التأمين الصحي

تقدم الكثير من الدول التأمين الصحي لمواطنيها؛ للرابطة القوية بين الدخل والصحة اقتصاديا، ولارتفاع كلف المعالجات تشخيصا وأدوية ورعاية أولية وأمراضا جديدة طبيا، ما يعرض صحة الإنسان لأخطار تغير سلوكياته الاستهلاكية والإنفاقية، وتؤثر على مؤسسات الأعمال والحكومات، نتيجة للكلف التي تتحملها، وانخفاض الاستثمارات، وتغيب الموظفين عن أعمالهم، والسنوات الضائعة نتيجة للمرض أو الوفاة المبكرة. فهناك أنواع جديدة من أمراض القرن الجديد ناجمة عن نوعية الطعام، والبيئة، وانبعاث المواد السامة من المصانع والنفيات، والإحترار العالمي، وتلوث الهواء بسبب احتراق الوقود الاحفوري، ومن الحيوانات، كأمراض القلب والشرايين، والسمنة، والسكري، والجهاز التنفسي، والسرطان، والايدز، وغيرها، وهي ذات كلف مرتفعة، فتكلفة فيروس سارس مثلا -انتشر منذ بداية الألفية الجديدة- تقدر بحوالي 54 مليار دولار مع ما أدى اليه من تراجع ثقة المستهلكين والأعمال والتجار، وتراجع الإنتاج، وتكاليف الرعاية الصحية الإضافية.  لذلك تخضع العملية الصحية لوجهتي نظر؛ فهناك من يفضل القطاع الخاص، وهناك من يرى أن الممارسات الإستغلالية تستجوب تدخل الحكومات لتنظيم هذا القطاع ومراقبته، وبغض النظر عن وجهتي النظر؛ فإن التأمين الصحي يصبح حاجة ملحة للمحافظة على صحة للمواطنين بوجود أمراض غير مسبوقة تحتاج إلى كلف باهظة لتشخيصها، ودواء مكلف لمعالجتها، بما يساهم بقيام المواطنين بأعمالهم بنشاط وحيوية، تنعكس ايجابا على الأداء الاقتصادي ومخرجاته. لكن هذا التأمين مكلف ماليا، ومعقد تنظيما ومتابعة، ويحتاج لدراسات دقيقة، ومراجعة لتجارب الدول الأخرى، ووضع القواعد التي تؤدي لفعاليته على مستوى النتائج والنفاقات التي تخدم الاهداف المتوخاة، لانطوائه على الكثير من التحديات والمخاطر التي يجب الإنتباه اليها خصوصا وأن الصحة مؤشر وأداة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية.  إن أهم واخطر مشكلات هذا التأمين الهدر والتبذير بصرف أدوية ليست ضرورية، أو المغالاة في التكاليف، أوالإستخدام المفرط للمضادات الحيوية -وهذه حكاية اخرى- وبالتالي زيادة الانفاق بغير فائدة، مع ازدحام المواعيد، وزيادة مراجعة المراكز والعيادات الصحية حتى دون حاجة، وإرهاق الكادر الصحي، وزيادة حجم الادوية المهدورة، وإشغال المستشفيات والاجهزة الطبية المكلفة بما يزيد استهلاكها، ويؤدي لتدني جودة الخدمات الطبية على حساب الاعتناء بالمرضى الحقيقيين، مما يزيد تذمر الناس. ناهيك عن ارتفاع نصيب الفرد من الأنفاق الصحي غير الفعال ليتحول إلى أحد أشكال الهدر الجديدة في النفقات العامة حتى في دول الرفاه الإجتماعي، مع وجود العوامل الدافعة لزيادة نمو الانفاق الصحي كشيخوخة السكان، ونمو الدخل، والتقدم التكنولوجي، وزيادة المرتبات دون أن يعني ذلك تحسين الانتاجية مع عدم القدرة على الإستغناء عن الأطباء أو الممرضين.  هذا يستدعي وجود سياسات ترفع كفاءة استخدام الاموال المخصصة للتأمين بايجاد نظام تمويل فعال كتقاسم التكاليف مع المرضى في جانب الطلب ، أو الإنفاق على العيادات العامة أو القطاع الخاص في جانب العرض، وتغيير السلوكيات بالتشجيع على ممارسة الرياضة والاقلاع عن التدخين وعادات الأكل السيئة، وإيجاد نظام تكنولوجي يربط جميع الفعاليات الصحية من المستشفيات والأطباء والصيدليات والملفات الطبية معا، لمراقبة السلكويات العامة لجميع المشتركين من مرضى ومراجعين وأطباء ومراكز صرف الادوية، لضبط التكاليف ولضمان تحسين مخرجات هذه العملية التأمينية.