الإرادة المشتركة

لم يكن اجتماع مجلس الدفاع الخليجي المشترك في الدوحة مجرد واقعة طارئة، بل لحظة مفصلية أظهرت أن الخليج، بكل ثقله السياسي والاقتصادي، يواجه تحدياً واحداً لا يقبل التجزئة. فالتهديدات التي تحيط بالمنطقة تتطلب يقظة مستمرة، وقراراً واحداً يحمي الأمن والاستقرار لجميع الدول الأعضاء في آن واحد. التوصيات التي خرج بها الاجتماع لا تقف عند حدود الإجراءات، بل تكشف عن رؤية أوسع وأكثر استراتيجية، منظومة إنذار مبكر، صورة جوية موحدة، خطط دفاعية محدثة. مؤشرات تدل على أن التفكير الأمني الخليجي لم يعد ينظر إلى التهديد بوصفه ظرفاً عابراً، بل باعتباره اختباراً لبناء قوة ردع مستدامة، تتجاوز ردود الأفعال إلى صياغة موازين جديدة للقوة، تعكس قدرة المجلس على الاستجابة لأي طارئ بسرعة وفعالية. البعد السياسي لهذه الخطوات لا يقل عمقاً عن بعدها العسكري. فالإجماع على موقف موحد هو إعادة تعريف للتضامن الخليجي، حيث لا يصبح الأمن مجرد تنسيق عسكري، بل ترجمة لإرادة موحدة، وتأكيد أن الخليج لا يُدار بعواصم متفرقة، بل بإرادة واحدة تُترجم إلى خطة عمل مشتركة تنسجم مع مصالح الجميع. بطبيعة الحال، لن يكون الطريق ممهداً، فالتفاوت في القدرات، ومتطلبات بناء منظومة معلوماتية مشتركة، وكلفة البنى الدفاعية، كلها عقبات حقيقية، لكنها ليست مستحيلة. التحديات الكبرى كثيراً ما تكون امتحاناً للإرادات، فإذا نجح المجلس في تحويل هذه التوصيات إلى واقع، يكون قد دشّن فعلاً مرحلة جديدة، حيث يصبح الأمن قضية مصير مشترك، ويغدو الردع عنواناً لوحدة الإرادة. ما يميز هذه المرحلة عن سابقاتها هو إدراك دول مجلس التعاون الخليجي أن أمن كل دولة عضو بات مرتبطاً مباشرة بصلابة المنظومة بأكملها، وأن المعادلة الجديدة للأمن لا تقاس بالمقاييس الفردية، بل بالتكامل والجاهزية الموحدة، مما يعكس نضجاً استراتيجياً متقدماً وقدرة على الصمود أمام أي تحديات مستقبلية.