


عدد المقالات 122
نستمر في هذا الأسبوع في سرد حقائق المراقبين العرب من واقع تجربتي التي كانت وما زالت الأساس في تقييمي لموقف الجامعة العربية، وبعض الدول العربية المتخاذل اليوم تجاه الأزمة السورية، بعد مرور عام على فشلها، وما يزيد عن عامين على الثورة السورية وحرب الإبادة التي شنها النظام البعثي المتوحش تجاه أبرياء سوريا وأحرارها. ردهة الفندق «الهوليوودي» كانت ردهة فندق شيراتون دمشق تعد الواجهة غير الرسمية للمراقبين العرب والمراقبين الأمميين من بعدهم، فكانت الردهة أشبه بردهة أحد فنادق باريس إبان الغزو النازي لها، مكتظة برجال الأمن والجيش والصحافيين وبعض المراقبين، حيث تقاسم النزلاء جميعاً تلك الردهة، ليحتفظ رجال الأمن بالمقاعد التي كانت لدى الحانة، وأما الصحافة الغربية فكانت لهم بعض الكراسي والطاولات في الردهة الشرقية، وأما ما بينهم من مقاعد فكانت لصحافة «البعث»، وهنا نأتي للمراقبين العرب حيث كانوا دائماً في الطرف الجنوبي من الردهة، وكانت الطاولة القريبة من النافذة في زاوية منعزلة هي لنا أنا ورفقائي من مراقبي قطر والخليج. نعم إنه تقسيم أشبه بالتقسيم «الجيوبولوتيكي» أكثر من كونه ردهة فندق، فأينما اخترت أن تجلس كانت ميولك وولاءاتك، وبين كل هذا «وحفنة من الكومبارس» الأمني ممن يزورون الفندق للعب دور النزلاء، أصبحت ردهة فندق شيراتون دمشق أشبه بفنادق هوليوود المزيفة، والتي صنعت للتمثيل فقط، وكان الهدف من كل هذا طبعاً المراقبة اللصيقة لأي مراقب عربي أو صحافي أجنبي كي لا يصل أحدهم إلى الحقيقة، نعم مراقبة المراقب، فكانت عملية الخروج إلى العالم «الحقيقي» للمراقبة ومشاهدة المآسي صعبة للغاية، وعندما ينجح المراقب منا في الوصول إلى قرية ما أو سجن معين، سارع النظام «بتطهير» تلك المواقع من «غير المرغوب فيهم» قبل وصولنا، حيث شاهدنا آثار ذلك في البيوت المهدمة وآثار التعذيب على السجناء، والكشوفات تلو الكشوفات لأسماء المفقودين، آلاف ممن أخذوا من شبيحة النظام وعادوا جثثاً إلى أهاليهم، حقائق رُصدت ولكن البعض -كرئيس بعثة المراقبين سعادة الفريق الدابي- رفض إيصال تلك الحقائق للعالم على أكمل وجه «لسبب أو لآخر». لقد تحدثت في مقال الأسبوع الماضي عن شخصية غريبة في ردهة الفندق الهوليوودي هذا، وهو صاحب السيجار الكوبي والبذلة الفارهة، وقد اكتشفت بعد عدة أيام من وصولنا إلى دمشق أن هذا الرجل هو مدير الأمن السياسي لمدينة دمشق، وكان قد استقر في فندق الشيراتون معنا، وجعل من مركز رجال الأعمال في بهو الفندق مقراً مؤقتاً له، وفي إحدى الليالي -حيث كنت جالساً مع بعض رفقائي في «مقاطعتنا» الخاصة بردهة فندق الشيراتون- أقبل علينا مدير الأمن السياسي «الأنيق» مبتسماً وهو يلقي علينا السلام، فنرد عليه السلام باستثقال، فقال: «شو شباب، إن شاء الله مرتاحين؟»، وكأننا في نزهة، فنرد عليه وأصوات القصف تُسمع من بعيد: «الحمد لله»، فقال: «أنتم ضيوفنا ونحن نكرم الضيف»، فهمس لي صاحبي «فلماذا لا ينزع كاميرات المراقبة من غرف النوم؟ أم أن هذا من إكرام الضيف؟»، فقلت له: «نحن هنا لواجب محدد نكمله ونعود وأما عن كرم الضيافة فقد قمتم (بالواجب وأكثر)»، فرد علي ضاحكاً «لا شو ترجعوا إنتو ضيوفنا مستحيل نخليكو»، وعاد إلى مكتبه وهو مبتسم، بالطبع لم تنفع معنا أساليب «الحرب النفسية» تلك، والتي ربما فشل هو في اختيار من يطبق مثل تلك الأساليب عليه، ولكن ماذا عن بقية المراقبين فكم منهم من استسلم لمثل هذه التهديدات المبطنة، أو تحول إلى شيطان أخرس يسكت عن نقل الحقيقة نتيجة ضميره الضحل، أو لأسباب أخرى؟ ربما لن نعرف الإجابة، ولكنهم بلا شك كثر. وحينها كنت قد توقفت عن كتابة مقالاتي أثناء وجودي في بعثة المراقبين العرب، كي أتفرغ للعمل الإنساني وبحيادية لم تستمر، لما شاهدته هناك من مآس، وكان توقفي عن الكتابة حتى لحظة تحدثي مع القاتل الأنيق ذي السيجار الكوبي، فكان مقالي الأول من سوريا في اليوم التالي على صفحات صحفنا القطرية، مقال انتقدت به النظام السوري من عقر داره وفي «ضيافته». المقر الآخر ومع كون فندق الشيراتون هو المقرر الفعلي والسكن شبه الدائم لبعثة المراقبين العرب، إلا أنه كان للبعثة مقر آخر «رسمي»، مقر لرئيس بعثة المراقبين ومعاونيه -وممن كان يرضى عنهم- وفي الحقيقة كان يوجد بعض الذين كانوا في إدارة الدابي الخاصة ممن لم يعجبهم أسلوب سعادته في إخفاء الحقائق لسبب أو لآخر، إلا أن غالبية فريقه الخاص، والذي لم يتعدَ عدده أصابع اليد الواحدة أحياناً، كانوا معه قلباً وقالباً وضميراً أيضاً للأسف، وإلى اليوم لا أستطيع أن أجزم ما هو الدافع وراء «طمس» سعادة الفريق حقائق ما شاهدناه، إلا أنني أجزم بأنه قد طمس الحقيقة فعلاً، لغرض لا يعلمه إلا هو والنظام والله رب العالمين. وقد تم اختيار هذا المقر «الآخر» بالاستيلاء على مكتب الجامعة العربية لمقاطعة إسرائيل في دمشق، وكان المقر هذا قريباً من الفندق في أحد الأحياء المرموقة في العاصمة السورية، وكان مديره وممثل الجامعة هناك هو «ثعلبنا العجوز»، والذي ذكرته في مقالي السابق، وقد لقب بالثعلب العجوز لدهائه في اتخاذ مواقفه، فتارة مع الشعب وتارة أخرى مع النظام، فقد كان –رغم كبر سنه- «سياسياً بارعاً»، ولكن بالمعنى الآخر للسياسة، والتي وصفها أحدهم ذات مرة، بفن «الكذب» الممكن. ومن هذا المكتب المتهالك -كتهالك القضايا التي مثلها في الماضي- كانت تدار عمليات المراقبين العرب، وتعقد الاجتماعات السرية للدابي، وتُكتب التقارير من قبل فريقه بعيداً عن أنظار باقي المراقبين، فخارج مكتب الدابي وفي شتى أنحاء سوريا كانت تحدث المجازر تلو المجازر، وأما داخل مكتب «سعادته» فارتكبت في حق الحقيقة أكبر مجزرة، فطمست الحقائق وعُدلت التقارير، فلم يفلح هو أو من أتى بعده من مراقبين أو مبعوثين خاصين للأزمة السورية، لأنه وبكل بساطة ليست هكذا تنصر الشعوب المستضعفة. نائب قائد قطاع دير الزور في إحدى المهام أصدر الدابي «فرماناً» بإرسال بعض المراقبين العرب إلى مدينة دير الزور، وأصدر أمراً مكتوباً تم إرسال نسخة منه إلى الحكومة السورية بتعيين فريق مصغر للمراقبين العرب، أغلبهم من دول الخليج، لمراقبة الأوضاع الأمنية والإنسانية في دير الزور، وفي كتاب أشبه بالمخاطبات العسكرية، والتي عكست «خبرة» سعادة الفريق السابقة في إصدار «الأوامر»، تم تعيين «قائد» لفريق المراقبين العرب عن قطاع دير الزور وتم تعييني نائباً له، وكان الأمر «المكتوب» في غاية الغرابة، حيث إن من واجبات المراقبين العرب الذهاب إلى منطقة ما دون إخطار للسلطات بهذه الطريقة كي لا يستعدوا بإخفاء المواطنين أو قتلهم قبل أن نصل، إضافة إلى ذلك فإن المراقبين العرب كلهم سواء، ولا أنظمة للقيادة أو غيرها من الأنظمة العسكرية في واجب «مدني» دبلوماسي ذي طابع إنساني! فمن أين أتى بكل هذا «سعادته»، أم أنها قد أعطيت له من طرف آخر ليوقع فقط؟ ولكننا ورغم ذلك كله توجهنا براً «وبمرافقة» أمنية للنظام باتجاه مدينة دير الزور السورية شرق البلاد، وبحلول المساء دخلنا المدينة والتي كان يسودها الظلام والهدوء كمدينة بانتظار غارة جوية، وقد علمت فيما بعد أن هذا الوصف لم يكن بالبعيد عن الواقع المؤلم فما هي إلا ساعات وقد بدأ القصف فوق رؤوس الأبرياء. بعد دقائق من دخولنا إلى المدينة لاحظنا سيارة «المرافق» وقد أسرعت فجأة ولم نستطع اللحاق بها فوراً، ومع حدوث ذلك وكأنما حدث بأمر مايسترو لفرقته الموسيقية أو مخرج سينمائي لممثليه، خرجت علينا الجموع فجأة من بين المباني والأزقة في المساحة بيننا وبين سيارة «الأمن» الهاربة، فانقضوا بالعصي وبعض الأسلحة البيضاء على موكبنا في محاولة تكرار ما حدث لبعض الإخوة المراقبين من الكويت الشقيقة، عندما نصب لهم الكمين، وأدى إلى إصابات بليغة لدى بعضهم، وكادت تنجح مهمتهم لولا الرعاية الإلهية وبراعة سائق سيارتنا «القطري»، والتي أنقذتنا من كمين مؤكد، وبأضرار بسيطة في السيارة، تأسف لنا رجل الأمن فيما بعد، وتعذر بأنه لم ينتبه بأننا لم نلحق به، وكأنه يعتذر لنا عن عدم نجاح الكمين، ومع اقترابنا من مقرنا، وهو فندق قديم على ضفاف نهر الفرات -والذي لم نكتشف وجوده إلا فجر اليوم التالي لانشغالنا بالاستعدادات للمراقبة- وجدنا جمعاً غفيراً من مؤيدي النظام و»شبيحته» قد حاصروا الفندق، واستمر الحصار طوال الليل والنهار لمنعنا من القيام بواجبنا. للأسف العمليات العسكرية، والتي بدأت مع فجر اليوم التالي وأوامر الدابي بالانسحاب من دير الزور بعد «24 ساعة» فقط على وصولنا، حالتا بيننا وبين القيام بواجبنا بشكل دقيق كمراقبين، فبين قوات النظام ورئيس البعثة لا أعتقد أن أحداً كان يرغب للحقيقة بأن تظهر، وها هي الآن قد ظهرت لا من «المراقبين العرب» ولكن من الشعب السوري نفسه، ورغم أنف النظام ومن والاه. الرأي الأخير... من يشاهد الموقف العربي اليوم لا يستطيع إلا أن يقر بأنه موقف متخاذل منذ إرسال بعثة المراقبين التابعة لجامعة الدول العربية إلى اليوم، فموقف بعض الدول العربية اليوم، برغبة بعضهم لحل يبقي النظام، أو لحل سلمي يحمي النظام، أو لحل من نوع آخر يخدم النظام ويقتل الأبرياء «لم يتغير»، وبالمقابل فمواقف دولة قطر وسمو الأمير هي مواقف راسخة كالجبال لا تتمايل مع الأهواء السياسية ورياح التغيير، ولربما فإن الدفعة الأخيرة منذ يومين من المعونات القطرية لأهلنا في سوريا -في حين صمت «المانحون»- أكبر دليل على أن السياسة الحكيمة تثمر أمناً وسلاماً ورقياً، وأما سياسة التخبط «الدحلانية» فلا تسفر عن شيء سوى... وبالقطري الفصيح... «الفلس». (لا تفصح نتائج الحروب عن صاحب الحق بالضرورة، ولكنها تفصح عن المنتصر). إلى اللقاء في رأي آخر.
استكمالاً لمقالات سابقة كتبتها عبر السنوات الماضية عن «شوارع DC» و»شوارع باريس»، وأسرار تلك المدن التي زرعت فيها من خلال مصممي تلك المدن، اليوم أستكمل تلك السلسلة بمقالي عن «شوارع اسطنبول». اختار الإمبراطور قسطنطين عاصمته...
بدأت مع أداء الرئيس الأميركي الجديد دونالد ترمب اليمين الدستورية، وتسلمه سدة الرئاسة في تمام الساعة 12 وخمس دقائق بتاريخ 20 يناير، وحتى كتابة هذا المقال، حالة من اليأس والفوضى تعمان مدناً كثيرة داخل الولايات...
في عالم العمليات العسكرية الحديثة لا يمكن لنا أن نتجاهل أهمية العمل المشترك لتحقيق الأهداف المرجوة، والتي تعتمد على المركزية في القرار، واللامركزية في صلاحيات التنفيذ وأدواته، أو بالمصطلح العسكري «قدرات التنفيذ»، ومن ضمن أسس...
لقد اعتدنا في تاريخ القتال عبر العصور على وجود ٣ ساحات للقتال فإما على الأرض أو في البحر أو في السماء، ما أوجد الأسلحة المقاتلة المعروفة لدينا بالقوات البرية والبحرية والجوية، ولقد تطورت الأمور في...
إن السباق الانتخابي الجاري حالياً في الولايات المتحدة الأميركية بين المرشح الجمهوري اليميني المتطرف دونالد ترامب والديمقراطية هيلاري كلينتون ستبدأ مراحله الأخيرة هذه الأيام، ولربما تكون أبرز علامات هذه المرحلة والتي تستمر لشهرين حتى يوم...
كانت صور الطفل عمران، كسابقاتها من صور القتل والدمار من حلب وشقيقاتها التي انتهك إنسانيتها النظام السوري المجرم، قد وضعت علامة جديدة على درب حرب الإبادة في بلاد الشام، علامة يظنها البعض فارقة وبخاصة بعد...
لقد قامت مؤسسات بحثية عالمية وجامعات مؤخراً بالنظر إلى مكافحة خطر داعش من خلال منظور تهديد دولة الخلافة على حد تعبيرهم، وأن وجود دولة «إرهابية» مسيطرة على مصادر دخل مثل النفط والضرائب، وباسطة «سيادتها» على...
في مقال لي منذ عدة سنوات وفي زمن «الريس مبارك» كتبت بأن الجامعة العربية أصبحت عبئاً على ذهن وضمير المواطن العربي السويّ وإن إصلاح الجامعة العربية هو السبيل الوحيد لإنقاذ هذه المنظمة وإلا ستستمر هذه...
تناقلت مواقع التواصل الاجتماعي مؤخراً مستندات يدعي ناشرها أنها مستندات رسمية لدى جهات التحقيق بالدولة، وللأسف فلقد قام آخرون بإعادة النشر دون اهتمام أو مراعاة للقانون أو سمعة الوطن، نعم للأسف يوجد منا من هم...
لقد صدم العالم مؤخراً بالقرار الجريء الذي اتخذه شعب المملكة المتحدة من خلال أكبر استفتاء في تاريخ بريطانيا العظمى بالخروج من منظومة الاتحاد الأوروبي بشكل كامل وإلى الأبد في طلاق كاثوليكي لم تشهد بريطانيا طلاقاً...
في عالم السياسة الأميركية يوصف الرئيس الأميركي في شهوره الأخيرة بـ «البطة العرجاء» lame duck كناية عن عجزه عن التأثير في السياسات الهامة الأميركية والمبنية على المصالح المتبادلة لكونه في طريقه نحو بوابات البيت الأبيض...
استحوذ انتشار مقطع فيديو مصور لضباط أميركيين يتصرفون بشكل غير لائق أمام علم دولة قطر في معسكرهم، على اهتمام العالم في الأيام الماضية، وبالمقابل فإن ردة الفعل الوطنية كما أشار الأخ رئيس تحرير العرب في...