ما الجديد يا مدفيديف؟

في تصريحات تعد نادرة، قال رئيس الوزراء الروسي ديمتري مدفيديف في لقاء مع شبكة «سي. إن. إن»: إن الرئيس السوري بشار الأسد ارتكب «خطأ فادحاً، قد يكون قاضياً» لأنه تأخر كثيراً في تطبيق الإصلاحات السياسية. بالنسبة لمدفيديف فإن فرص الأسد في البقاء في السلطة «تتضاءل». والسؤال الذي يطرح نفسه هنا.. لماذا تأخر هذا التصريح الروسي؟ هل يعتقد رئيس الوزراء الروسي أن حديثه الآن عن تضاؤل فرصة بقاء بشار الأسد ما زال حديثاً ممكناً، بعد أن ارتكب كل هذه المجازر والفظائع التي قيّدت على أنها مجازر ضد الإنسانية؟ ثم أين كان مدفيديف خلال عامين من عمر الثورة السورية ضد بشار الأسد؟ ألم تساعد روسيا بشار الأسد للفتك بالشعب السوري؟ ألم تكن هي الداعم الأكبر لهذا النظام حتى وصلت الجرأة ببعض المسؤولين الروس إلى التصريح قبل نحو يومين بأن شحنات السلاح الروسي ما زالت تتدفق للنظام السوري؟! ألم يخرج مدفيديف بتاريخ 17 يناير الماضي في تصريحات لصحافيين فنلنديين وهو يؤكد على أن رحيل الأسد لن يحل المشكلة؟ ألم يقل مدفيديف إن المعارضة والنظام يتحملان مسؤولية الدمار في سوريا؟ ألم يصف مدفيديف بتاريخ 27 مارس من العام الماضي أن فكرة رحيل الأسد «قصيرة النظر»؟ لقد كانت الأزمة السورية واضحة المعالم، وحلها -لو توافرت إرادة دولية حقيقية- كان واضحاً، غير أن المجتمع الدولي اكتفى بالنظر من بعيد للشعب السوري، بينما وقفت روسيا بقوة إلى جانب النظام السوري، بل دفعت بمزيد من قواتها إلى قاعدة طرطوس، حتى كاد العالم يعتقد أن الثورة ليست ضد النظام السوري وحده، وإنما ضد النظام الروسي أيضاً. والأهم من كل ذلك -برأيي- التوقيت، ترى هل بدأ يشعر رئيس الوزراء الروسي أن ما يمكن أن يطول نظام بشار الأسد بعد سقوطه من اتهامات بارتكاب جرائم ضد الإنسانية، يمكن أن يطول رموزاً في النظام الروسي؟ خاصة أنهم وقفوا داعمين لهذا النظام بكل قوة، وارتفعت ترسانة الجيش السوري من العتاد الروسي خلال الأزمة ارتفاعاً كبيراً، حتى سمح للنظام السوري بجلب مزيد من الأسلحة الروسية لم يكن مسموحاً له سابقاً بشرائها. المشهد السوري سوف يتغير إذا ما تتابعت تصريحات الروس في الاستغناء عن نظام بشار، وربما سنشهد خلال فترة قريبة سقوط نظام، اعتقد البعض أن الأطراف الدولية الداعمة له لن تتخلى عنه. وإذا كان الشيء بالشيء يذكر، فلعلنا نستذكر الموقف القطري والرسائل التي بعثتها دولة قطر إلى بشار في بدايات الأزمة تدعوه فيها إلى الحوار مع شعبه مباشرة، بعد أن انطلقت شرارة الثورة الأولى من درعا، قبل أن يتسع حمام الدم، ولكن بشار الأسد أبى واستكبر. إن موقف قطر في بدايات الأحداث وقبل أن تصبح ثورة اتسم بالنضج، وكذلك بعد أن انطلقت الثورة وتوسعت لتعم كل أرجاء سوريا، وبرهن مرة أخرى على أن لدولة قطر استراتيجية موفقة في اختيار المكان المناسب للوقوف، إذ أعلنتها صريحة فيما بعد قائلة إن حل الأزمة السورية لن يتم إلا بتخلي الأسد عن السلطة، بعد أن ماطل وسوّف وضيّع كثيراً من الوقت، واتضح للقريب والبعيد أن هذا النظام يكذب. إن دولة قطر اليوم تؤكد مجدداً موقفها الداعم للشعب السوري، عبر إقامة الحملة القطرية لمساعدة الشعب السوري في الخارج وفي داخل الأراضي السورية، والتي أمر بها حضرة صاحب السمو الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني أمير البلاد المفدى، بالإضافة إلى ما تفضل به أمس سمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني ولي العهد -حفظه الله- بالتكفل بكافة النفقات الدراسية للطلبة السوريين اللاجئين في دولة قطر. هكذا كانت المواقف يا سيد مدفيديف، وعلى دولة تزعم أنها عظمى أن تستفيد من التجارب، وأن تترك لغة الاستعلاء والتجارة بدماء الشعوب البريئة، تحقيقاً لمصلحة هنا أو هناك. نترقب أياماً قد تكون حاسمة في الملف السوري، سائلين المولى -عز وجل- أن يكتب للسوريين خلاصاً قريباً من مأساتهم التي طالت.