إنسانية قائد وعدالة قانون

رغم حجم الفاجعة التي خلفها حريق مجمع فيلاجيو التجاري، إلا أنه كشف أيضاً عن قدر كبير من المسؤولية، سواء تلك التي أبدتها السلطات المختصة، أو القطريون والمقيمون. فلقد جاءت زيارة نائب الأمير ولي العهد سمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني إلى عوائل الضحايا أمس، لتكون بلسماً ودواء، مؤكدة على نبل المشاعر الإنسانية التي كانت ولا تزال شعاراً ميّز قطر، وجعل منها أنموذجاً إنسانياً يستحق الثناء والتقدير. لفتة سمو نائب الأمير الإنسانية كانت متميزة، وتحمل بين ثناياها الكثير من التعاطف والمشاعر الإنسانية التي لا تميز بين إنسان وآخر، وتعلي قيمة النفس البشرية التي كرمها الله. لقد قال سمو نائب الأمير مخاطباً عوائل الضحايا أمس: «إن الذين فقدناهم هم أبناؤنا» عبارة اختصرت كثيراً من الكلام، وأكدت من جديد على التعامل الإنساني الكبير الذي يحظى به جميع من يعيش على هذه الأرض الطيبة. ولأن القانون سيد وبوابة لتحقيق العدالة، جاءت الإجراءات المتخذة من قبل الجهات المختصة لتثبت أن لا أحد فوق القانون، فهو الذي يجب أن يسود، وهو الذي يجب أن يخضع له الجميع بلا تمييز أو تحيّز، حتى لا نفجع مرة أخرى بكارثة أخرى لا قدر الله. لقد رفعت قطر القانون شعاراً لها، وأعلت من شأنه؛ لأنها تدرك جيداً أن بغير القانون لا يمكن أن تنهض الأمم، وبناء دولة المؤسسات يتطلب إجراءات قانونية تتلاءم وطبيعة المرحلة، وبالتالي جاءت الإجراءات القانونية المتخذة بتوقيف من له صلة بالحادث، لتؤكد مجدداً على صوابية النهج الذي تتخذه قطر. نعم إن الفاجعة كانت مؤلمة، وأثارت الكثير من التساؤلات حول إجراءات السلامة، والبحث عن جوانب التقصير التي أدت إلى وقوع هذا العدد من الضحايا، ولكن ما تبع ذلك من إجراءات لتفعيل القانون والضرب بيد من حديد على كل من تسبب في وقوع تلك الفاجعة، أرسل رسائل اطمئنان إلى الجميع بأن عين القانون ساهرة لا تنام، وأنها لن تترك مَن تسبب في تلك الفاجعة ليفلت من عقابه. الجميع اليوم مشغول ويسعى لمعرفة ما ستسفر عنه نتائج التحقيق؛ لأن سلامة الجميع تبدأ أولاً من سلامة الإجراءات المتخذة، ولا تنتهي بتفعيل كل الإجراءات القانونية في ملاحقة المقصرين. نحن لا نريد أن ننتقم من أحد، ولا أن نوغر النفوس ضد أحد، ولكن فقط نريد لتلك الإجراءات القانونية التي اتُخِذت أن تسير باتجاهها الصحيح، وأن تقف على كل الأسباب التي أدت إلى وقوع الحادث، لنطوي بها -ومن خلالها- آخر صفحة من صفحات حوادث الحرائق التي غالباً ما تداهمنا مع بداية كل صيف. عندما قادت قطر شعلة التغيير وبناء دولة المؤسسات، كانت تدرك أن ذلك ليس بالأمر السهل، وأن دونه الكثير من الصعاب والعقبات، غير أن ذلك لم يمنع أن تخطو الدولة بمؤسساتها القانونية والتشريعية قدماً في سبيل إنجاز وبناء دولة المؤسسات، الدولة التي تمثل للجميع غايةً وسيلتها إعلاء شأن القانون. لقد علمتنا الفاجعة دروساً عدة، ليس من بينها التراخي والإهمال، وليس من بينها أيضاً القفز فوق القانون، وهو ما يمكن أن يكون بداية صحية لانطلاقة متميزة في طريق بناء دولة المؤسسات والقانون. اليوم، بات الجميع أمام تحدي مرحلة جديدة، فالأكيد أن ما قبل الحريق الفاجعة لن يكون مثل ما بعده، فنحن اليوم مطالبون أكثر من أي وقت مضى، كإعلام محلي رصين، بأن نمارس دورنا الرقابي، وأن نساهم في تشخيص الأخطاء، كي نكون عوناً لسلطة القانون. تحية لتلك الالتفاتة الإنسانية واليد الحانية التي وصلت إلى عوائل الضحايا، وكانت قريبة منهم، تحية لتلك المشاعر النبيلة التي أبداها سمو نائب الأمير ولي العهد لعوائل الضحايا. وتحية لكل من سعى ويسعى من أجل أن يقف على أسباب الحادث، ولكل من جعل القانون سيفاً على الجميع، لا يميز في الحق بين إنسان وآخر، خدمة لقطر الحاضر والمستقبل.