كاميرون المتطرف

يواجه رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون هذه الأيام موجة من الانتقادات من النخبة البريطانية لوصفه المملكة المتحدة بالدولة «المسيحية» في تصريح له مؤخراً، وقد أدى هذا التصريح في دولة يصف أقل من نصف سكانها أنفسهم بأنهم مسيحيون إلى موجة من الانتقادات لا سيما من النخبة البريطانية من أدباء وحائزي جوائز نوبل وسياسيين، حيث تقدم نحو خمسة وخمسين من هذه النخبة برسالة مفتوحة نشرت في الصحف البريطانية تهاجم ديفيد كاميرون وتصفه بالطائفية، وتتهمه بإثارتها في دولة لطالما كانت مسيحية بالاسم فقط، منذ أن ثار ملك بريطانيا على البابا منذ أكثر من خمسمائة عام. وتأتي هذه التصريحات غير المسؤولة من رئيس الوزراء البريطاني على أعقاب الحملة التفتيشية التي أطلقتها حكومته ضد «أنشطة الإخوان المسلمين في بريطانيا» وعلاقتهم بالإرهاب، ومن المؤسف أن تقف بريطانيا اليوم غير مستفيدة من دروس التاريخ لتصف «فلاناً» بأنه إرهابي أو حركة بعينها أنها إرهابية في هذا التوقيت تحديداً، متجاهلة الواقع الفعلي على الأرض، وتاريخ بريطانيا في التعامل مع الشعوب، ولكننا قد نتفهم ما فعله السيد كاميرون وحكومته بأمرهم «التفتيش» هذا إذا ما عرفنا أنه أتى كما نشرت صحيفة الغارديان البريطانية إثر «ضغوطات من حلفاء» من بينهم دول عربية والولايات المتحدة الأميركية، وقد نشرت الصحيفة هذا الخبر بناء على معلومات تقول إنها حصلت عليها من «مصادر موثوقة» في الحكومة البريطانية. أستغرب هذه التصريحات والأفعال غير المسؤولة والمستفزة من السيد كاميرون تجاه العالم الإسلامي والمجتمع الإسلامي في بريطانيا من جهة، وموقفه وحكومته من التغيرات العربية وحريات الشعوب العربية من جهة أخرى، ألم يسأم هو والغرب من «دعم» الحكومات المستبدة في المنطقة؟ أيعلم أن المملكة المتحدة لم تعد «إمبراطورية»، وأن أسلوب التحالف مع الشيطان لم يعد يجدي نفعاً بل أتى على دول غربية كثيرة «بمصائب» أخرى وأعباء أمنية وسياسية جديدة؟ ألم يتعلم السيد كاميرون «الأنجليكاني» من سلفه السيد بلير الذي تولى منصبه أنجليكانياً وتنحى منه كاثوليكياً، ألم يتعلم من فشله في الأخير أي شيء؟ تلك هي الأسئلة التي تتردد اليوم ضمن الأوساط الدبلوماسية وستحدد طبيعة العلاقات العربية/الإسلامية مع الحكومة الحالية في بريطانيا مستقبلاً. الرأي الأخير... قد أتفهم أن سياسة «التقشف» البريطانية والتي تلازم زيادة في المصروفات العامة –وهو الشيء الذي لا يعقل– قد وضعت الحكومة البريطانية في وضع حرج، وقد أتفهم بأن تؤدي تلك السياسات الاقتصادية «العوجاء» بالسيد كاميرون إلى البحث عن حلول «غير تقليدية» مثل اللجوء إلى «الحلفاء» كما وصفتهم الغارديان، وفعل ما يريدونه كي يرموا له بطوق النجاة «المالي» في زمن «التقشف»، خاصة أن بريطانيا على أبواب انتخابات عامة بعد عدة شهور، ولكن ما لا أتفهمه بل أستغرب منه كثيراً هو أن تقوم الحكومة البريطانية وعلى رأسها السيد كاميرون بالإدلاء بتصريحات خرقاء، والقيام بإجراءات توصف بالتطرف والطائفية دون أن تتوقع أي رد فعل من الداخل قبل الخارج كما بدأ يحدث الآن، ولكنه ربما قد آمن بنظرية «أنا أسير من أعطاني المال» قبل إيمانه بمسيحية بريطانيا، فهل يستبدل كاميرون «درهم» الغفلة «بدينار» الحكمة؟. (أحمد الله أن البريطانيين لا يطبقون ما يكتبون – الفيلدمارشال رومل) إلى اللقاء في رأي آخر.