"الخيمة الخضراء" تؤكد أهمية «رقمنة» المخطوطات وإتاحتها إلكترونيا..

خبراء: نناشد المؤسسات المختصة بضرورة توفير الإمكانيات لحفظ المخطوطات وترميمها

لوسيل

صلاح بديوي

تواصلت فعاليات الخيمة الخضراء برئاسة الدكتور سيف بن علي الحجري أمس الأول في حلقتها السابعة وتناولت أثر المخطوطات العربية والإسلامية على الموروث المعرفي بمشاركة 15 خبيرا وباحثا ومتخصصا ومهتما من قطر والوطن العربي، وكشفت المناقشات عن احتلال المخطوطات العربية والإسلامية المرتبة الأولى في العالم حيث يوجد أكثر من 1.250 مليون مخطوطة تراثية عربية وإسلامية في شتى فروع العلوم والمعرفة، يليها في المرتبة الثانية 300 ألف مخطوطة لاتينية، وأن العرب ظلوا يتسيدون الحضارة الإنسانية لمدة 12 قرنا من الزمان في شتى فروع العلوم والمعرفة.

تحت عنوان أثر المخطوطات العربية والإسلامية على الموروث المعرفي قال الدكتور سيف بن علي الحجري: إن ثراء التراث العربي والإسلامي المخطوط، يحمل في طياته خير دليل على عمق، وتجذر هوية حضارية للأمتين العربية والإسلامية، مما كان له أعمق الأثر في تنوير البشرية .

واستطرد قائلاً: على المؤسسات المعنية، توفير الإمكانيات البشرية والمادية للإنفاق على ذلك، الذي يعد استثمارا على المدى البعيد، خاصة في تحقيق المخطوطات وحفظها وترميمها، وحصر وتصنيف المخطوطات في مكتبات العالم، وإخضاعها لعملية فهرسة وترقيم إلكترونية، مع تعزيز ودعم الأبحاث ذات الصلة، وإثراء الوعي بأهمية المخطوطات ووقف كل محاولات التهريب أو التداول غير القانوني، وذلك بتشريعات قانونية ورقابة صارمة، وتمكين النشء من الاطلاع على المدلولات الحضارية لتلك المخطوطات، حيث أصبح الأمر واجبا من أجل حماية الإرث التاريخي لعلمائنا، كأداة هامة للتعريف بحضارة الأجداد المتمددة فينا .

موروث ضخم على كل المستويات

أكد الدكتور فيصل الحفيان مدير المشروعات بدار المحفوظات في إسطنبول أنه لابد من النظرة الشمولية التي تجعل من التراث كتابا واحدا يحظى بالاهتمام، والتراث العربي المخطوط هو أكبر تراث حي على البسيطة اليوم من كل النواحي الإغريق يملكون تراثا مكونا من 70 ألف مخطوطة، والتراث اللاتيني يصل إلى 300 ألف مخطوطة، بيد أن التراث العربي الإسلامي يفوق المليون من المخطوطات ربما بكثير، ومشكلتنا الانتقاء من التراث لكون أن بيننا من يخضع التراث للأيديلوجيات حيث كل صاحب فكر يهتم بمخطوطاته لدعم وجهة نظره .

واستطرد قائلاً: نحن نريد أن ننظر للموروث التراثي والمعرفي نظرة شاملة حيث تحمله لنا تلك المخطوطات، وهو موروث ضخم على كل المستويات بما في ذلك مستويات العلوم، والتي تتطلب قراءة جديدة لمخطوطاتها ودراساتها وبحوثها وتجاربها العربية التراثية، وتلك القراءة تجري بعين عربية إسلامية قد تفيد كثيرا في استثمار هذا التراث، ونحن في حاجة إلى شهود حضاري جديد لا يمر إلا عبر التراث .

وأضاف الدكتور فيصل الحفيان: نحن نحتاج إلى نوع من القراءة الناقدة التي تنظر إلى التراث بعين الفخر لا عين التبجيل والاحتماء والتغني بهذا التراث فقط، بيد أن الأهم من ذلك أن نستثمر التراث ونستفيد منه، وهو ما فعله الأوروبيون عندما عادوا لتراثهم، نحن نريد قراءة ناقدة للتراث لا ناقضة له حتى نستفيد منه ونسترجعه ونجعله جزءا من ثقافة العصر والحضارة التي نعيشها لنواكب هذا الزمان وهو زمان العلم .

وأوضح د. الحفيان: لدينا تراث كبير من مخطوطات العلوم وعلى سبيل المثال كتاب مصالح الأبدان والأنفس لأبوزيد البلفي، بعلم النفس الذي وضع في القرن الثالث الهجري ويتحدث فيها عن الوسواس والاكتئاب والعلاج السلوكي وهو آخر موضة في الطب النفسي الآن، وفي وقت نمر فيه هذا العصر بجائحة كورونا لدينا رصيد حول الأوبئة وتلوث الهواء الذي نعاني منه من خلال كتاب مادة البقاء في إصلاح تلوث الهواء لمحمد بن أحمد التميمي من القرن الرابع الهجري، وهناك كتب في النباتات والأدوية لم تستثمر الاستثمار الأمثل .

وخلص الدكتور فيصل الحفيان للقول: إذا أردنا أن نستثمر التراث لابد أن ننطلق من الإيمان والاقتناع به في ظل وجود عقدة نقص لدينا والإحساس بالدونية والتخلف، وهذا يجعلنا لن نستطيع استثماره، نريد أن نقرأ التراث ومنهاجه وطرائق التفكير باقتناع، فالحضارة الإسلامية ظلت ترفع الراية 12 قرنا والإنتاج العلمي على مستوى العلوم والفلسفة والمناهج هناك اعتراف بأن الإنجازات التي حققتها الحضارة العربية الإسلامية لابد أن تستدعي إحياء هذا التراث .

تنامي تهريب المخطوطات

وتساءلت الدكتورة تهاني العبيدلي الشمري، مستشار قانوني: هل ازدادت عمليات التهريب الجمركي والتداول غير القانوني للمخطوطات والتراث الوثائقي في الآونة الأخيرة؟... وأجابت: الموروث الثقافي من مخطوطات وآثار الأكثر عرضة لخطر السرقة والاتجار الغير مشروع لـ 4 أسباب ألا وهي: سهولة نقله بشكل غير قانوني سواء بتهريبه جمركيا أو إلكترونيا، وهو الأقل حماية بموجب التشريعات المحلية الوطنية، وسهولة الإفلات من الجرم (عابر للحدود - عبر الفضاء الإلكتروني)، مغرٍ حيث يشكل ربحا ماليا وفيرا.

واستطردت د. تهاني قائلة: الموروث التراثي المعرض للاتجار والتهريب والتداول الغير المشروع يمثل الموجودات في بيوت العوائل الوارثة لتلك الآثار والمخطوطات وكذلك الموجودة في المتاحف، أو بعض المكتشفات الأثرية مثل المخطوطات وتحف الفسيفساء، والمجسمات والرموز وغيرها وهي حق خالص للدولة وحائزيها المورثة لهم .

وفي معرض تعريف التهريب الجمركي قالت: المادة (142) من القانون الخليجي الموحد تعرفه على أنه إدخال أو محاولة إدخال البضائع إلى البلاد أو إخراجها أو محاولة إخراجها منها بصورة مخالفة للتشريعات المعمول بها دون أداء الضرائب الرسوم الجمركية كليا أو جزئيا أو خلافا لأحكام المنع أو التقييد الواردة في هذا النظام القانون والأنظمة والقوانين الأخرى .

وشددت على أن القانون يعطي الحق للدول في استرداد ممتلكاتها المنهوبة والمهربة والذي تسنده الاتفاقيات الدولية وهما: اتفاقية اليونسكو واتفاقية التدابير المناسبة لاسترداد أو إعادة تلك الممتلكات الثقافية المستوردة لسنة 1995.

ورصدت الدكتورة تهاني 6 ملاحظات مهمة ومن بينها: ازدياد العمليات الدولية في التداول والاتجار غير القانوني بالآثار والمواد الثقافية المنهوبة من المواقع الأثرية ومن مؤسسات التراث الثقافي وتهريبها، وجود العديد من المخطوطات والتراث الوثائقي المتوارثة لدى الكثير من العائلات في العالم العربي عرضة للسرقة، عدم دراية ضباط الجمارك بالمخطوطات الثمينة وتمريرها بحسن نية. عدم الالتزام بالاتفاقيات الدولية بأنواعها .

وأشارت لـ 7 تحديات تعرقل مكافحة التهريب من بينها: استعانة المنظمات الإجرامية بالهاكرز، ظاهرة غسيل الأموال والإرهاب، وتطور أساليب المهربين، وصعوبة الضبطيات والتحقيق والإثبات، وتضليل العلماء والعدالة بإنتاج قطع مزورة لمواد تراثية، والتصدي لظاهرة الرشاوى والفساد المؤسسي. الحفاظ على خزينة الدولة العامة من الهدر، وطول أمد التقاضي .

وطرحت العبيدلي 6 حلول: تعزيز التعاون بين المنظمات الدولية والإقليمية لحماية التراث الوثائقي وإحباط التهريب والاتجار غير القانوني بالمواد التراثية والثقافية وإعادة المسروقات الى دولها. سد الثغرات القانونية بشأن مواد التهريب الجمركي. إعداد محققين جنائيين في جرائم التهريب الجمركي الإلكتروني. تطوير تدريب العاملين في الجمارك على أحدث أساليب التفتيش الجمركي. إعداد خطط بشأن مكافحة التهريب الجمركي بين مؤسسات الدولة وتقييمها دوريا. تمكين ضباط الجمارك من المعرفة التامة بالمخطوطات والآثار الممكن تهريبها .

قاعدة بيانات تراثية

وكشف عبد العاطي الشرقاوي رئيس مؤسسة علم لأحياء التراث عن نجاح المؤسسة خلال الـ 15 عاما الماضية في الانتهاء من المرحلة الأولى المتعلقة بوضع أول قاعدة بيانات للتراث العربي والإسلامي تضم 1.250 مليون مخطوطة، وقال: تلك المخطوطات العربية والإسلامية تفرقت وتشرزمت حول العالم في أكثر من 4270 مكتبة، بيد أننا سافرنا وحصرنا الفهارس من خلال 7 آلاف مجلد صورنا 95% منها ونجحنا في إنشاء قاعدة بيانات يوضع فيها تراث الأمة الفكري.

وأوضح أن تلك القاعدة تضم أشرف ما أنجبته العقول أسست عبر مؤسسة علم لإحياء التراث حيث سافرت في رحلات بمختلف دول العالم لأجل هذا المشروع وصورنا 6 آلاف مجلد من 70 دولة تضم ربع مليار صفحة وحصرنا المؤلفين فبلغوا 40 ألف مؤلف و650 ألف عنوان.

وأوضح أن تلك القاعدة اكتملت مرحلتها الأولى بيد أنه توجد مخطوطات بالعالم الإسلامي لم يصل إليها أحد وفي غاية الأهمية ومنها على سبيل المثال 27 ألف مخطوط في طشقند، وقاعدة البيانات تلك سوف تغير مسار التفكير حول العالم.

وأشار الدكتور عبدالعاطي أن ما قام به هو عبارة عن مجهود فردي ولم يساعده أحد بدولار واحد ووقف وحسبة لله سبحانه وتعالى من أجل إنقاذ تراث الأمة، وأن اكتمال هذا المشروع يحتاج للمزيد من الجهود والإنفاق عليه، وهو التحدي الذي يواجهه وسيستمر حتى يكمل هذا المشروع.