة الإنتاج اعتبارا من أغسطس، أو زيادته وتمديد الخفض المتبقي مع إعطاء الإمارات خط أساس جديد أعلى. وأضافت أن أوبك+ قد تمضي قدما أيضا في اتفاق يسري حتى أبريل 2022 ثم مناقشة خط أساس جديد للإمارات في إطار اتفاق جديد.