


عدد المقالات 1
الحمد لله رب العالمين , والصلاة والسلام على اشرف المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين , ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين , ونحن معهم يارب العالمين . " اللهم اشرح لي صدري ويسرلي أمري واحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي ".. وبعد فإن قيمة الموضوع يرجع إلى الموضوع نفسه وهو الأسرة نواة المجتمع وركيزة الأمة وأصل الحياة الإنسانية ولأهميتها وعظم شأنها , أكرمها الله سبحانه غاية الإكرام وأنزل من الآيات والتشريعات ما يعضد كيانها ويثبت أركانها في جميع الديانات ويصونها من آفات التفكك والانحلال , فبدأت من رجل وامرأة ( آدم وحواء ) وجعل قدوتها الأنبياء والمرسلون وفي مقدمتهم خاتم المرسلين وسيد الثقلين سيدنا محمد بن عبدالله سيد ولد آدم وسيدات بيت النبوة من أمهات المؤمنين وبناته الطاهرات المطهرات , والصحابيات الجلبلات ـ رضى الله عنهن أجمعين ـ . ولما رأيت رياح التغريب تضرب سفينة المجتمع القطري وتعمل في الأساس على تقويض تماسك الأسرة المسلمة في الخليج كما سبق لها مع المجتمعات العربية والإسلامية مما أدى إلى ضعف القيم لدى أفراد الأسرة كبيرهم وصغيرهم ذكرهم وأنثاهم وبالتالي أدى إلى هذا الوهن الي تعاني منه مجتمعاتنا والأمة لأن الأسرة هى القلب , قلب المجتمع والوطن والأمة فإذا صلحت صلح المجتمع وعوفيت الأمة وإذا فسدت فسد المجتمع والوطن وسقمت الأمة . وسوف نتبع المنهج النبوي في عرض هذا الموضوع كما اتبعه الصحابة الكرام ( رضى الله عنهم أجمعين ) في اتباع خطى خير البشر( عليه الصلاة والسلام ) بعد الأنبياء والمرسلين قبلنا بالقول والعمل : 1 ـ معرفتهم لمنزلة هذا القرآن وإدراكهم لمقصده الأعظم . 2 ـ حسن تلقيهم القرآن بأنه رسائل ووحي من ربهم للعمل والامتثال . 3 ـ تعلمهم وتعليمهم الإيمان قبل القرآن . 4 ـ تلاوة القرآن بترتيل وتمهل وتحزن والقيام به في الليل , يقول عبدالله بن مسعود ( رضى الله عنه ) : " كان الرجل منا إذا تعلم عشر آيات لم يجاوزهن حتى يعرف معانيهن والعمل بهن " . وقال ابن عمر ( رضى الله عنهما ) : " لقد عشنا برهة من دهرنا وأحدنا يؤتى الإيمان قبل القرآن , فتنزل السورة على محمد فنتعلم حلالها وحرامها , وأمرها وزجرها , وما ينبغي أن يقف عليه منها , كما تعلمون انتم اليوم القران , ثم لقد رأيت رجالا يؤتى أحدهم القرآن قبل الإيمان فيقرأ ما بين خاتمته ما يدري أمره ولا زاجره , ولا ما ينبغي أن يقف عنده منه , فينثره نثر الدقل " ( نثر الدقل ) : أي يرمونه بكلماته , والدقل: ردئ التمر فإنه لرداءته لا يحفظ ويلقى منثورا , أي يتساقط الرطب اليابس من العذق إذا هز , قال تعالى : " كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولوا الألباب " الأية ( 29 ) سورة ص والسؤال : ماذا نقصد بفقه الأسرة ؟ مصطلح فقه الأسرة ينقسم إلى قسمين: ( فقه ) و ( أسرة ) ومعنى كل منهما في اللغة والاصطلاح . فتطلق كلمة الفقه لغة أي في اللغة العربية : على إدراك الشئ والعلم به والفهم والفطنة وقد ورد بهذا المعنى في القرآن الكريم على لسان كثير من الأنبياء (عليهم السلام) وقومهم. قال ( موسى عليه السلام ): ( قال رب اشرح لي صدري ويسرلي أمري واحلل عقدة من لساني يفقهوا قولى ) أى يفهموه ـ سورة طه آية 25 ـ 29 وقال قوم شعيب ( عليه السلام ) حين خاطبهم بقوله : ( ويا قوم أوفوا المكيال والميزان بالقسط ولا تبخسوا الناس أشياءهم ولا تعثوا في الآرض مفسدين ) الآية 85 (قالوا يا شعيب ما نفقه كثيرا مما تقول) أى لا نفهمه سورة هود 91 الآية أما في اصطلاح علماء أصول الفقه: فهو العلم بالأحكام الشرعية العملية المكتسبة من أدلتها التفصيلية. أما الأسرة: ففي قواميس اللغة أنها: الدرع الحصينة وعشيرة الرجل وأهل بيته، وتطلق على الجماعة يربطها أمر مشترك. والأسرة: من الأسر وهو إحكام الربط وقوته ولذلك سميت عشيرة الإنسان (رجل أو امرأة) أسرة لأنه يتقوى بهم. وفي الاصطلاح الفقهي: فتطلق ويراد بها الأب والأم وما انبثق عنهما من ذرية أبناء وبنات وإخوة وأخوات أعمام وعمات وعاقلة الفرد ( فتاوى ابن تيمية 14ـ 52 ). وفي الموسوعه الفقهية الكويتية (ج 31ـ ص 31و32): مجموعة من الأفراد ارتبطوا برباط إلهي هو رباط الزوجية أو الدم أو القرابة. هل وردت لفظة الأسرة في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة؟ الملاحظ أن لفظة الأسرة لم ترد في القرآن والسنة المطهرة ما عدا موضع واحد على لسان شاب من اليهود ذلك ( لما زنى رجل من اليهود وأنكرت اليهود عقوبة الرجم سأل ـ صلى الله عليه وسلم ـ شابا منهم وقال له: " فما أول ما ارتخصتم أمر الله؟ " فقال اليهودي: زنى ذو قرابة من ملك من ملوكنا فأخر عنه الرجم، ثم زنى رجل في أسرة من الناس فأراد رجمه فحال قومه دونه، وقالوا: لا يرجم صاحبنا حتى تجيء بصاحبك فترجمه، فاصطلحوا على هذه العقوبة بينهم، فقال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فإني أحكم بما في التوراة " ( سنن أبي داود، ك الحدود، باب في رجم اليهوديين ). ولكن جاءت بلفظة الأهل (الزوجة والأبناء والوالدان والأقارب) في القرآن والسنة المطهرة، ففي القرآن الكريم قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة) سورة التحريم آية (6) أي الأبناء والأقارب، ( وهل أتاك حديث موسى إذ رأى نارا فقال لأهله امكثوا إني آنست نارا لعلي آتيكم منها بخير أو أجد على النار هدى ) سورة طه آية (10) وهنا يقصد الزوجة، ( وإن خفتم شقاق بينهما ـ فابعثوا حكمًا من أهله وحكمًا من أهلها ـ إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما إن الله كان عليما خبيرا ) سورة النساء آية ( 35 ) وهنا يقصد الأقارب ـ الأسرة ـ. وفي السنة المطهرة: قول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ "خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلى" هنا بمعنى الزوجة (سنن الترمذي، كتاب المناقب، باب فضل أزواج النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ج 5 ص389). وفي حديث السيدة عائشة - رضى الله عنها - : "يا رسول الله أتأذن لي أن أذهب إلى أهلي؟" قال "ا ذهبي". والأهل هنا بمعنى الوالدين. ولكن ... لفظة الأسرة موجودة مضمونًا وواقعًا وأحكامًا فيهما، فنجد الحديث عن الزواج والتزويج وما يتعلق بهما من أحكام وحقوق وواجبات للدلالة على معنى الأسرة، والتفصيل الدقيق لها في كتب الفقه العديدة في أبواب الخطبة والمهر والزواج والنفقات والنسب والحضانة والرضاع والوصية والميراث والطلاق وغيرها للتأكيد على مفهوم الأسرة وأهميتها ومكانتها. كيف اهتم الإسلام بالأسرة ؟ ولماذا؟ تكوين الأسرة يتم بين الرجل والمرأة عن طريق الزواج الشرعي بعقد صحيح بينهما سماه الله عز وجل من فوق سبع سماوات بالميثاق الغليظ فقال سبحانه: ( وإن اردتم استبدال زوج مكان زوج وآتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا من شيئا أتأخذونه بهتانا وإثما مبينا . وكيف تأخذونه وقد أفضى بعضكم إلى بعض ـ وأخذن منكم ميثاقًا غليظًا ـ ) الآية20 و21 سورة النساء . ولقد اهتم الإسلام بالأسرة اهتمامًا كبيرًا وخصها بصفات عظيمة وأحاطها بسياج متين وجعل لها نظامًا متميزًا يقيها التفكك والانحلال ويحفظها من الفتن والأزمات، فاعتبرها أساس استقرار المجتمع وحصنه الحصين وخط الدفاع الأول عن المجتمع إذا صلحت صلح المجتمع بأسره وإن فسدت فسد المجتمع بأسره. فبتأسيس الأسرة على أسس سليمة يتحقق أهم مقصد له وهو تحقيق السكن النفسي الوجداني والمودة والرحمة بين الزوجين مما ينتج عنه أسرة مستقيمة يسودها الاستقرار والطمأنينة والسكينة بين أفرادها ثم تلقي بظلالها على المجتمع كله وصدق الله: (ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجًا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون) سورة الروم آيه ( 21 ). ومن أهم ركائز الأمن والأمان للأسرة وبالتالي المجتمع ما يلي : الإحسان إلى الوالدين: قال تعالى: (ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهنا على وهن وفصاله في عامين أن اشكر لي ولوالديك إلى المصير و وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا و واتبع سبيل من اناب إلي ثم إلي مرجعكم فأنبئكم بما كنتم تعملون) سورة لقمان آية 14ـ 15. رعاية الأخوة: قال تعالى: (واجعل لي وزيرا من أهلي هارون أخي أشدد به أزري وأشركه في أمري كي نسبحك كثيرا ونذكرك كثيرا إنك كنت بنا بصيرا) سورة طه آية 29 ـ 35. 3 ـ رعاية الزوج والزوجة: قال تعالى: (وكيف تأخذونه وقد أفضى بعضكم إلى بعض وأخذن منكم ميثاقًا غليظًا) سورة النساء آية 21، (ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف وللرجال عليهن درجة) سورة البقرة آية 228. 4 ـ رعاية الأبناء: قال تعالى: ( يا بني أقم الصلاة وأمر بالمعروف وانه عن المنكر واصبر على ما أصابك إن ذلك من عزم الأمور، ولا تصعر خدك للناس ولا تمش في الأرض مرحا إن الله لا يحب كل مختال فخور، واقصد في مشيك واغضض من صوتك إن أنكر الأصوات لصوت الحمير) سورة لقمان 17 ـ 19. 5 ـ رعاية الأقارب: قال تعالى : ( ياأيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحده وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساءا واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا ) النساء ( 1 ) وقوله : ( وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله إن الله بكل شيء عليم ) الأنفال ( 75 ) ما أنماط الأسرة المعروفة في المجتمعات الإنسانية؟ للأسرة عدة أنماط نستعرضها باختصار: أـ الأسرة النووية: وتشمل الزوج والزوجة والأبناء وتضم جيلين وتنتهي باستقلال الأبناء ووفاة الأبوين. ب- الأسرة الممتدة: هي التي تقوم على عدة وحدات أسرية تجمعها الإقامة المشتركة والقرابة النسبية وتضم الأجداد والأبناء والأحفاد وزوجاتهم ومن لهم علاقة بهم من الأبناء وأعمامهم والأصهار وغيرهم وهى تعتبر وحدة اجتماعية مستمرة لما لا نهاية حيث تتكون من ثلاثة أجيال وأكثر. جـ ـ الأسرة المشتركة: هي الأسرة التي تقوم على عدة وحدات أسرية ترتبط من خلال خط الأب أو الأم أو الأخ و الأخت وتجمعهم الاقامة المشتركة والالتزامات الاجتماعية والاقتصادية. (موسوعة ويكيبديا) دـ أسرة المجتمع المسلم: وتشمل كل الأسر المسلمة المكونة للمجتمع المسلم، ويجمعها رابط واحد هو دين الإسلام تتعاون فيما بينها على البر والتقوى والخير والفضيلة والقيم الخلقية والتكامل الاجتماعي ... إلخ هـ ـ أسرة الإنسانية: وتشمل كل المجتمعات بمختلف معتقداتها وانتماءاتها وتوجهاتها ويجمعها خالق واحد وأصل واحد وأب واحد ( آدم ) وأم واحدة ( حواء ) تتعاون فيما بينها لتحقيق الأمن والأمان والطمأنينة والسلام لإعمار الأرض وفق هدى الله عز وجل. ولأن للأسرة وظيفة مقدسة ورسالة سامية في المجتمع والحياة لذلك توالت عليها ضربات الأعداء من كل حدب وصوب وأصحاب الملل والنحل والانحرافات العقدية والأخلاقية، ولذا لابد من الدفاع عنها وفق منهج الله عز وجل القائل (قلنا اهبطوا منها جميعا فإما يأتينكم منى هدى فمن تبع هداى فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون) سورة البقره آية (38). س5ـ ما الهدف الرئيسي لعناية القرآن الكريم الكبير بالأسرة؟ جـ : الملاحظ أن القرآن الكريم احتوى فصولًا وآيات كثيرة جدًا في صدد الأسرة وذوي الأرحام والآداب المنوطة بها الهدف الرئيسي منها قيام الوحدة الاجتماعية الأولى وهى الأسرة على أفضل الأسس وأقواها من حيث المودة والحب والتعاطف والبر والتسامح والتعاون والحق والإنصاف وتقوى الله ومكارم الأخلاق والآداب لأنها كانت ولن تزال أصلا في الحياة الإنسانية والاجتماعية يتفرع عنه سائر فروع هذه الحياة. والآيات متنوعة حسب تنوع الموضوعات ونظمها وفصل جوهر كل حالة ومشكلة ووضع لها الحلول المحتملة وعدم ترك المشاكل الأسرية المتصلة بحياة كل فرد غامضة قد يؤدي غموضها إلى النزاع والخلاف وتفكيك بنيان الأسرة وحياتها مما يؤدي إلى الخلل في المجتمع ككل لذا وردت هذه الآيات في كثير من السور فضلا عن سور خاصة بهذه الأحوال كسورة آل عمران والنساء والحجرات والطلاق والمجادلة والتحريم ومريم والنور والممتحنة ونجد تفصيلاتها في السنة النبوية الشريفة وقد بوب لها الفقهاء بناء على ذلك كتبًا وأبوابًا خاصة بها مثل: ك النكاح الآيات: النساء ( 24 و25 ) المائدة ( 5 ) النور ( 2 و 3 ) الروم (21 ) الفرقان ( 74 ). ك الصداق: النساء ( 19 ـ 21 ). الخلع: النساء ( 128و129 ). الطلاق: البقرة ( 223 ـ 233 ) والطلاق ( 1 ـ 7 ). الرجعة: الطلاق ( 1 ـ 3 ). الإيلاء البقرة ( 224 ـ 228 ). الظهار المجادلة (1 ـ 5 ). اللعان النور( 6 ـ 10 ). العدة البقره (234 و235 و 240 ). الرضاع البقرة ( 233 ). النفقات البقرة (215)، وما يندرج تحتها من أبواب الموضوعات الخاصة بها. س 6: كيف نسعد ونسعد من حولنا في حياتنا الأسرية؟ جـ : الأسرة سر الحياة على كوكب الأرض نستطيع أن نشبهها بالإنسان في مراحل نموه حيث تمر بنفس المراحل الزمنية التي يمر بها الإنسان قال تعالى : (الله الذي خلقكم من ضعف ثم جعل من بعد ضعف قوة ثم جعل من بعد قوة ضعفا وشيبة يخلق ما يشاء وهو العليم القدير) سورة الروم (54). ففي تفسير هذه الآية نجد ما يلي: " الله الذي خلقكم " أيها الناس " من ضعف " أي من نطفة وماء مهين فأنشأكم بشرا سويًا والضعف الوهن واللين أي حالة كونه جنينًا ثم صبيًا إلى أن يبلغ أشده " ثم جعل من بعد ضعف قوة " أي جعل لكم قوة على التصرف من بعد خلقه إياكم من ضعف ومن بعد ضعفكم بالصغر والطفولة والحاجة إلى الرعاية والاهتمام " ثم جعل من بعد قوة ضعفا وشيبة " ثم أحدث لكم بالهرم والكبر عما كنتم عليه أقوياء في شبابكم وشيبة للإيماء إلى أن هذا الضعف لا قوة بعده وأن بعده العدم بما شاع من أن الشيب نذير الموت كما قال تعالى على لسان زكريا ( عليه السلام ) " قال رب إني وهن العظم مني واشتعل الرأس شيبا ولم أكن بدعائك رب شقيا " ( 4 ) مريم " وهو العليم " بتدبير خلقه " القدير " على ما يشاء لا يمتنع عليه شيء أراده، وذكر وصف العلم والقدرة لأن التطور هو مقتضى الحكمة وهى من شؤون العلم وإبرازه على أحكم وجه هو من أثر القدرة، فكما فعل هذه الأشياء فكذلك يميت خلقه ويحييهم إذا شاء. وكذلك الأسرة تمر بهذه المراحل: الضعف، القوة، الضعف، الشيبة، النهاية. فبدايتها كما قال تعالى: (والله جعل لكم من أنفسكم أزواجا وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة ورزقكم من الطيبات أفبالباطل يؤمنون وبنعمة الله يكفرون) سورة النحل (72). إذا بدأت الحياة الإنسانية (من أنفسكم أزواجا) أي خلقنا آدم وخلقنا من بعضه حواء زوجته (وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة) أي جعل لكم بنين وحفدة وهم الأبناء وأبناء الأبناء والأصهار يعينونكم ويخدمونكم كرامة أكرمكم الله بها. والله سبحانه يمتن علينا أن خلق الأزواج من نفس النوع وليس من جنس آخر لأن إلف الإنسان وأنسه لا يتم إلا بجنسه وهذه من أعظم النعم علينا، هذا الزوج اشترك معنا في اشياء واختلف عنا في أشياء اشترك معنا في الشكل والعقل والأجزاء واختلف في شيء واحد وهو النوع فهذا رجل وتلك امرأة ليتم التكامل الذي اراده الله لعمارة الأرض وتزداد الألفة والمحبة والأنس والمودة بينكم كما قال تعالى (ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون).الروم ( 21 ) أما مايحاول دعاه الفساد من نشر ثقافة الجندر بتغيير الجنس بتحول ا لرجال لنساء والنساء لرجال ( الجنس الثالث ) أو إشاعة ثقافة قوم لوط في المجتمعات الإسلامية وغيرها من المجتمعات الإنسانية بحيث يستغني النساء بالنساء والرجال بالرجال وتشكيل أسر آحادية النوع فهذا مما تأباه الفطرة السليمة و فضائل الأخلاق الإنسانية فضلا عن تحريم الدين السماوي له وتشريع أقسى العقوبات عليهم بالرجم بالحجارة والخسف وجعل سافل الأرض عاليها على لسان أنبيائها وما ذكرقصة قوم لوط وعقوبتهم التي ذكرها القرآن تتلى إلى يوم البعث ببعيدة عن يتشبه بهم ويفعل أفعالهم وما هى من الظالمين ببعيد . إذًا: الأسرة تتكون كما يتكون الطفل تمر بمراحل عديدة كما الإنسان تمامًا: فترة ما قبل الزواج ـ التفكير الجاد بالزواج وتحديد الأهداف من الإقدام عليه وصدق النية في إتمام عقده فبمقدار ما تكون الثقة والوضوح بين الطرفين يكون التوفيق والاستقرار والسعادة، وبمقدار ما يكون التحايل والخداع بينهما يكون الفشل والإحباط واليأس. فعن النبي - صلى الله عليه وسلم - عن ربه يقول: " أنا ثالث الشريكين ما لم يخن أحدهما صاحبه فإذا خانه خرجت من بينهما "، وهل هناك أعظم وأهم من الشراكة الزوجية لعمران الحياة الإنسانية على كوكب الأرض . حسن الاختيار واستحباب النظر إلى بعضهما البعض والوضوح ولا مجاملة في ذلك: فالرؤية مفتاح القلوب وسببًا في تحصيل الوفاق بينهما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " انظر إليها فإنه أحرى أن يؤدم بينكما "؛ أي يؤلف ويوفق بينكما. وليس مجرد النظر الحسى بل النظر في أخلاقهما وتفكيرهما ونظرتهما إلى الحياة الزوجية. قال عليه الصلاة والسلام: " إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض ". جـ) الوضوح وتبيان المنهج العام للأسرة الجديدة: إن الوضوح وعدم التدليس والكذب والخداع في مرحلة الخطبة بين الطرفين يفتح آفاقهما للحوار الجاد بعيدًا عن العواطف الجياشة التي تعمي البصيرة وتساعد على محاولة لفهم الآخر وتصرفاته وتبيان حقوقه وواجباته لمن الأسس القوية التي ترتكز عليها السعادة المستقبلية للأسرة الناشئة. د) رعاية الأسرة والاهتمام الدائم بها: إن الأسرة من أهم مؤسسات المجتمع والأمة وأخطرها على الإطلاق، فهى الحصن الحصين للمجتمع ولذلك يحاول أعداء الدين و الإنسانية تفكيك هذا الحصن بكل ما أوتوا من قوة وضربها في الصميم ولذلك يجب أن يعي الطرفان الأخطار التي تهدد بقاءها وبالتلي بقاء المجتمع . للأسف تعلمنا الكثير من العلوم الحديثة ولكننا نسينا أن نتعلم علم هندسة البشرفي التعامل بين أفراد الأسرة وكيفية تربية الأبناء وكيف يرتقون إلى حمل الرسالة الإلهية للاستخلاف في الآرض مع أن ديننا الإسلامي المتمثل بالقرآن والسنة الشريفة اوضحا ذلك توضيحا تاما وفصلته السنة النبوية تفصيلا قولا وعملا وتقريرا وصفة على صاحبها أفضل الصلاة وأتم التسليم قال عليه الصلاة والسلام: " كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه ". إن بيوتنا هى الملاذ الأخير لنا ولأبنائنا ولاسيما في خضم هذه الفتن التي شبهها النبي - عليه الصلاة والسلام - بالليل المظلم فقال " ويل للعرب من شر قد اقترب فتن كقطع الليل المظلم يصبح الرجل مؤمنا ويمسي كافرًا يبيع قوم دينهم بعرض من الدنيا قليل المتمسك يومئذ بدينه كالقابض على الجمر ". فقد وجهنا النبي - صلى الله عليه وسلم - في زمن الفتن أن نلجأ إلى البيوت في قوله " الزم بيتك واملك عليك لسانك وخذ بما تعرف ودع " وقال " وليسعك بيتك وابك على خطيئتك "، فإن كانت البيوت هي الفتنة وكانت تموج بالفتن المختلفة من الشقاق والنفور والغضب والقسوة والتفكك الأسري والانحلال الخلقي فأين يذهب الأبناء؟ وأين تذهب الزوجات؟ وأين يذهب الأزواج؟ لا شك ستتلقاهم أيدي الشر والنفوس الخبيثة لاحتوائهم وهدم كياناتهم وهم يتربصون بالمجتمعات كالضباع لتدميرها . هـ) العمل على إصلاح الأسرة دائمًا وتنقيتها من الشوائب التي تعلق بها: بالعمل على إصلاح أنفسنا أولًا بأول باللجوء لله سبحانه والاستعانة به (إياك نعبد وإياك نستعين)، بالتوجه القلبي والعملي لمباشرة الأمروالعمل الذي يريد القيام به. التربية بالقدوة الصالحة من الوالدين والالتزام بقول الله تعالى: (أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون). إصلاح الزوجين أنفسهما بالصبر والرفق والتعاون في تسيير شؤون الأسرة بفهم أولويات وطبيعة كل منهما للآخر وعدم التدخل الجائر في اختصاص كل منهما بدون وجه حق والتعسف في استعمال الحق ضد الآخروالصبر على بعضهما ثم الصبر ثم الصبر . العمل على رفع مستواهما العلمي والثقافي بالاطلاع على سيرة النبي الكريم في تعامله الراقي مع أسرته كزوج وكأب والتطبيق الأمثل لمبدأ الحوار والقوامة والشورى في الأسرة. إشاعة ثقافة العفة والأخلاق القويمة في البيت المسلم والبيوت الأخرى لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: " عفوا تعف نساءكم "، وعبر عن ذلك ابن القيم رحمه الله بقوله: [ إن أعداء الإسلام يحاربون المسلمين بسلاحين: سلاح الشهوات لإفساد سلوكهم، وسلاح الشبهات لإفساد عقولهم ]. وقد يكون سلاح أكثر فتكَاً في فترة زمنية أقوى من الآخرفسلاح الشبهات لتشكيك شباب المسلمين في القرآن وأحكامه وسلاح الشهوات لإشاعة النحرافات السلوكية خاصة وأن أهم صفات المجتمع المسلم العفة والفضيلة لأنه مرتبط بالآيات والأوامر والنواهي التي توجهه في هذا المجال الخطيرلحديث ابن عباس - رضى الله عنهما - قال: كان الفضل بن عباس رديف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فجاءت امرأة من خثعم فجعل الفضل ينظر إليها وتنظر إليه وجعل النبي - صلى الله عليه وسلم - يصرف وجه الفضل إلى الشق الآخر، فقالت: يا رسول الله إن فريضة الله على عباده في الحج أدركت أبي شيخًا كبيرًا لا يثبت على الراحلة أفأحج عنه، قال " نعم " وذلك في حجة الوداع، وكذلك تعويد أهل البيت على الاستئذان وآداب الدخول والخروج واحترام الخصوصيات لهم جميعا خاصة الوالدينفي أوقات الراحة. إشاعة ثقافة الشورى في البيت وهى من خصائص البيت والمجتمع المسلم لقوله تعالى: (وشاورهم في الأمر) (وأمرهم شورى بينهم)، ومشاورة النبي - صلى الله عليه وسلم - لأصحابه وأهله أكبر دليل على التطبيق العملي لذلك ( بدر ـ أحد ـ الخندق ـ حادثة الإفك إلخ ). جاء في الترمذي: " ما رأيت أحدًا أشد مشورة لأصحابه من محمد "، وموقف أم سلمة ( أم المؤمنين ) في استشارتها على الرسول - صلى الله عليهم - في صلح الحديبية. إن اعتماد مبدأ الشورى في حياتنا الأسرية بضرب الأمثلة من المنهج النبوي يزيد من ثقة الأفراد بأنفسهم وتحملهم المسؤوليات الأسرية و يساهم في الالتزام بمنهج الله في شؤون الحياة ويزيد قدرتهم على الحوار داخل الأسرة بروية وتقبل آراء الآخرين دون تصادمات فكرية ونفسية واجتماعية وتحمل نتائج قراراته بعد المشاورة. إشاعة ثقافة الرفق واللطف والتآلف والمصارحة بين أفراد الأسرة، ففي السنة النبوية نرى الحث على هذه الصفة فقد ورد: " إن الله رفيق يحب الرفق ويعطي على الرفق مالا يعطي على العنف "، " إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه ولا ينزع من شيء إلا شانه ". قال البخاري: " الرفق هو لين الجانب بالقول والفعل " وهو ضد العنف. وقد نهى الإسلام عن العنف في المعاملة خاصة الزوجة والأبناء ونبه النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه يرفض المعاملة القاسية في الأسرة فقال: " لقد طاف بآل محمد نساء كثير يشتكين أزواجهن ـ أي من الضرب ـ ليس أولئك بخياركم ". فبالرفق تحصل على ما تريد وتتعلم الصبر على الطبائع البشرية مما يساعد على زيادة الترايط الأسري والثقة والمصارحة بين أفراد الأسرة دون خوف أو وجل، كما في قصة الرجل الصالح مع ابنته: (يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين). ذكر المحاسن وترك المساوئ وعدم التذكير بها بين أفراد الأسرة: فما من إنسان إلا وقصر في حياته وأخطأ وهذه من صفات بني آدم ولكن نجد كثيرًا من الآيات والأحاديث النبوية تدعوا إلى التوبة والإنابة والاستغفار فقال سبحانه : (إن الحسنات يذهبن السيئات)، وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: " إن الله عز وجل يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها ". وقد وقعت الأخطاء في عصر الرسول - صلى الله عليه وسلم - والصحابة والتابعين وسائر العصور، ومن الخطأ ذكر السيئات أمام الأخرين حتى وإن كان مزحًا فليس هناك أشد فتكًا بالعلاقة الأسرية من التذكير بالماضي السيء والمزعج في كل لحظة وموقف مما يثير في النفس الأسى ويولد الكراهية للآخرين والإصرار على معصية الأبناء للآباء بل والوصول إلى درجة الوقاحة من الأبناء بالرد على والديهم والتعامل بجفوة وغلظة معهم ومع الآخرين من أفراد الأٍسرة. الحث على التميز والاستقلال الأسري في كل شؤون الحياة، لأننا في الأًصل أمة متميزة عن باقي الأمم بدينها وكتابها ونبيها ومنهجها في الحياة والأسرة الصالحة نواة المجتمع الصالح والأمة بأسرها فلا بد أن تكون أسرتها متميزة حتى تتميز الأمة بعد ذلك قال تعالى: (وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا)؛ والوسط هو الخيرية والجودة والتميز في كل شيء في المظهر كاللباس والهيئة. قال عليه الصلاة والسلام: " أصلحوا رحالكم ولباسكم حتى تكونوا كأنكم شامة فإن الله عز وجل لا يحب الفحش ولا التفحش "، فقال" ومن كان له شعر فاليكرمه " والمخبر قال تعالى: (والذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما)، والتميز بالشخصية والتفكر والعمل الجاد والقوة العلمية والعملية بالاستعلنة بالله وإطلاق الصفات والألقاب الحسنة على الأبناء والاهتمام بضرب الأمثلة للأسر المتميزة في تاريخ الأمة والقدوة الطيبة ومراعاة الفروق الفردية بين أفراد الأسرة، لأن الحياة الأسرية لا تقوم على التشابه ولكن تقوم على المودة والرحمة والرعاية والتكاتف والتعاون والترابط العاطفي والتميز في جوانب الحياة المتعددة داخل المنزل وعلى الحرص والاعتدال والتعارف والبر والإحسان للآخرين من خارج المنزل. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمينوصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعينوالتابعين لهم بإحسان ونحن معهم إلى يوم الدين بقلم د / أمينه الجابر أستاذ الشريعة والفقه المقارن وفقه الأسرة