حسم المنافسة مع نظيره الأمريكي

الغاز القطـــري الأكثر ثقة بالأسواق الآسيويــة

لوسيل

الدوحة- لوسيل

وفق دراسة لمنصة الطاقة الأمريكية، كشفت المناقشات التي جرت على هامش فعاليات مؤتمر أبيك 24 لدول آسيا والمحيط الهادئ الذي تنظمه مؤسسة ستاندرد آند بورز، والذي انعقد في سنغافورة لمناقشة مستجدات الأسواق مؤخراً، أن الغاز المسال القطري يكتسب موثوقية لدى المشترين في السوق الآسيوية، وهو ما عزّز حسمه المنافسة لصالحه مع نظيره الأمريكي. ووفق متابعة للتقارير الصادرة عن المؤتمر من قبل منصة الطاقة المتخصصة بواشنطن، رجح المشترون الآسيويون عقود الغاز المسال المرنة القادرة على مواجهة تقلبات السوق، وتعديل الأحجام المتعاقد عليها وفق معدل الطلب.

تطرّق المشاركون في المؤتمر إلى متغيرات سوق الغاز المسال الدولية مؤخرًا، ومن بينها النمو اللافت للنظر لأسطول الظل لناقلات الغاز المسال الروسي. حيث فاز الغاز المسال القطري بثقة المشترين في السوق الآسيوية، بعد تقييم قوي للتداول مقارنة بالأمريكي. وتكتسب الإمدادات القطرية موثوقية أعلى، رغم ما أبدته العقود الأمريكية من مرونة عدم التقيد بوجهة محددة للصادرات، وفق تفاصيل المؤتمر التي نشرها موقع إس آند بي غلوبال (S P Global).

ويبدو أن قرار الرئيس الأمريكي جو بايدن المعلن نهاية يناير 2024 بتعليق تراخيص مشروعات الغاز المسال الجديدة، كان له أثر سلبي في موثوقية المشترين الآسيويين؛ الأمر الذي عزّز موقف إمدادات قطر. وعزّزت التوسعات التي تشهدها المشروعات القطرية من توقعات إسهامها بربع الإنتاج العالمي من الغاز المسال، بحلول عام 2030، حسب تقرير نشرته بلومبرغ في مارس الماضي. وتُسهم قطر بحصة في واردات عدد من الدول الآسيوية من الغاز المسال، من بينها: الصين، واليابان، والهند، وبنغلاديش، وباكستان، وكوريا الجنوبية، وتايلاند، كما حلّت في مرتبة ثالث أكبر مُصدر عالمي خلال العام الماضي، تراجعًا من موقع أكبر المصدرين عام 2022.

عقود الغاز المرنة

رجّح المشاركون في فعاليات مؤتمر أبيك 2024 استعمال العقود المرنة في اتفاقيات الغاز المسال بالقارة، لما توفره هذه العقود من ضمان لأمن الإمدادات، وقابلية لتعديل الأحجام وفق قوة الطلب أو ضعفه. ومن جانب آخر، تؤمّن هذه العقود الإمدادات، في ظل مخاوف نقص المصادر البديلة للوقود ومواصلة خطط تحول الطاقة وتقلبات السوق. ووفّرت العقود المرنة للتجار إمكان تقديم خدمات نقل للشحنات، لجلب مزيد من المكاسب. وتمنح هذه العقود صلاحيات التحوط من المخاطر لمحطات ومرافق الكهرباء المعتمدة على الغاز، التي تعاني السياسات غير الواضحة خلال رحلة تحول الطاقة وخفض الكربون.

ووفق وثائق المؤتمر، تنعكس المزايا السابق ذكرها إيجابًا على المشترين الآسيويين، ورغم أن هذه الميزات تنطبق تمامًا على عقود الغاز المسال الأمريكي فإن العملاء انتابتهم حالة من عدم اليقين تجاهها، ما عزاه محللون إلى فارق أسعار هذه العقود.

وبرّرت جين لياو استنادها بنظرة المشترين إلى حجم الصادرات الأمريكية إلى أوروبا الآخذة في النمو؛ ما يجعل المشتري الآسيوي يفضّل التعاون طويل الأمد مع الشركات الموثوقة. وأشارت لياو إلى أن التعامل مع موّرد موثوق وتقليدي يتيح مناقشة التحديات التي تواجه المشترين - خلال التوريد - مع البائع، على عكس النهج الأمريكي القائم على شراء الغاز الطبيعي المحلي وإسالته وبيعه. وبعد تقييم مزايا التداولات وعيوبها، انحاز المشتري الآسيوي - وفق محللين - إلى موثوقية إمدادات الغاز المسال القطري، مقابل نظيرتها الأمريكية.

ولفت نائب الرئيس التنفيذي لدى شركة الطاقة الدولية إس إي إف إي (SEFE) فابيان كور، إلى أن العقود المرنة ضرورية للتغلب على عدم اليقين في معدل الطلب.

وأضاف أن الطلب المحلي، وسياسات تحول الطاقة معياران رئيسان لاختيار الشركات نوعية عقود الغاز المسال، بالإضافة إلى تعزيز العقود بمرونة التعديل وقابليته، مشيرًا إلى أن هذه العوامل تعكس الاختلاف بين رؤية المشترين.

موثوقية الغاز القطري

في الوقت الذي يرى فيه المحللون موثوقية أكبر لدى الغاز المسال القطري بالنظر إلى اتجاهات المشترين، ظهر منافس جديد، لكنه يتمتع بفرص محدودة حتى الآن. لفت المشاركون في مؤتمر أبيك 24 إلى أن العقوبات التي تهدد الغاز المسال الروسي تعزّز حالة عدم اليقين تجاه توقيع عقود مع موسكو، إذ قد تفتقر الإمدادات حينها إلى الموثوقية رغم انخفاض سعره لمحاولة جذب المزيد من العملاء. وتسعى موسكو لتعزيز أسطولها من ناقلات الظل لنقل مزيد من شحنات الغاز المسال، أسوة بخطتها لاستمرار نقل النفط الخام ومشتقاته دون التقيد بالعقوبات.

وأكد محلل أن فرص الغاز المسال في الشحن على متن هذه الناقلات أقل حظًا من النفط، خاصة أن ناقلات الغاز لم تشهد نموًا واسع النطاق بالقدر الكافي لبث الطمأنينة حتى الآن، وإن موسكو تعوّض أسعار إمداداتها المنخفضة بتكلفة شحن أعلى مثلما يحدث مع شحنات النفط، ما يثري مكاسبها.

وفي المقابل، حذّر معنيون بالشحن على متن ناقلات الظل أن فرص الغاز المسال قائمة، لكنها مهددة في الوقت ذاته بالعقوبات التي تتصاعد يومًا بعد يوم. وأطلق آخرون جرس إنذار من تداعيات الاعتماد على الاستيراد من موسكو، بالنظر إلى أن ناقلات الظل القديمة والمتهالكة قد تعرّض الشحنات للتسرب أو التوقف، ما يجعل غاز روسيا المسال في نهاية الأمر إمدادات غير موثوقة.

تغير خريطة الشراء

يحتل الغاز المسال القطري والأمريكي مساحة كبيرة على خريطة الإمدادات العالمية، وخاصة بعد انسحاب روسيا من مشهد الطاقة في أعقاب غزوها لأوكرانيا. وتمثل قطر والولايات المتحدة مجتمعتين 40 % من سلسلة توريد الغاز المسال العالمية حاليًا، كما يمتلك البلدان وفرة من الغاز منخفض التكلفة، وأسعارًا تنافسية، وشراكات تجارية ذكية، وفق ما طالعته منصة الطاقة المتخصصة. وبناءً على ذلك، توقّعت شركة أبحاث الطاقة وود ماكنزي أن تتجاوز حصة الغاز المسال القطري والأمريكي بالسوق العالمية حاجز 60 % بحلول عام 2040.

أعد التقرير 4 من كبار محللي الشركة؛ هم: كبير المحللين سيمون فلاورز، ومدير أبحاث الغاز والغاز المسال الأمريكي دالس وانغ، ونائب رئيس أبحاث الغاز والغاز المسال ماسيمو دي أودورادو، ورئيس أبحاث أصول الغاز والغاز المسال غيلس فيرر.

وكشف خبير الغاز والهيدروجين في منظمة الأقطار العربية المصدرة للبترول أوابك، المهندس وائل حامد عبد المعطي، أبعادًا جديدة حول قرار الرئيس الأمريكي جو بايدن بتعليق موافقات محطات إسالة الغاز الجديدة وتراخيصها في البلاد.

وأبرز عبد المعطي جانبًا مهمًا للتداعيات المستقبلية للقرار، إذ أكد تغيير خريطة الشراء في السوق العالمية لصالح صادرات الغاز المسال القطرية، حسب ما تابعته منصة الطاقة المتخصصة.

ويقول خبير أوابك، إن صادرات الغاز المسال القطرية قد تجد طريقًا أوسع نطاقًا لها في السوق الدولية، والاستفادة من القرار الأمريكي بتوقيع عقود جديدة لإنتاج مشروع توسعة حقل الشمال العملاق، وفق تصريحات خلال مقابلة مع إحدى الفضائيات. وتابع أن توسعة الحقل القطري تعزز الطاقة الإنتاجية للدولة بنحو 49 مليون طن سنويًا، كاشفًا أنه - حتى الآن - وُقِعت 7 عقود جديدة بشأن إنتاج الحقل، بما يعادل 21 مليون طن سنويًا.

وبحسب خبير أوابك، تُشكل التعاقدات الجديدة لصادرات الغاز المسال القطرية حصة قدرها 43 % من حجم توسعة حقل الشمال.

تداعيات قرار بايدن

فسَّر المهندس وائل عبد المعطي تداعيات قرار الرئيس الأمريكي، مشيرًا إلى أن التعليق سيشمل 6 محطات كانت تنتظر الحصول على ترخيص، تصل طاقتها الإنتاجية إلى 71 مليون طن سنويًا.

وأوضح خبير أوابك، أن النطاق الزمني الذي كان متوقعًا لتنفيذ المشروعات الـ 6 سيتغير، وقد يدفع ذلك نحو إرجاء قرار الاستثمار النهائي بشأنها لمدة تزيد على عام أو عامين، وبالتبعية يؤثر في حجم إمدادات السوق المستقبلية نهاية العام الجاري 2024.

وأضاف أن القرار لم يشمل 7 محطات إسالة عاملة تصل طاقتها الإجمالية إلى 90 مليون طن سنويًا، كما نجت منه 5 محطات قيد البناء بطاقة إجمالية تزيد على 70 مليون طن سنويًا كانت قد حصلت على الموافقات في وقت سابق.

وبخلاف المكاسب التي قد تحصل عليها صادرات الغاز المسال القطرية بالاستفادة من القرار الأمريكي، لفت خبير أوابك إلى أن موقف بايدن يؤثر في المشترين بالسوق، إذ قد يعدّلون وجهتهم نحو مشروعات أخرى حظيت بالموافقات اللازمة.

وقال عبد المعطي إن الأسواق المستقبلة لصادرات الغاز الأمريكي قد تساورها الشكوك حول تداعيات قرار بايدن السياسي على أمنها الطاقوي.