كشف الدكتور عبدالرحمن علي محمد المدير العام للهيئة القومية للآثار والمتاحف بالسودان في لقاء لـ لوسيل عن استئناف نشاط المشروع القطري لتنمية الآثار السودانية المسجلة ضمن التراث العالمي خلال شهر سبتمبر المقبل بعد أن توقف خلال العام الماضي، وقال إن الدعم القطري المقدم للآثار السودانية ينم عن الفهم العميق للشعب القطري بأهمية الحفاظ على التراث الثقافي العالمي وأنه يجسد الأخوة الصادقة بين الشعبين.
وأضاف أن دعم القطريين للآثار السودانية يمكن أن يساهم في تأسيس وقيام مركز عربي إقليمي للتدريب على تقنيات الحفاظ على الآثار الموجودة في الوطن العربي، مشيراً إلى أن المشروع يمكّن قطر من إدارة أكبر تجمع للأهرامات في العالم بالتعاون مع هيئة الآثار السودانية، ويتوقع أن يحقق عائدات للاقتصاد السوداني تقدر بـ4 مليارات دولار سنوياً، كما يدعم 40 بعثة أثرية تعمل ضمن المشروع من 17 دولة وأضاف بأن الدعم القطري ساهم في اكتشاف مواقع أثرية جديدة وأن ما تم يعتبر طفرة لم يشهدها السودان في مجال الآثار لأكثر من عقدين من الزمان كما يساهم المشروع في الحفاظ على الآثار السودانية التي تسربت منها مئات الآلاف من القطع وصلت إلى متاحف عالمية عديدة، وفيما يلي نص الحوار:
*حدثنا عن فكرة المشروع القطري لتنمية الآثار السودانية وكيف تبلور؟
بداية المشروع كان بمبادرة من رئيس الجمهورية بلقاء صاحب السمو الأمير الوالد الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني عندما أبدى إعجابه بالآثار السودانية وقال له الرئيس البشير إن هذه الآثار تحتاج إلى دعم، فشُكلت لجنة مثلها من الجانب القطري سعادة الشيخ حسن بن محمد بن علي بن علي آل ثاني ومن الجانب السوداني الدكتور مصطفى عثمان إسماعيل وكلفا بوضع تصور مع الخبراء الوطنيين لمشروع لتنمية الآثار بولايتي نهر النيل والشمالية، ونظمت ورشتي عمل بالخرطوم والدوحة خرجتا بتصور للمشروع وشكلت لجنة عليا يترأسها من الجانب القطري الشيخة المياسة والدكتور مصطفى عثمان، وحددت آلية لكيفية استخدام المنحة المقدمة من الشعب القطري للشعب السوداني وبدأ المشروع العمل في (2012- 2013) و(2013-2014) وفي عام 2015 توقف المشروع.
- لماذا توقف المشروع في العام الماضي؟
توقف نسبة للترتيبات الإدارية للجانب القطري وأيضاً لوضع رؤية جديدة ولابد من إعادة تقييم المشروع بصورة أخرى خاصة بعد تدني أسعار البترول.
-متى يستأنف المشروع أعماله؟
نتوقع استئناف المشروع خلال سبتمبر المقبل بعد مواصلة دعم لـ 40 بعثة عالمية ووطنية في مجال الأبحاث الأثرية وترميم الآثار ومشروع لتأهيل متحف السودان القومي بمواصفات عالمية وهذا المشروع طرح له عطاء تقدمت له 8 شركات عالمية، وفازت به شركة اوركينو البولندية التي تعمل في مصر بتكلفة حوالي 30 مليون دولار شاملة المعدات والدواليب وأيضاً مشروع لمتحف بموقع النقعة الأثري بولاية نهر النيل ومشروع لمعسكرين للإيواء للأغراض السياحية، في الشمالية باسم دوحة البركل والثاني في نهر النيل دوحة مروي بتكلفة إجمالية 14 مليون دولار.
-هل سبق للسودان أن حصل على منحة في مجال تطوير الآثار والمتاحف؟
لا لم يسبق للسودان الحصول على منحة بهذا الحجم 135 مليون دولار في تاريخه لتنمية الآثار والمنحة القطرية هي منحة القرن ومشروع القرن لأنه لأول مرة يحصل السودان على دعم خارجي مخصص لحماية الآثار بهذا القدر ويشارك فيها 40 بعثة عالمية ووطنية من 17 دولة هذا لأول مرة يحدث في السودان بل في المنطقة.
كم حجم السحب الذي تم تنفيذه من المنحة؟
حجم المنحة 135 مليون دولار، مخصصة على مدى 5 سنوات للبعثات و7 سنوات لمشروع ترميم الأهرامات وحتى الآن تم صرف نحو 40 مليون دولار.
-في إطار هذه العلاقات والمبادرة ماذا قدمتم للقطريين؟
القطريون لديهم مشروع تتولى إدارته قطر بشراكة مع الهيئة العامة للآثار والمتاحف يستهدف ترميم 100 هرم بموقع البجراوية والاهرامات الموجودة في البركل ونوري والكرو، وهذه الأهرامات يتم ترميمها وهذه المواقع تعد للسياحة الثقافية بتشييد بنية تحتية للسياحة، وفي هذا الإطار تم عمل دراسة جدوى لتقييم الحالة للحفاظ على هذه الأهرامات التي تعرضت بفعل الزمن للتعرية والتهدم ونفذت الدراسة بالتعاون مع المعهد الألماني للآثار في برلين.
- ماهو العائد والمردود الاقتصادي للمنحة القطرية؟
نحن نتوقع طفرة اقتصادية كبيرة جداً وعائدات السياحة للعام الماضي بلغت 930 مليون دولار هذا الرقم متواضع لكنه قبل اكتمال البنى التحتية والمشروع القطري يمكن ان يرفع عائدات السياحة الثقافية فقط إلى 4 مليارات دولار تساهم في التنمية بالبلاد.
*ماهي النتائج المتوقعة؟
المشروع بفضل الدعم القطري اكتشف العديد من الاثار الجديدة ونجزم بأن ما تم من عمل في مجال الآثار خلال عامين وما تحقق من طفرة كشفية ونتائج لم تحدث خلال العشرين عاماً الماضية وهذا المشروع هو مشروع القرن للآثار السودانية ونتوقع نتائج ايجابية للشعب السوداني وتطوير السياحة وخاصة ان السودان واحد من 10 دول في العالم غني بالجذب السياحي حسب تصنيف منظمة السياحة العالمية ونأمل ان يمتد هذا المشروع الى بقية السودان خاصة واننا نحتاج للكشف وحصر المواقع الاثرية الموجودة في مختلف انحاء السودان.
- رسالتكم للحكومة القطرية؟
مواصلة هذا الدعم وهذا المشروع ناجح ويحقق طفرة تنموية واقتصادية كبيرة للسودان وهي تنمية حقيقية للتراث الثقافي السوداني وتأهيل متحف السودان يشجع السياحة الداخلية والخارجية وهذا المتحف يبقى رمزا يجسد العلاقة بين السودان وقطر.
-كم عدد الأهرامات في السودان؟
الأهرامات القائمة في السودان مجموعها 300 هرم والسودان ومنطقة البجراوية فيها أكبر تجمع للاهرامات في العالم، الدراسة الثانية كان هناك ارشيف كامل للخبير الالماني هنكل الذي نقل آثار النوبة والمعابد النوبية من منطقة حلفا التي تعرضت للغمر بواسطة خزان السد العالي الى متحف الخرطوم ايضاً عمل في مشروع ترميم اهرامات البجراوية وعندما توفى كان يمتلك ارشيفا كبيرا جداً عن الاثار السودانية وتم الاتفاق مع الجانب القطري والمعهد الالماني للآثار لعمل نموذج وارشفة الكترونية لهذا الأرشيف لوضع نسخة منه في الهيئة العامة للاثار والمتاحف السودانية ونسخة تسلم للحكومة القطرية وثالث للألمان لاغراض البحث العلمي.
وايضاً المشروع فيه خبير امريكي يقوم بعمل دراسة جدوى حول كيفية استغلال هذه المواقع سياحياً خاصة وانها مسجلة ضمن مواقع التراث العالمي.
-هل تم توثيق كل الآثار السودانية؟
نعم لدينا مشروع لتوثيق وتسجيل الآثار الشاخصة والآثار في باطن الارض وقمنا بتسجيل اكثر من 40 الف قطعة اثرية الكترونياً وكتابياً من بين اكثر من مائه الف قطعة اثرية موجودة حالياً في متحف السودان القومي ولدينا اضعاف هذا العدد في الخارج، وطبعا تأهيل المتحف القومي بواسطة القطريين يؤهلنا لبناء مخزن ضخم لتخزين الآثار بصورة سليمة، والاثار الان مخزنة بصورة غير علمية تفتقد المواصفات العالمية، بسبب ظروف السودان الحالية.
*ماهي أهم المواقع التي تسعون حالياً لتسجيلها ضمن التراث العالمي؟
لدينا قائمة طويلة من المواقع منها حضارة كرمة كأول دولة سودانية مستقلة قبل الميلاد والاثار الفرعونية الموجودة في السودان والاثار المسيحية الموجودة في دنقلا العجوز ودنقنارتي والغزالي ووضعنا في القائمة ايضاً الاثار الاسلامية في دنقلا العجوز والخندق وفي قائمة التراث الطبيعي وضعنا مقرن النيلين وحديقة الدندر وجبل الداير وجبل مرة ووادي هور وموقع جبل العيونات وهو موقع مشترك مع مصر وليبيا وغيرها من المواقع الأثرية البارزة في السودان.
*كم عدد المتاحف الموجودة في السودان؟
لدينا حالياً 14 متحفا موزعة على عدد من الولايات ونؤكد ان المشروع القطري يجسد العلاقة الاخوية بين الشعبين وايضاً يدلل على ريادة الشعب القطري في الحفاظ على التراث الثقافي العالمي خاصة وان قطر من الاعضاء الفاعلين في مجلس التراث العالمي ومن الأعضاء الأصيلين في اليونسكو.
*ماهو تقييمكم لما تم إنجاذه؟
المشروع يُدار بآلية علمية فاعلة تضم خبراء عالميين ووطنيين لادارة هذا المشروع، وتقييم أعمال الكشف ونحن نؤكد ان ما تم من نتائج مرضية ونأمل ان يمتد هذا المشروع لما بعد الـ 5 سنوات ليشمل آثار السودان الاخرى خاصة وان 30% فقط من الآثار السودانية تتركز في ولايتي نهر النيل والشمالية.
*هناك حديث عن تهريب معظم الاثار السودانية إلى الخارج؟
الآثار السودانية منذ القرن الـ18 أي منذ العام 1820م بعد حملة محمد علي باشا في غزو السودان صاحب هذه الحملة عدد من المستكشفين والهواه واشهرهم طبيب ايطالي يسمى فرليني قام بتدمير هرم الملكة آماني شخيتو إحدى الملكات المرويات الكنداكات وسرق مجوهراتها وباعها للملك البروسي ومن ثم تم تداولها الى ان استقرت الان في متحف ميونخ، ومعروض باسم مجهورات الملكة الكوشية اماني شخيتو باسم السودان وهناك آثار خرجت خلال فترة الاستعمار كان المستعمر يستقطب بعثات عالمية للعمل في البحث عن الاثار وكان يعطي البعثة المكتشفة 50% من الآثار مثلاً هنري ويلكم نقل بعض الآثار إلى بريطانيا وبطش ايضاً نقل بعضها إلى بريطانيا ورايزر جون اندرو راينر في مطلع القرن العشرين حفر كل الجبانات الكوشية الخمسة وهو من هارفر بوتسطن ونقل جزءا من الاثار وعرضها في متحف بوتسطن للفنون الجميلة، هذه الاثار موجودة في متاحف عالمية لكنها موضوعة باسم الحضارات الكوشية والنوبية وفي فترة الاستقلال كان السودان يمنح البعثة التي تكتشف الآثار 50% ولدينا صالة من الاثار موجودة في متحف وارسو الوطني اسمها صالة فرص (وفرص هي عاصمة مملكة نوباطية أول مملكة مسيحية نوبية في القرن السادس) وهذه الاثار اكتشفتها بعثة اثار العلوم البولندية منحوا جزءا من اللوحات الجدارية ومنذ عام 1999م تم تغيير القانون بحيث ان الاثار تخرج وفقاً لقانون الاثار للدراسة في شكل عينات أثرية وتخرج في شكل اعارة فترتها من عام الى 10 سنوات تعرض في المتاحف العالمية أو المعارض المؤقتة اما آلية اعادة هذه الاثار القديمة هناك اتفاقيات مثل اتفاقية 1970 اتفاقية تهريب الاثار التي لم يعتمدها السودان نحن وضعنا خطة عمل مع اليونسكو وتصورا للجهات العليا بضرورة اعتماد هذه الاتفاقية لانها تحمي الاثار المسروقة والمهربة واثناء النزاعات المسلحة، لكن السودان لم يعتمدها بعد وتابع مع اليونسكو آلية إعادة هذه الآثار وهناك اتفاقيات اخرى كاتفاقية الآثار المغمورة ويفترض اعتمادها من قبل السودان.
-هل تم استعادة بعض الآثار المسروقة؟
نعم بالتعاون مع الانتربول كانت لدينا آثار سرقت من متحف البركل في عام 2006م وعرضت بالمتحف البريطاني واخطرنا بريطانيا وحضر فريق من الانتربول وتأكد من انها آثار سودانية ووجدها منشورة في الكتب وتم اعادتها منها تمثال الملك هيكا ام هيساسل والآن موضوع في متحف السودان القومي.
*هل اليونسكو تدعم الحفاظ على هذه الآثار العالمية؟
تسجيل المواقع السودانية يعتبر اعترافا من مجلس التراث العالمي بأن آثار السودان جزء من التراث الانساني العالمي ونحن متاح لنا منبر مفتوح عبر اليونسكو للتعريف بالحضارات السودانية واليونسكو وهيئاتها يقدمون دعما فنيا لترميم هذه الاثار وهناك مكاسب لتدريب الكوادر الوطنية التي تحمي هذه الاثار.
*هل ما تقدمه لكم الحكومة السودانية للآثار مرضٍ؟
هو ليس مرضيا وغير كاف للآثار ولكن نلاحظ أن هناك تقدما وزيادة تدريجية في الدعم المقدم ولكن كل ما ينفق لا يلبي طموحنا ونحتاج الى جهد مضاعف لبناء البنى التحتية.
المرحلة الثانية المستهدفة بتطوير الآثار وتنميتها؟
منطقة الخرطوم والجزيرة تعتبر من المناطق الغنية بالآثار وتحتاج إلى عمل دراسات أثرية ومسوحات لأنها هي المناطق الخصبة والمستهدفة من قبل المشاريع التنموية ونطمح في تركيز العمل في الولايات الطرفية في دارفور وجبل مرة وجنوب كردفان وشمال كردفان لأن هذه المناطق الأعمال الأثرية التي تمت فيها شحيحة وهي غنية بالآثار.